لم يعرف العالم ثوبا انتشر في كل العالم وارتداه الغني والفقير والرؤساء والمغمورون ونجوم السينما والفاتنات والرجل والمرأة والكبير والصغير مثل بنطلون الجينز الذي ظل استخدامه مقصورا حتي الحرب العالمية الثانية علي أمريكا. وحتي في أمريكا نفسها رفضت ولايات الشرق استخدامه بإعتباره زيا خاصا برعاة البقر الذين يعيشون في ولايات غرب أمريكا. ولكن ما ان ارتداه في أفلامهم وفي حياتهم الخاصة نجوم السينما البارزون وعلي رأسهم مارلون براندو وجيمس دين حتي أقبل الشباب عليه. ومع انتشار الأفلام الأمريكية خارج أمريكا وظهور الجنود الأمريكيين الذين ذهبوا إلي أوروبا واليابان وهم يرتدونه باعتباره رمزا من رموز الوطن وفي الوقت نفسه رخص أسعاره ومتانته وقبوله شكلا من حيث التصميم وعدم حاجته إلي الغسيل بطريقة مستمرة ولا إلي الكي, انهال الطلب علي الجينز في كل أنحاء العالم وبين كل الطبقات من الجنسين والأعمار مما جعل البعض يسمونه الزي الوحيد الذي يعبر عن الديموقراطية العالمية. وأصبح من النادر ألا يكون لدي أي واحد في معظم شعوب العالم( باستثناء الصين) بنطلون جينز. وبعد أن كان يعتبر زيا شعبيا جري تطوير إستخدامه بحيث ظهرت أخيرا موضة لبسه مع جاكيت أنيق في الحفلات المسائية مما ألغي حاجز منع الدخول به في بعض المسارح والحفلات كما كان من قبل. وغير ذلك أصبح الجينز القديم الذي أصابه تمزق في النسيج وفي بعض الأماكن أغلي سعرا باعتباره مثل اللوحات الفنية القديمة! ولم يأت بنطلون الجينز من مصدر واحد ولكن من جهود متعددة. ففي ولاية نيفادا الأمريكية كان هناك خياط اسمه جاكوب ديفيس توصل إلي استخدام قماش الخيام وقلوع المراكب لتصنيع بنطلون يرتديه عمال مناجم الذهب وقطع الأشجار إلا أن شكله كان غبيا. وفي مدينة فرنسية اسمها دي نيمز كانت هناك جهود أخري لإنتاج نسيج من القطن يتميز بالقوة اطلق عليه إسم دينم نسبة إلي المدينة الفرنسية. وفي مدينة جينوا الإيطالية لاحظ المراقبون أن البحارة الإيطاليين الذين يفدون بكثرة علي المدينة يرتدون بنطلونات من قماش مصبوغ بصبغة زرقاء عرفوا سرها وإستخدموها في صبغ قماش الدينم الذي يستوردونه من فرنسا وأطلقوا عليه اسم جينز نسبة إلي جنوا. ومن هذه التشكيلة المتباعدة: اللون والاسم من جنوة, والقماش( الدينم) من فرنسا, والخياط من أمريكا تم التوصل إلي صناعة بنطلون جديد عرف باسم الجينز بعد أن فكر الخياط جاكوب تقوية البنطلون الذي ينتجه بعدد من الزراير المعدنية التي تمنع تمزقه. ولأنه لم يكن يملك تكاليف الحصول علي تسجيل اختراعه فقد عرض علي مورد القماش الذي يتعامل معه في سان فرانسسكو واسمه ليفي ستراوس مساعدته في تسجيل الاختراع نظير مشاركته فيه. وبالفعل تم يوم20 مايو1873 في مدينة سان فرانسسكو تسجيل براءة اختراع البنطلون الذي يستخدم الزراير المعدنية في قماش متين مصبوغ باللون الأزرق, وكان ذلك بداية ظهور البنطلون الجينز تاريخيا. وقد نالت شركة ليفي وجاكوب شهرة كبيرة بعد ذلك ليس بسبب الزراير المعدنية وإنما بسبب الصبغة الزرقاء المستخدمة في قماش الدينم فقد تبين أن هذه الصبغة لا تخترق نسيجه لكنها تستقر فوق الطبقة الخارجية فقط للنسيج مما يجعلها تخف بمرور الوقت معطية للجينز لونا مختلفا حافظ علي جماله. واكثر من هذا تبين احتفاظ الجينز بنظافته رغم عدم غسله فترة طويلة. وفي تجربة أجراها أحد الدارسين لعلم الأحياء الدقيقة بجامعة أمريكية ارتدي البنطلون المصنوع من خام الدينم مدة15 شهرا بدون غسيل وقام بعدها بإجراء اختبار لمحتوي البكتريا الموجودة به ثم قام بإجراء