سبع سنوات قضيتها فى الأقصر ... محافظاً لأجمل بقاع الدنيا ... بشهادة كل من زارها ... من كل الأطياف ... ملوكاً كانوا ... أو رؤساء ... أو أشخاصا عاديين. وعندما أشارككم ذكرياتي، عنها، فإن هدفى هو إطلاعكم على صورة مصر، وأقصرنا العريقة، فى عيون زائريها. واليوم، أتذكر معكم زيارة ملكة النرويجالقاهرة، لحضور احتفال مصر بأعظم كتاب العصر الحديث على مستوى العالم، الكاتب النرويجيHenrik Ibsen، الذى أذهل العالم بكتاباته المسرحية مثل «البطة البرية» و«بيت الدمية» التى تم تعريبها، وقام ببطولتها الراحل نور الشريف، على خشبة المسرح القومي. وللحق أقول،أقامت مصر احتفالية ثقافية، أكثر من رائعة، للاحتفال بالكاتب العالمي، عند سفح الأهرام، كانت عنواناً كبيراً، لمكانة مصر الثقافية فى العالم، باعتبارها مهد الحضارات الإنسانية. وتمت دعوة الملكة سونيا، ملكة النرويج، للمشاركة فى حفل تكريم أعظم كتاب العصر الحديث. ولبت الملكة الدعوة، وطلبت أن تزور الأقصر بعد حضور الحفل الرائع. وفى اليوم التالي، وصلت إلى الأقصر، حاملة أربعة كتب عن المدينة. على أى حال، وصلت الملكة إلى الأقصر، فى قمة ذهولها من أنها مرتدية ملابس صيفية، فى حين يغطى الثلج الطرق والمنازل فى النرويج، وكاسحات الثلوج تعمل على مدى اليوم هناك. وما أن ركبنا السيارة، حتى طلبت فتح نوافذها «لاستنشاق الهواء الجميل ... الدافئ». وتوجهنا إلى فندق ونتر بالاس، وصعدنا إلى شرفة الجناح الملكى به، وكان وقت الغروب قد حل على المدينة، ليضفى إلى جمالها، جمالاً خلاباً، لا تراه فى أى مكان آخر فى العالم، حيث يبرق النيل العظيم، تحت بقايا أشعة الشمس، التى بدأت تتوارى فيه، خلف الأشرعة البيضاء الرابضة على شطه، كأنها حراسه. وحبست الملكة أنفاسها من روعة المنظر، فدعوتها إلى الاستمتاع به فى شرفة الفندق، مع فنجان من الشاي. فزادها أهل الأقصر إبهاراً، بقطعة من حلوى البلح، لا تجد لها مثيلاً فى أى مكان آخر، وهو ما يؤكد كلام أهل الأقصر، عندما يصفون أنفسهم بالتميز، فهم، حقاً، متميزون! وهو ما استدعى لذاكرتى حلوانى جيانولا، الذى كان يقدم أحلى زميل فايس فى العالم، أيام زمان، بالطبع. ثم جاء وقت العشاء، فأردت أن أفسح للملكة الفرصة، لفض حقائبها، وتغيير ملابسها، لكنها فضلت ألا تضيع أى دقيقة، إلا إذا كان هناك بروتوكول رسمى لذلك، فأكدت لها أنها فى إجازة شخصية، ولها أن تتحرر من القيود الرسمية، وتفعل ما يحلو لها. واصطحبتها إلى العشاء، فى أحد مطاعم الأقصر، على ضفاف النيل، مبتعداً عن الفنادق والمطاعم الرخامية ذات الخمس نجوم، لأتيح لها تجربة مصرية كاملها، بما فيها أكل الحمام المحشو بدون شوكة وسكين. وأمضينا نحو ساعة كاملة على العشاء، تخللها عدد من المكالمات الهاتفية التى أجرتها الملكة مع أفراد عائلتها، تخبرهم فيها بأنها تجلس على ضفاف النيل، مرتدية الملابس الصيفية، فى هذا الشهر من العام، بينما تستمع إلى وصفهم للثلوج التى تغطى النرويج فى اللحظة نفسها، والقرى المهاجرة بسبب ذلك. وأنهينا العشاء، وظننت أنها ستتوجه فوراً إلى حجرتها بالفندق، بعد أن بدأت يومها فى القاهرة بزيارة قلعة صلاح الدين الأيوبي، ثم المتحف المصرى فى وسط العاصمة، وتوجهت بعدهما إلى الأقصر لتستأنف يومها، بحيوية ونشاط، إلا أنها طلبت أن تتوجه إلى أسواق المدينة، لتستكمل استمتاعها ببلدنا، حسب تعليقها. وحيث إن الساعة كانت تشير إلى التاسعة مساء، وبما أننا فى فصل الشتاء، فإن المحال تظل مفتوحة حتى منتصف الليل، توجهنا، بالفعل إلى السوق، لتشترى الهدايا التذكارية. ومع دخولنا السوق، كان الترحيب بي، من أصحاب المتاجر، غاية فى الحفاوة، بصفتى المحافظ الذى طور السوق، لتصبح من أروع أسواق مصر، وليس الأقصر فحسب. وبعد تكرار مواقف الترحيب بى من أهل الأقصر، طلبت منى الملكة أن أعود إلى مكتبي، وأتركها بمفردها، كإنسانة عادية لا يعرفها أحد، مؤكدة أن هذا لن يحدث، لو أننى أكملت الزيارة معها. فاستجبت لرغبتها، وتركتها مع إحدى موظفات العلاقات العامة بالمحافظة، وفردى أمن يسيران على مسافة، ليست قريبة، منها. وللحق أقول، لم أنزعج يوماً، طيل فترة وجودى فى الأقصر، من تأمين السياح بها، فأهلها يعرفون، تماماً، كيف يحافظون على ضيوفهم، فلم يحدث خلال سبع سنوات، أن سمعت عن حالة تحرش بالسياح، فأهل الأقصر صعايدة، عيب أن يسمحوا بأى مضايقات لضيوفهم. أمضت الملكة ثلاث ساعات فى السوق، اشترت خلالها العديد من الهدايا، استدعى حجمها إرسال فردين من المحافظة، للمساعدة فى حملها، أما السجاجيد، فقام أصحاب المتاجر بإرسالها مباشرة إلى الفندق. إن تلك التفاصيل التى أشارككم إياها، ليست من باب السرد، وإنما للتدليل على رواج حركة السياحة فى الأقصر، وما يعنيه ذلك من توفير فرص العمل لأبنائها، فى مختلف المجالات، وليس فى المزارات السياحية فقط. وفى صباح اليوم التالي، وبعد أن ركبت الملكة المنطاد فى الفجر، واستمتعت بمنظر أفقى للمدينة مع شروق شمسها، طلبت أن يكون إفطارها على فلوكة فى النيل، وهى خدمة تقدمها معظم الفنادق فى الأقصر، ومن فرط استمتاعها، طلبت أن يكون الغداء، أيضاً، على فلوكة فى النيل، ثم أن تحتسى الشاى على الفلوكة مع الغروب، وقبل أن تطلب الترتيب للعشاء على الفلوكة، أبلغت سكرتيرها، بأن لنشات المسطحات المائية كانت تؤمنها طوال اليوم، وهو ما سيتعذر استمراره مع حلول الليل. فعادت الملكة إلى الفندق، بعد الغروب، وطلبت، ساعتها، أن تمتد الزيارة لثلاثة أيام إضافية. ولا أنسى لفتتها الرقيقة، فى نهاية زيارتها، بأن طلبت أن تقدم هدية رمزية للحلوانى بالفندق، الذى كان يعد لها حلوى البلح يومياً. عزيزى القارئ، ليست هذه قصة أحكيها لك بلا هدف، وإنما السبب فى مشاركتك إياها، هو أن أقول لكم جميعاً أن بلدنا عظيم... ورائع... وبه مقومات لم تؤت لأى مكان آخر فى العالم، بما يتيح لنا أن نقدم لزوارنا شيئاً مختلفاً. يا أهل المحروسة ... تذكروا ما لدينا من مميزات ... وتذكروا بأن لدينا أجمل مدن فى العالم ... وابتعدوا، ولو قليلاً، عن حرب الفضائيات اليومية ... وركزوا جهودكم فى العمل لمصلحة هذا البلد. لك الله يا مصر! Email: [email protected] لمزيد من مقالات لواء أ. ح. د. م. سمير فرج