رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"مهرجان الهند على ضفاف النيل يعود من جديد". قفزت تلك الرسالة القصيرة على شاشة تليفونى المحمول لتدخل السعادة وتبعث الأمل فى نفسى. فالسعادة منبعها ذلك التقارب المتميز بين مصر من جانب والهند من جانب آخر فى وقت يشهد العالم فيه حالة من الغليان الثقافى والعقائدى والفكرى والسياسى والإقتصادى. أما الأمل فمنبعه تلك الحقيقة التى عرفتها الحضارتان المصرية والهندية على مر آلاف السنين والمتمثلة فى أن تقارب الثقافات يؤدى إلى تقارب الحضارات ويؤدى حتما إلى فتح أسواق وآفاق إيجابية هائلة من التعاون والتبادل على كافة الأصعدة المادية والفكرية. وقد عبر السفير الهندى السيد سانجاى باتاتشاريا فى كلمته عن ذلك التقارب بالقول إن العلاقات بين مصر والهند بدأت منذ آلاف السنين، وإن اللقاءات والحوارات نمت على مستوى الصداقة بين البلدين اللذين تفصل بينهما البحار ولكن تجمع بينهما العلاقات المتبادلة التى وضع أساسها التجار والرحالة والشعراء والفلاسفة والحرفيون والفنانون. لقد كان هناك تبادل بين الجانبين ليس فقط فى مجال السلع والخدمات ولكن أيضا فى الأفكار والأحلام. لقد جاء المهرجان الثقافى السنوى "الهند على ضفاف النيل" ليعكس التنوع الثقافى فى الهند التى وصفها السفير بأنها : " أمة تتمتع بتراث مهم وتتطلع لخلق مستقبل مشرق". وقد يتعجب البعض من الاهتمام بالرقص والغناء وتذوق الأكلات الهندية فى خضم أحداث جسام وأوقات عصيبة يمر بها العالم بوجه عام والمنطقة والوطن على وجه الخصوص. وتأتى الإجابة واضحة وصريحة كما عرفها العالم وأعلنتها الأممالمتحدة منذ سنوات؛ أولا : إن ثلاثة أرباع الصراعات الرئيسية فى العالم ذات أبعاد ثقافية. ويكفى أن ندرك أن ظهور "داعش" وإجتذابها للآلاف من المجندين المخدوعين فى العالمين العربى والإسلامى بل ومن أوروبا الغربية ذاتها يعود فى المقام الأول إلى ضعف المعرفة والثقافة الإسلامية لدى الضحايا وهو الأمر الذى إستغلته قوى الظلام والجهل لإستدراج السطحيين وفاقدى الثقافة وتوظيفهم لتنفيذ مخططات تهدف فى المقام الأول إلى تفكيك ثم تدمير المنطقة ودولها ومجتمعاتها. وثانيا : يعد سد الهوة بين الثقافات أمرا ضروريا وعاجلا للسلام والاستقرار والتنمية، وهو ما لاحظناه بوضوح فى حالة التعاون والتقارب المتعدد المستويات بين الهند من جانب والدول العربية من جانب آخر وعدم نشوب عداوات بين الطرفين فى وقت يشتعل فيه العالم بالنزاعات والأحقاد والكراهية. وثالثا : يشكل التنوع الثقافى قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادى فحسب بل أيضا كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالا. فالتنوع الثقافى عنصر إيجابى ضرورى للحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. ويكفى أن نفسر ذلك بتزايد واردات العالم العربى من الهند فيما يتعلق بالمنسوجات والملابس والأغانى والأفلام والكتب (خاصة الكتب التعليمية الإنجليزية) والمواد الصناعية ومختلف المعدات والبرامج الإلكترونية وأجهزة التليفون المحمول، وهى واردات مستحدثة إلى جانب الواردات التقليدية على مر القرون من البخور والتوابل والأقمشة. ومن المؤكد أن التوسع فى الإستيراد من الهند وضخ الإستثمارات فى المشاريع لم يكن ليحدث دون "دفعة" ثقافية للتعريف بالتطور الذى طرأ ويطرأ من تطور على قدرات الهند الصناعية والتكنولوجية. ومنذ أكثر من عقد ونصف أعلنت دول العالم من خلال الأممالمتحدة أن الثقافة ينبغى أن يُنظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التى يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية، وعلى أنها تشمل، إلى جانب الفنون والآداب، طرائق الحياة، وأساليب العيش معا، ونظم القيم والتقاليد، والمعتقدات. واليوم أصبحت الثقافة تحتل مكان الصدارة فى المناقشات المعاصرة بشأن الهوية والتماسك الاجتماعى وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة. وأن احترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار، والتعاون، فى جو من الثقة والتفاهم، هو خير ضمان لتحقيق السلام والأمن الدوليين. واليوم والهند تسعى إلى تحقيق مستقبلها المشرق علينا نحن أيضا أن "نشاركها" تلك الأمنية إنطلاقا من رغبتنا المماثلة فى تحقيق مستقلبنا المشرق. ومن المؤكد ان المستقبل المشرق الذى بدأ بتقارب ثقافى فنى فكرى وتجارى متميز سيحتاج منا إلى المزيد من العمل والإنتاج والإنجاز ليتحول التقارب إلى "مشاركات قوية" ومتعمقة بين الدولتين على كافة المستويات بداية من الفكر والثقافة والفن وصولا إلى التجارة والصناعة والتطور العلمى والتكنولوجى. لقد إختلفت الساحة العالمية اليوم وأصبح التقارب والتعاون والتشارك يتطلب الذهاب إلى مناطق أبعد كثيرا مقارنة بعصور سابقة. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت.