محبطون، مهمشون، مظلومون، حائرون، صفات أربع تلازم شبابنا كظلهم، ولا يدرون فى أى اتجاه يسيرون، وتتملكهم الحيرة الشديدة مما يصل إلى مسامعهم من رسائل طمأنة ومناشدات لا تتوقف بحتمية مشاركتهم بفاعلية وإقدام فى البناء والتعمير وتصحيح ما يرونه معوجا ويحيد بالوطن عن المسار الصحيح الذى من المفترض أن يمضى عليه، وبين الحقيقة المرة على أرض الواقع التى تتناقض وتتعارض كلية مع الدعوات السالفة. هذا الوضع غير القويم وغير المتسق صدم شباب مصر، وزادت صدمتهم وحيرتهم بحبس عدد من الشباب قبل احتفالات عيد تحرير سيناء فى الخامس والعشرين من الشهر الماضي، واتهامهم بتكدير السلم العام، والتحريض على التظاهر تأكيدا لمصرية جزيرتى «تيران» «وصنافير»، ومحاولة قلب نظام الحكم بالقوة. تلك اتهامات يلزمها مراجعة وتدقيق لأنها قد لا تتناسب مع طبيعة الجرم الذى ارتكبه بعضهم، سواء بتوجيه انتقادات لاذعة تخطت حدود اللياقة والأدب، أو بث برامج ساخرة على غرار ما كان يفعله باسم يوسف عبر اليوتيوب، أو الحض على التظاهر رفضا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، فهى افعال بإمكاننا التناقش حول مدى وقدر فداحتها، لكنها فى جميع الأحوال لا ترقى لمحاولة قلب نظام الحكم. فالقول الفصل الذى سيحسم هذه المسألة وسيضفى وجاهة ومنطقية على اتهاماتهم، وسيزيل كثيرًا من الالتباسات وعلامات الاستفهام، هو هل رفع هؤلاء الشباب السلاح فى وجه الدولة، وجاهروا بمعاداتها وتهجموا على المنشآت العامة والخاصة بقصد تخريبها، أم أنهم ابدوا آراء لا تروق لى ولك وللأجهزة الأمنية، وقابلة للرد عليها بالحجة والبرهان الدامغ؟ إن سجن الشباب سيزيد الاحتقان الداخلي، وسيُعمق الجروح والآلام فى وقت نحتاج فيه وبشدة لتجنب فتح جروح جديدة يستغرق تضميدها فترة طويلة، ولن يؤتى حبسهم الثمار المرجوة من ورائه، فالذين سُيفرج عنهم بعد حين سيجد غالبيتهم أنفسهم أمام طريقين سيفاضلون بينهما للمضى قدما على احدهما، إما أنهم سيزدادون شططًا وتطرفًا فى وجهات نظرهم ورؤيتهم وأفكارهم، وهو خطر يجب التحسب منه لكونه يفتح السبيل لانزلاقهم نحو مستنقع جماعات الغلو، والتكفير، والإرهاب، والبديل الآخر سيكون اختيارهم الانغلاق على النفس وإعطاء ظهورهم للبلد وما يدور فيه وستصبح السلبية شعارهم المرفوع والمفضل. وفى الحالتين الخسارة ستلحق بنا كمجتمع وكوطن، خسارتنا ستكون بانطفاء جذوة وشعلة الانطلاق والتحفز والمغامرة التى يتصف بها الشباب الناهض، والشعوب الواعية الواثقة لا تحجر على شبابها وتعطيهم هامشًا يكفيهم لإشباع رغبتهم الجامحة فى التغيير والتطوير، وكذلك الجنون المحسوب، والتمرد على السائد، كل هذا يتم تحت سمع وبصر المجتمع ومؤسساته التى تجيد توظيف ذلك لمصلحة البلد وتقدمه. لا تنس أيضا أن الآثار النفسية التابعة لتجربة السجن لن تقتصر على من خاضها من الشباب، لكنها سوف تشمل عائلاتهم التى عانت القلق والتوتر، والكعب الداير على أقسام الشرطة، والنيابة، لاستخراج التصاريح والاطمئنان على أحوال فلذات أكبادهم، وسوف تنسحب الحالة على الأقارب والمعارف والأصدقاء والجيران، فأنت حينئذ لا تخسر شابا وعائلته لكنك تفقد معه الدوائر القريبة منه. هنا نحن إزاء مشكلة عويصة لها تبعاتها الخطيرة وغير المرغوبة على الوطن المتأزم على أكثر من صعيد ولا ينقصه المزيد من الأزمات ومصادر الاحتقان، وتستدعى التدخل السريع للتصالح مع الشباب وكسب صفهم، والعمل على احتوائهم، حتى لا يتحولوا إلى شوكة تؤلم ظهر الوطن وتعوقه عن الحركة والاندفاع للأمام، فكيف يتأتى إنجاز ذلك بأسلوب علمى وعملى رصين يُكتب له البقاء والاستمرارية؟ إليكم بعض الاقتراحات القابلة للأخذ والرد: أولا: الشباب يبحث عن بوصلة يهتدى بها وسط المناخ الذى يراه ضبابيا وقسماته غير واضحة، فهو يود معرفة الاتجاه الذى تسير فيه البلاد، وأن يدله احدهم على شاطئ يرسو عليه، فالتناقض طاغ وشائع، فالدستور ينص على حرية الرأى والتعبير، والتظاهر السلمي، واحترام حقوق الانسان وصونها، لكن عمليا تجد العكس، فإن حاول التظاهر يواجه بقوات الأمن ويُمنع وإن أصر يُقبض عليه، وإن سعى لإبداء الرأى فى قضية عامة تتم ملاحقته، فحقهم أن نرشدهم للتوجه الواقعى الذى نتبناه بوضوح حتى نخرجه من دهاليز الحيرة والتخبط. ثانيا: اتاحة المنابر التى ينطلق منها ويفجر طاقاته وابداعاته بدون قيود، مثل الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل التواصل الاجتماعى وغيرها، فلو أن الشباب عثروا على أحزاب وحركات سياسية تتولى تربيتهم وتثقيفهم سياسيا وتجهيزهم ليصبحوا قيادات يُعهد إليهم بتحمل المسئولية فى سن صغيرة لما تكبدوا عناء الصراخ على الفيس بوك، وتويتر، واليوتيوب. نحن نريد تجمعات وأحزابا سياسية مولودة بصورة طبيعية وليست ناتج عمليات التلقيح الصناعي، وتربيطات الغرف المغلقة، ولا نريد استنساخ التنظيم الطليعى ومن على شاكلته، فالاجدى أن نهيئ الجو للولادة الطبيعية للكيانات السياسية والحزبية ومن خلالها سوف تتسع مساحات التفاهم والتواصل مع الأجيال الشابة. ثالثا: التوقف عن استخدام لغة اللوم والذم فى الشباب وما يفعلونه فى لحظة طيش وضيق، وألا ينصب تركيز المجتمع على الجزء الاستثنائى من مخالفات وتصرفات مجنونة أحيانا، وأن يجعل محور تركيزه ما يحققه الشباب من نجاحات وانجازات، وأن يتذكر المجتمع قبل مهاجمة الشباب والتشكيك فى وطنيتهم خطاياه ناحيتهم واهماله لهم طويلا. ياسادة احذروا من غضب الشباب، ولا تخسروهم فهم قوة ضاربة، ولا تسدوا المنافذ أمامهم ودعوهم يتنفسوا، وتحملوا قليلا مشاغباتهم. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي