مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يطالب بالاستخدام الأمثل للموازنة الجديدة في الصيانة والمستلزمات السلعية    ألين أوباندو.. مهاجم صاعد يدعم برشلونة من "نسخته الإكوادورية"    القمة فى كل كلية    أسعار الخضروات اليوم 24 مايو في سوق العبور    مصر.. مركز إقليمى ل«البيانات السحابية»    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 24-5-2024 بالصاغة    حملات توعية لترشيد استهلاك المياه في قرى «حياة كريمة» بالشرقية    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «الجيل»: التشكيك في المفاوضات المصرية للهدنة هدفها استمرار الحرب وخدمة السيناريو الإسرائيلي    مصرع 14 شخصاً على الأقلّ في حريق بمبنى في وسط هانوي    إعلام فلسطيني: 5 شهداء وعدة مصابين بقصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا بحي الفاخورة    نائبة رئيس الوزراء الإسباني تثير غضب إسرائيل بسبب «فلسطين ستتحرر»    أمريكا تفرض قيودا على إصدار تأشيرات لأفراد من جورجيا بعد قانون النفوذ الأجنبي    سويلم يلتقى وزير المياه والري الكيني للتباحث حول سُبل تعزيز التعاون بين البلدين    موعد مباراة إنبي ضد سيراميكا كليوباترا في الدوري الممتاز اليوم.. والقناة الناقلة    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    17 رسالة من «التربية والتعليم» لطمأنة الطلاب    جنى تحت المياه.. استمرار أعمال البحث عن الضحية الأخيرة في حادث معدية أبو غالب    «المعلمين» تطلق غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية غدًا    اليوم.. طقس حار نهارا على القاهرة والوجه البحري والعظمى 34    مصرع شخصين وإصابة آخرين في حريق بمنزل بكفر شكر    موعد ظهور نتيجة امتحانات الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ.. رابط مباشر    مدحت صالح يعلن عن موعد صلاة جنازة وعزاء شقيقه    نقيب المحامين الفلسطينيين: دعم أمريكا لإسرائيل يعرقل أحكام القانون الدولي    عائشة بن أحمد تروي كواليس بدون سابق إنذار: قعدنا 7 ساعات في تصوير مشهد واحد    هشام ماجد: الجزء الخامس من مسلسل اللعبة في مرحلة الكتابة    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    سعر اليوان الصيني بالبنك المركزي اليوم الجمعة 24 مايو 2024    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    «الإفتاء» توضح مناسك الحج بالتفصيل.. تبدأ بالإحرام    «الإفتاء» توضح نص دعاء السفر يوم الجمعة.. احرص على ترديده    ألمانيا: سنعتقل نتنياهو    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تدرس تعيين مستشار مدني لإدارة غزة بعد الحرب    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    عودة الروح ل«مسار آل البيت»| مشروع تراثي سياحي يضاهي شارع المعز    أشرف بن شرقي يقترب من العودة إلى الزمالك.. مفاجأة لجماهير الأبيض    قطاع السيارات العالمي.. تعافي أم هدوء قبل العاصفة؟    نقابة المهندسين بالغربية تنظم لقاء المبدعين بطنطا | صور    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    جهاد جريشة: لا يوجد ركلات جزاء للزمالك أو فيوتشر.. وأمين عمر ظهر بشكل جيد    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    بركات: مواجهة الترجي ليست سهلة.. ونثق في بديل معلول    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    وزير الخارجية البحرينى: زيارة الملك حمد إلى موسكو تعزيز للتعاون مع روسيا    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة إلي الواحات
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 05 - 2016

سألتني عن موقف أتوبيس الواحات. قلت أنا ذاهب إلي هناك لاحظت أنها تتعثر في خطواتها. تمشي بضع خطوات ثم تضع حقيبة السفر علي الأرض لتستريح. عرضت عليها حمل حقيبتها فلم تمانع.
إنها المرة الأولي التي أقرر فيها الذهاب إلي الواحات. لا أحد ينتظرني هناك. ولا أحد يرافقني. ولا أعرف سببا لرغبتي التي أملت علي الذهاب.
وصلنا إلي موقف الأتوبيس. لاحظت أنها لم تتقدم نحو شباك التذاكر مثلي ولم أهتم. علمت أن الأتوبيس سيتحرك بعد نصف ساعة. عرضت عليها الجلوس في كافتيريا المحطة فلم تمانع.
عاتبني أصدقائي كثيرا علي عادة متأصلة في طبعي, إذ أنسي نفسي وأنا أنظر في وجوه الآخرين. وقالوا إنها عادة مرذولة. ورغم اقتناعي بنصيحتهم, أضبط نفسي أفعلها في الطريق. فأنا مولع بتأمل الوجوه. ومغرم بقراءة جلد الوجه والعينين. وأشبع رغبة لا أعرف لها سببا.