نفس الاختبار علي بنطلون بعد أسبوعين من غسله ووجد أن حجم المحتوي البكتيري هو نفسه تقريبا في الاختبار السابق مما أوضح عدم زيادة النمو البكتيري إذا لم يتم غسل الجينز بشكل منتظم.! المتسابقة التي كانت الأخيرة وأعطوها14 ميدالية ومن الجينز الذي أكتب عنه بمناسبة مرور139 سنة علي اختراعه, إلي البطلة التي صفقت لها لندن قبل أسبوعين رغم أنها وصلت بعد خمسة عشر يوما من وصول الآخرين!. وقد هزتني حكاية كلير لوماس(32 سنة) البريطانية التي كانت بطلة في الفروسية وقبل خمس سنوات أطاح بها الجواد الذي كانت تركبه في إحدي المسابقات وكانت النتيجة إصابتها بشلل في ساقيها. ورغم ذلك استطاعت مقاومة الإستسلام للعجز الذي أصابها والتدرب علي المشي خاصة بعد أن تم تصنيع بدلة خاصة لها تساعدها علي التحكم في حركة قدميها. وكان التحدي الأكبر عندما قدمت كلير الاشتراك في سباق الماراثون الذي تشهده لندن سنويا منذ31 سنة والذي جري يوم22 أبريل الماضي. وهذا السباق طوله26.2 ميل( حوالي42 كيلومترا) وقد بلغ عدد المشتركين فيه هذا العام32 ألف متسابق. وفكرة السباق ليس من يفوز وإنما من يكمل فيحصل علي ميدالية. ولهذا فهو مفتوح لكل الأعمار وهناك متسابقون تتجاوز سنهم الستين والسبعين. لم تكن كلير لوماس علي كل حال متسابقة عادية وإنما كانت مختلفة عن كل المشتركين ولذلك وافقت اللجنة المنظمة علي أن تسير كلير المسافة التي تستطيعها كل يوم ثم تنقلها السيارة إلي الفندق الذي تنام فيه وتعود بها في اليوم التالي إلي النقطة التي انتهت إليها في اليوم السابق لتواصل سير المسافة التي تقدر عليها وهكذا. وبهذه الطريقة تمكنت كلير أن تصل إلي نهاية السباق في اليوم السادس عشر( يوم7 مايو) لتجد عددا كبيرا من الذين كانوا في استقبالها وتحيتها ومنهم كثيرون من الذين اشتركوا في السباق. وعندما أعلنت لجنة السباق أنها لا تستطيع تقديم ميدالية لكلير لأن شروط الميدالية أن ينهي المشترك السباق في نفس اليوم, تقدم أربعة عشر من الذين حصلوا علي ميداليات وأعلنوا تقديمهم ميدالياتهم للمتسابقة التي حطمت اليأس. ومن المثير أنهم عندما سألوها عن أكبر تحد واجهته خلال السباق فإنها لم تقل الألم أوالتفكير الذي كان يلح عليها بعدم إكمال السباق أو متاعب البدلة التي ترتديها وإنما قالت رصيف الشارع الذي كنت أسير فوقه فقد كان وقع قدمي علي الرصيف أشبه بشوكة في ظهري كل خطوة! محمد عبد المنعم وأحلام فترة التأمل وإلي دنيا الكتب وكتاب كن أنت آخر مؤلفات الكاتب الزميل محمد عبد المنعم ويضم خواطر وأفكار فترة التأمل بعد أن تحرر من القيود التي كان يجد نفسه أسيرا لها خلال مشواره الصحفي الذي بدأه محررا عسكريا في الأهرام وانهاه رئيسا لمجلس إدارة وتحرير روز اليوسف. أما الآن كما كتب في إهداء الكتاب لي فقد وجدت نفسي أعود إلي الوراء لما يقرب من خمسين عاما لأكتب ما أريد أن أكتبه! ويضيف في مقدمته للكتاب طوال تلك السنين كنت أقمع بداخلي رغبة ملحة في الكتابة عن الأدب والفلسفة والفن والإنسانيات بشكل عام.. رغبة ملحة قمعتها الأحداث الجارية داخل وخارج الوطن. الكتاب من النوع الذي لا يرهقك وتقرأه في جلسة واحدة فهو سندوتش لطيف من الأفكارالتي لا تتجاوز كل فكرة صفحة واحدة وأحيانا أقل وإن زادت فعدة سطور قليلة. ولذلك80 بلغت خاطرة في130 صفحة يقول عبد المنعم أن قارئها لن يجد فيها شيئا واحدا عن السياسة من قريب أو بعيد, وهو ما قد تختلف معه فيه, فكل شيء في حياتنا أصبح سياسة حتي إن كنت تتحدث عن الحب! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر