جاء الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، تكريما لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وإيناسا له، ونحن نستحضر اللحظات المفعمة بالروحانية لنعيش جوا مليئا بالطمأنينة والقرب من الحدث المعجز ولقد ورد ذكر الإسراء في قوله تعالي «سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي»، والعنصر البارز في السياق الديني هو الحديث عن الرسول والمعجزة الدالة علي صدقه ورسالته، تلك التي خرقت الناموس، وطوت الزمان والمكان، وجاءت تكريما إلهيا للرسول في جزء من الليل، حيث السكون الغافي علي الكون، والواشي بلحظة التجلي. وقع الحادث الكريم في ليلة واحدة، في اليقظة، وبجسد النبي وروحه، وليس في العقل ما يمنع التصديق به أو يحتاج إلي تأويل، فجوهر الإعجاز هو الجسد، وهو رد علي من رأي أن الإسراء بالجسد، والمعراج رؤيا منامية، وحين أخبر الرسول قريشا بأمره كذبوه لمعرفتهم ببيت المقدس، ولاستحالة أن يقطع المسافة التي يقطعونها في أربعين يوما في جزء من الليل، في حين لم يتعرضوا للمعراج لكونه أمرا سماويا كموضوع الوحي الذي ينزل من السماء علي «محمد صلي الله عليه وسلم» في مكة. وفي دلالة الألفاظ ما يزيل اللبس بين فعلي الإسراء والمعراج، فلقد جاءت لفظة «عبده» في قوله تعالي »سبحان الذي أسري بعبده«، لتشير إلي امتزاج الفعلين الإلهيين مزجا لا انفصال فيه، إذ هي تعني كمال الخلق والعبودية، وتوحي دلالة الإضافة إلي الذات العلية بعلو المنزلة ودرجة الاصطفاء الكبري، ولو فصلنا الجسد عن الروح افتقد الأمر إلي الكمال، وخلا من التكليف، ومن ثم وجب الامتزاج ليتحقق للحدث معجزته المبهرة. ومن ثم فإن التحدي لا يكون بالمنام وإنما بالوجود العيني الذي يؤكد جسدية الرسول في رحلته المباركة، ولعل إعداد الرسول لتحمل عبء الرسالة يكون من أهم دلالات الرحلة، ويري الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد»، أنه في هذه الرحلة «اجتمع الكون كله في روحه، فوعاه منذ أزله إلي أبده.. وصوره في تطور وحدته إلي الكمال». إن الحدث معجز، وعلينا أن نتأسي دلالته، ونجعله يشرق في قلوبنا.. عزا.. ورفعة.. واطمئنانا. الأديب: محمد قطب