وهذه السيدة التي تجلس أمامي, والتي لم تمانع في حمل حقيبتها, ولم تمانع في دعوتي للجلوس في الكافتيريا, ماذا وراءها ؟ هل هناك غير وجهها يفض غشاء صمتها ؟ تخلصت من ترددي وصوبت نظراتي إلي الوجه الجالس أمامي. شدني جلد متغضن وبريق لامع في العينين. وعندما سألتها ماذا تشرب, لم تسمعني من المرة الأولي. فتأكد شعوري بأنها غائبة عني في عالم لا أعرفه. عدت للجلد المتغضن ولبريق العينين. أقرأ بعمق. مطمئن إلي أنني لن أضبط متلبسا بالتطفل. قالت قراءتي الأولي إنه صراع الشباب والشيخوخة. لم أطمئن لهذه القراءة. قالت قراءتي الثانية عله امتزاج الشيخوخة بالشباب. أحسست بها قراءة قلقة, فقالت قراءتي الثالثة ربما يكون تغضن الجلد مع بريق العينين هو تصالح شيخوخة الجسد مع روح الشباب, قلت ربما وأنا أكاد أختنق بجهلي.
فوجئت بها تسألني عن الساعة. قلت(( الثانية وعشرة دقائق)) شكرتني ونظرت في ساعتها. استرخت في مقعدها, فأرسلت إلي عينيها نظراتي. كانت غائبة في عالمها. تخيلتها كالموديل التي تجلس لاهية أمام الفنان ليفعل ما يشاء بوجهها. اكتشفت جمالا في الوجه اللاهي عني. ربما أخفاه التغضن في نظرتي الأولي. جبهة مشدودة, تستدير في انسيابية ونعومة علي ذقن صغير وشفتين رقيقتين. أما شعرها الفضي القصير, فقد تناغم مع بريق عينيها, كأنما يعزفان لحن الجمال الذي لم أنتبه إليه من قبل. وانتقلت عيناي إلي الجاكت الخريفي بألوانه الزاهية, فبدت لي كلوحة فنية بديعة.
اكتشفت أنها انتصبت في جلستها وتخلت عن الاسترخاء. وأن رقبتها تتحرك إلي اليمن وإلي اليسار وإلي مدخل المحطة. ولا تكف عن سؤالي عن الساعة ثم النظر في ساعتها. تلبسني توترها. وتملكني حنق علي نفسي لفشلي في قراءة عينيها. وعندما اقتربت الساعة من الثانية والنصف قلت لها الأتوبيس علي وشك التحرك نظرت في ساعتها وقالت تفضل أنت قبل الأتوبيس ما يفوتك سألتها وأنت ؟ قالت تفضل أنت. لا تشغل بالك بي وضعتني أمام الحد الفاصل بين قرارين: أن أركب أتوبيس الواحات أم أبقي معها ؟ دقائق تفصل بين الاختيار: أن أذهب في رحلتي إلي مجهول لا أعرفه, أم أبقي لهدف أجهله ؟ انتبهت علي صوتها الأتوبيس يتحرك. إجر بسرعه كي تلحقه قلت وقد انحزت لرغباتي التي لا أعرف أسبابها أنا لن أسافر
كان الصمت رفيقنا الثالث لعدة دقائق. أنا أفكر في قراري الأحمق. وينحفر في صدري سؤال كالسكين: هل هو قرار أحمق فعلا ؟ وسؤال الحمق يسحبني إلي أسلوب حياتي. إلي يوم إجازتي الأسبوعية الذي أخصصه لسفر بلا هدف. وإلي كل أيام الإجازات. أقطع المسافات ذهابا وعودة, إلي الإسكندرية أو دمياط أو المنيا. في كل مرة أشتري تذكرتي ذهاب وعودة علي نفس القطار أو الأتوبيس. يلح أصدقائي في ضرورة عرضي علي طبيب نفسي. أقول لهم إن ما أفعله يحقق لي بهجة لا أعرف مصدرها. ينصحونني بالزواج وقد تخطيت الأربعين. وكلما فكرت بجدية في نصيحتهم, كلما تملكني رعب لا أعرف أسبابه. عادتان تملكتاني: السفر بلا هدف وقراءة الوجوه. عادتان تحققان بهجة أسعي إليها. أدرك أنها غامضة ولكنها تشعرني بنبض الحياة. بعد رحلة العودة من سفر بلا هدف, أشعر أنني التقيت معشوقتي وتبادلنا الحديث والغرام. وشخصنا أوجاع النفس وأمراض المجتمع وأزمة الوجود, فأنام كالعاشق علي صدر معشوقته. أما متعة قراءة الوجوه فهي لصيقة بمتعة السفر بلا هدف. إذ يتملكني يقين أنني كلما تمكنت من قراءة الوجوه, فهذا يعني أنني موجود. ولكن.. آه.. ها أنا أفشل في قراءة الوجه الجالس أمامي. وكيف لم أكتشف أن بريق العينين اللامع يذوي وينطفيء مع مرور الدقائق وسؤالها الملح عن الساعة ؟
