موضوعها الأساسي الإيمان، وحقيقته, ودلائله, وصفاته. تبدأ بتقرير الفلاح للمؤمنين: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"، وتُختتم بنفي الفلاح عن الكافرين: "إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ". وتحدد أولى آياتها أبرز صفات المؤمنين. ويأتي ختامها توجه إلى الله تعالى، طلبًا للرحمة، والغفران: "وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ". إنها سورة "المؤمنون"، وهي سورة (مكية)، وعدد آياتها 118 آية. يقول أولها: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴿1﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴿2﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴿3﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴿4﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴿5﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴿6﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴿7﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴿8﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴿9﴾ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴿10﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".﴿11﴾. سُئلت السيدة عائشة - رضى الله تعالى عنها - عن خلُقُ الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلُقُه القرآن". ثم قرأت: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ", حتى "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ". وقالت: "هكذا كان رسول الله، صلى الله عليه وسلَّم". (أخرجه النَّسائي). وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: "كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه كدوى النحل، فلبثنا ساعة، فاستقبل القبلة, ورفع يديه، وقال: "اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا ".. ثم قال: "لقد أُنزل عليَّ آياتٌ من أقامهن دخل الجنة". ثم قرأ "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"، حتى ختم العشر". (رواه النسائى في الصلاة). وتبدأ الآيات بوعد من الله، سبحانه وتعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"، بالسعادة, والفوز, والفلاح, للمؤمنين، بل والخير, والنصر، والتوفيق, والمتاع الطيب في الأرض.. "الفلاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة.. فلاح الفرد المؤمن، وفلاح الجماعة المؤمنة". (في ظلال القرآن). فمن هم هؤلاء المؤمنون، الذين وعدهم الله هذا الوعد، وأعلنهم هذا الإعلان؟ إن لهم سبع صفات. أولاها: "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"، أي أن صفتهم الأولى هي الخشوع في الصلاة، فالصلاة صلة بين العبد، والرب. وتعني القرب من الله. ومن حافظ عليها؛ حافظ على ما بينه، وبين الناس. و"خاشعون" هنا كما جاء عن ابن عباس، رضي الله عنه أي: "خائفون سا كنون". وعن علي بن أبى طالب، رضي الله عنه: "خشوع القلب". يقول ابن كثير: "الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرَّغ قلبه لها, واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة، وقرة عين، كما قال النبى - صلى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنَّسائي عن أنس، عن رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، قال: "حُبَّب إليَّ الطيبُ والنَّساءُ وجُعلت قرة عيني في الصلاة". (أبو الفداء إسماعيل بن كثير). وجاء في "الظلال": "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ".. تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدى الله, فتسكن وتخشع فيسرى الخشوع منها إلى الجوارح والملامح والحركات، ويغشى أرواحهم جلالُ الله في حضرته, فتختفي من أذهانهم جميعُ الشواغل, ولا تشتغل بسواه, وهم مستغرقون في الشعور به مشغولون بنجواه.. ويتوارى عن حسهم، في تلك الحضرة القدسية، كل ما حولهم، وكل ما بهم, فلا يشهدون إلا الله, ولا يُحسُّون إلا إياه, ولا يتذوقون إلا معناه.. ويتطهر وجدانهم من كل دنس, وينفضون عنهم كل شائبة, فما يضمون جوانحهم على شيء من هذا، مع جلال الله.. وعندئذ تتضاءل القيم، والأشياء، والأشخاص، إلا ما يتصل منها بالله". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد