محمد الباز عن "اعترافات القتلة": جماعة الإخوان "عصابة" حكمت مصر    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: إزالة أجزاء من عقار بالجمرك لخطورته الداهمة وحقيقة ألسنة اللهب على الكورنيش    "القاهرة الإخبارية" تكشف تفاصيل استهداف إسرائيل مواقع عسكرية في سوريا    وفيات وأضرار عقب هجمات روسية في منطقة دنيبرو الأوكرانية    وفاة رئيس أرسنال السابق    تحقيقات موسعة في مصرع وإصابة 5 أشخاص بحادث مروري مروع بالشروق    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    توريد 24 ألف طن قمح ل 56 موقعًا تخزينيًا في الشرقية    وزيرة التعاون الدولي تلتقي نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي لبحث الشراكات    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    جامعة جنوب الوادي توفر سكن فاخر لمرافقي مصابي الأشقاء الفلسطينيين    سوق السيارات المستعملة ببني سويف يشهد تسجيل أول مركبة في الشهر العقاري (صور)    فريق حاسبات عين شمس الأول عربياً وأفريقياً في المسابقة العالمية 24 ICPC"    إطلاق برنامج "لقاء الجمعة للأطفال" بمسجد الشامخية ببنها    جوائز تصل ل25 ألف جنيه.. جامعة الأزهر تنظم مسابقة القراءة الحرة للطلاب    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    بايدن يدرس صفقة أسلحة جديدة لإسرائيل بأكثر من مليار دولار    بدء أكبر انتخابات في العالم بالهند.. 10% من سكان الأرض يشاركون    بحضور 400 مشارك .. وكيل أوقاف القليوبية يطلق برنامج لقاء الجمعة للأطفال    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. مباريات اليوم السادس    مباشر الدوري المصري - بلدية المحلة (0)-(0) المقاولون.. بداية المباراة    موعد مباراة الزمالك ودريمز في الكونفدرالية وتردد القناة الناقلة    تقارير: ليفربول يرفض رحيل محمد صلاح في الميركاتو الصيفي    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    إصابة 17 شخصا في حادث انقلاب سيارة بالمنيا    شكوى من انقطاع المياه لمدة 3 أيام بقرية «خوالد أبوشوشة» بقنا    «ابدأ» تشارك بعدد من التوصيات لتطوير التعليم الفني والتدريب المهني    وصول وزيرة الثقافة ومحمد إمام وهنا الزاهد وغادة عادل إلى جنازة صلاح السعدني    ابن عم الراحل صلاح السعدنى يروى كواليس من حياة عمدة الدراما بكفر القرنين    انتهاء أعمال المرحلة الخامسة من مشروع «حكاية شارع» في مصر الجديدة    دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة.. من أفضل الصدقات    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    طريقة قلي الباذنجان الصحية.. النتيجة مدهشة جربها دلوقتي    الصحة: المجتمع المصري أصبح يعاني أمراضا نفسية بسبب الظروف التي مرت بالبلاد    لمحبي الشاي بالحليب.. 4 أخطاء يجب تجنبها عند تحضيره    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع معدلات توريد القمح المحلي ل 510 أطنان    الأربعاء.. انطلاق مهرجان الفيلم العربي في برلين بمشاركة 50 فيلما عربيا    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    1490 طنا.. وصول القافلة السادسة من مساعدات التحالف الوطني لأهالي غزة (صور)    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    إيرادات السينما أمس.. شقو في المقدمة وأسود ملون يتذيل القائمة    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة صناعة الأزمات
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 04 - 2016

يتمثل حصاد التغيير الذى حدث فى مصر عقب موجتى الثورة فى25 يناير عام 2011 و30 يونيو عام 2013 فى دخول المواطن المصرى إلى الشأن العام، باعتباره فاعلا ويحظى بالقابلية للمشاركة ويؤمن بحقه فى المعلومات، وبأن رأيه مهم فى اتخاذ القرارات، كسر المواطن حاجز الصمت والخوف واستشعر فى نفسه قوة كامنة تدفعه إلى الحضور والفاعلية، وتخطى حاجز السلبية واللا مبالاة، وربما يكون هذا التغيير من أهم إنجازات الثورة حتى الآن، هذا فى حين أن الدولة بقيت على حالها - أو على الأقل- لم تتغير بالقدر الكافى الذى يتلاءم مع التغير فى الطرف المقابل أى المواطنين، نمط العلاقة بين المواطن والدولة وفجوة الثقة بينهما ظلا باقيان كما هما، وكأن الثورة لم تقع، وكأن التغير الذى لحق المواطن هو تغير افتراضى.
الدولة لا تزال تحتفظ فى أعماقها بثقافة صناعة الأزمات فى تعارض صريح مع تشكيل خلايا الأزمات والخطاب المعلن الذى يزعم استباق وقوع الأزمات والتنبؤ بها، تقوم الدولة بإعادة إنتاج هذه الثقافة، بل وتغذيها وتبررها كما لو كانت ضرورة وجودية، تتمثل هذه الثقافة فى حجب المعلومات والحقائق والاحتفاظ بها، وعدم الكشف عنها فى التوقيت الملائم، من المؤكد أن كل دولة تحتفظ بنواة من الأسرار التى تتعلق بأمنها القومى ودفاعها الوطنى ونظم تسليحها وهذا أمر مشروع ولا غبار عليه، ولكن يصبح الأمر مشكلة عندما ينسحب ذلك على جميع القضايا والتحديات التى قد لا تدخل بالضرورة فى إطار السرية الضرورية.
الأزمة التى نجمت عن الاتفاقية المصرية السعودية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية والتى كان جزء منها يتعلق بجزيرتى صنافير وتيران واعتبارهما سعوديتان مثال على ذلك، ويكفى أن نسأل أنفسنا بأمانة وأن نجيب أيضا بأمانة كمواطنين ومسئولين، حكاما ومحكومين، أفرادا وجماعات على هذا السؤال هل يجادل أحد منا فى أن المصريين لا يطمعون فى أرض، يثبت تاريخيا وقانونيا وجغرافيا أنها ليست لهم، أو من الوجهة المقابلة هل يجادل أحد فى أن المصريين لن يفرطوا فى أرض تثبت مصريتها وأنها جزء لا يتجزأ من مصر، والإجابة على هذين السؤالين هى لا بكل تأكيد، لأن الله قد حبى مصر جغرافيا متنوعة وموقعا فريدا وعبقريا يجعلها فى غنى عن التطلع إلى ما فى أيدى غيرهم فى الحالة الأولى، أما فى الحالة الثانية فلأن المصريين حافظوا على حدود دولتهم فى كل العصور والأوقات.
وبناء على ذلك فإن ثقافة صناعة الأزمات هى التى تقف وراء صناعة الأزمة الراهنة، هذه الثقافة التى تمثلت فى التكتم على موضوع الجزيرتين طيلة هذه العقود وحجب المعلومات المتعلقة بهما عن الرأى العام، بل وتكتم أخبار الاجتماعات والمباحثات بين اللجان المشكلة من الجانبين السعودى والمصرى طيلة السنوات الماضية ومفاجأة الرأى العام بها مرة واحدة ودفعة واحدة، كان ينبغى الإفراج عن هذه المعلومات وإطلاع الرأى العام على مضمون الاجتماعات وتقارير اللجان الفنية أول بأول فضلا عن إعلان تشكيلات هذه اللجان ومعرفة مواقع هؤلاء الأعضاء وخبراتهم.
تمهيد الرأى العام عبر إطلاعه أول بأول على الحقائق والمعلومات وتقديم الشرح والتفسير والتحليل بهدف توفر الاقتناع يمثل إحدى مراحل عملية اتخاذ القرار الناجح وتوفير أسس القبول به والاقتناع بصحته وتحقيق التراضى العام، وذلك يفترض قدرة المواطنين على الاستيعاب والفهم والتمييز والتقييم والاقتناع بأهليتهم للقبول والمشاركة.
إن تبنى هذا المنهج فى اتخاذ القرار كفيل بتجنب حدوث الأزمات وإرساء نمط جديد لعلاقة المواطن بالدولة يقوم على التفاعل والمشاركة والاحترام والتسليم بأهلية المواطن المصرى للتقييم والتمييز بين الحقيقة والأوهام وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن باعتبارها هدفا أسمى فى حد ذاته وإحدى ركائز الديمقراطية والمواطنة.
إن اتباع الدولة نهج إخفاء الحقائق وحجب المعلومات والعزوف عن إطلاع الرأى العام أول بأول عن حقائق الأوضاع والمشكلات وبصرف النظر عن حجج السرية وما دون ذلك من الأعذار، ليس طريقا مأمونا لحل المشكلات ومعالجة تداعياتها وآثارها، بل هو وصفة مضمونة لخلق الأزمات وتعميق فجوة الثقة بين الدولة والمواطنين، إن ما يميز المجتمع الديمقراطى والدولة الديمقراطية عن المجتمع التسلطى والدولة التسلطية هو أن الدولة الديمقراطية تواجه مشكلاتها بأول وتطرحها على الرأى العام والخبراء والقوى السياسية بهدف التعرف على الرؤى والآراء والأساليب المختلفة، لحل هذه المشكلات والأخذ بأفضل هذه الرؤى والأساليب، تتميز الدولة الديمقراطية بوجود آليات لتصحيح الرؤى والأخطاء وديناميكية خاصة للتصحيح والتصويب تتعلق بكل مستويات السلطة وبجميع مراحل اتخاذ القرارات.
أما الدولة التسلطية فتفتقد لهذه الآليات للتصحيح والتصويب والمفاضلة بين أفضل السبل لاتخاذ القرارات بل على النقيض من ذلك هى تعتقد أنها الأقدر على بلورة وصياغة الحلول والرؤى من المواطنين، وتحرص على تهميش المواطنين وإبعادهم عن المشاركة والفاعلية.
فيما يتعلق بقضيتى صنافير وتيران يبدو أن تصور المواطنين عن الحقيقة فيما يتعلق بأمر هاتين الجزيرتين يفوق الحقيقة ذاتها، ذلك أن هذا التصور قد ترسخ وبنى على مواقف ومعطيات وانحيازات تشكلت عبر فترة طويلة من الزمن، وهو الأمر الذى يترتب عليه صعوبة معالجتها بأسلوب المفاجأة والصدمة، بل كان ينبغى التدرج فى طرح القضية وطبيعة أبعادها واستجلاء الحقيقة بتأنى، ومن خلال هيئة وطنية حكومية وعلمية تشمل جميع الخبرات الوطنية والجغرافية والقانونية والتاريخية الضرورية لكشف الغموض واستجلاء الحقيقة، وهذا أقل ما تدين به الدولة إزاء مواطنيها لتجنب الدخول فى استقطاب الدولة فى غنى عنه وكذلك المواطنون.
لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.