انتبهت علي صوتها هل كنت تنتظر أحدا ؟
ترددت في الإجابة. وبعد أن نظرت في عينيها اللوزيتين وإلي شفتيها الورديتين, فضلت الكذب فقلت نعم سألتني صديق أم صديقة ؟ تصورت أن الكذبة كلما كانت كبيرة, كلما كان تأثيرها أعمق فقلت صديقة قالت أكيد أنت حزين لأنها لم تحضر؟ قلت: بالعكس. أنا سعيد لأنها لم تحضر قالت كيف تكون سعيدا لإنها لم تحضر؟ هذا أغرب رد سمعته في حياتي قلت وقد تصورت أنها تخاطب نفسها أكثر مما تخاطبني من لا يحترم الموعد, لا يستحق الزعل عليه انفعلت وانتفضت وعلا صوتها لأول مرة أنت تجلس هنا ولا تعرف ماذا حدث لها. ربما تعرضت لحادثة ؟ أو..أو...
فوجئت بسحابات تضبب عينيها. أيقنت أن حماقتي بلا حدود. وأنها تبكي حالها الذي أجهله. وتتحسر علي أتوبيس الواحات الذي تركها وحيدة في صحراء بلا بشر. أحسست بالكلمات علي لساني مقيدة. والمعاني تتزاحم وتتصارع. هل أقول لها أنني كنت أكذب عليها ؟ وأنني إنسان عابث وأحمق ؟ هل أكتفي بالاعتذار لأنني فجرت دموعها ؟ أنقذتني من حيرتي عندما سألتني عن الساعة. قلت الثالثة والنصف نظرت في ساعتها وقالت أنا سأغادر المحطة. هل لديك أمل في وصول صديقتك ؟
أدهشتني براءتها المضادة لحماقتي. لم أجد سلاحا غير سلاح الحماقة فسألتها هل كنت تنتظرين أحدا ؟ كنت أخشي أن تنغلق علي نفسها وترفض البوح. ولكنني فوجئت بها ترد بعفوية طبعا قلت صديق. أليس كذلك ؟ قالت بنفس العفوية التي أدهشتني كثيرا لعدة سنوات: صديق ؟ وأي صديق ؟ إسمع يا أستاذ.. ليس من المهم أن أعرف اسمك. أرجوك أن تسأل عن صديقتك. يجب أن تطمئن عليها ولا تتخلي عنها. خذ نصيحتي وخبرتي. صديقي الذي لم يحضر, قابلته من أسبوعين بعد فراق عشرين سنه. قضينا أجمل أسبوعين في حياتنا. قال لي إنه بني بيتا في الواحات. عرض علي أن أعيش معه هناك. ونبدأ حياتنا من جديد
تضاربت انطباعاتي وهي تتكلم. هل هي تغسل همومها وتتطهر وتسمو فوق معاناتها ؟ أم إنها تستسلم وتخبو كما خبا بريق عينيها وهي تنظر في الساعة وفي كل الإتجاهات ؟ قلت أواسيها وقد تغلغلت روحها في وجداني أكيد فيه سبب خارج عن إرادته منعه من الحضور قالت كلامك صحيح. لكن كيف أعرف ؟ قلت مستنكرا سؤالها تعرفي عندما تتصلي به وتسأليه قالت بنفس العفوية المشكله إني لاأعرف له لا تليفون ولا عنوان
لولا جلال الموقف لضحكت بعنف. أسعدني أنني لست الأحمق الوحيد. كتمت رغبتي في الضحك وقلت هذا عبث
فوجئت بها تسألني عن وظيفتي, أدهشني سؤالها. قلت أستاذ فلسفة قالت أنا أيضا أحب الفلسفة وإن كنت لا أفهمها. وغير قادرة علي فهم الحياة, رغم حبي لها
نظرت في الساعة ولم تسألني عنها كما اعتادت. ثم قالت أعتقد أنه لا جدوي من الانتظار تخبط لساني وارتبك وأنا أقول طبعا
كنت أود أن يطول البقاء وأن يستمر الحديث. كانت قد نهضت قبلي. انحنت تحمل حقيبة السفر. عرضت عليها حمل الحقيبة فلم تمانع. وغادرنا بوفيه المحطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.