كان المصريون القدماء يعتنون بشكل خاص بتجفيف الأسماك وتمليحها لصناعة الفسيخ والملوحة، واستخراج البطارخ كما ذكر المؤرخ الإغريقى «هيرودوت». وكانت «إسنا»، جنوبالأقصر، أول مدينة تصنع الفسيخ فى التاريخ، حتى أصبح السمك المجفف رمزا لها فى العصر البطلمي، وصار اسمها «لاثيبولس» أى «مدينة سمك قشر البياض». ودأب المصريون القدماء على أكله فى احتفالات عيد «شم النسيم» منذ العصور القديمة، واستخدموا سمك » قشر البياض « لصناعة الفسيخ، وكانوا يقدمون السمك المجفف قرابين ونذوراً للآلهة، واعتقدوا أن السمك المملح يرمز للخير والعطاء والبركة. والأنواع العديدة من الأسماك التى عرفوها رسموها على جدران معابدهم، مقابرهم، ومنها «البورى والشبوط والبلطى والبياض»، والبورى يعيش بالقرب من السواحل، ويوجد بكثرة فى البحرين الأحمر والمتوسط، وهو من أفضل الأنواع التى يتم تحضير الفسيخ منها، فبعد غسله وتجفيفه يوضع فى ملح خشن لمدّة خمسة عشر يوماً أو أكثر حتى يكتسب لوناً فضياً ورائحة مميّزة، ويؤكل عادة مع البصل والليمون، والملانة، والخس. وعرفوا أيضا البطارخ فى عصر الأهرام، وفى أحد أعيادهم كان المصريون جميعا يأكلون السمك المقلى أمام أبواب المنازل فى وقت واحد. وتناول الفسيخ فى شم النسيم، وأول أيام عيد الفطر يعمل على تهيئة المعدة لاستقبال الطعام بعد صيام طويل، كما أن ملوحته الزائدة تعمل على حبس السوائل بالجسم وتعويض المفقود منها خلال فترة الصيام. البصل وظهر البصل ضمن أطعمة » شم النسيم أواسط الأسرة السادسة، وارتبط ظهوره بإحدى أساطير مدينة » منف «، حيث كان أحد ملوكها لديه ابن وحيد أصيب بمرض غامض، حار فيه الأطباء، لكن الكاهن الأكبر لمعبد آمون نسب مرض الأمير الطفل إلى أرواح شريرة تسيطر عليه، وأمر بوضع بصلة ناضجة تحت رأس الأمير فى فراش نومه عند غروب الشمس،كما علَّق على سريره وأبواب غرف القصر أعواد بصل أخضر، وعند شروق الشمس شق ثمرة بصل ووضع عصيرها فى أنف الأمير. وفوجئ الجميع بشفاء الطفل، ومغادرته فراشه إلى اللعب فى الحديقة، فأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة بأكملها، وشاركه الشعب أفراحه، ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته، وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد، كما قام الناس بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم، ومنذ ذلك الوقت اعتبره المصريون من النباتات المقدسة، وتظهر صوره على رأس القرابين. البيض وبدأ ظهوره مع بداية احتفال المصريين بشم النسيم قبل خمسة آلاف سنة تقريبا، وهو عند المصريين القدماء يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وكانوا يكتبون عليه أمنياتهم بألوان طبيعية مبهجة، ويضعونه فى سلال من زعف النخيل الأخضر، ويتركونه فى الشرفات، أو يعلقونها على فروع الأشجار لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فتتحقق دعواتهم، وتطورت النقوش لاحقا لتصبح لونًا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض حيث كانوا يشكلونه بألوان زاهية، يستخدمون فيها أشياء طبيعية كالبصل والمقدونس لصبغه بالأخضر، والبنجر و الرمان لتلوينه بالأحمر، والأزرق يستخلص من زهور معينة، والأصفر بمنقوع ورق البصل الجاف. وصوَّرت بعض برديات منف «بتاح» إله الخلق يجلس على الأرض فى شكل بيضة شكَّلها من الجماد، وأخذ العالم عن مصر القديمة أكل البيض فى شم النسيم، وصار البيض الملون رمز عيد الفصح الذى يتزامن مع شم النسيم . واعتقدوا إن العالم فى الأصل كان بيضة كبيرة انقسمت إلى جزءين، نصفها العلوى أصبح السماء، والسفلى تشكلت منه الأرض، فاعتبروها أصل الحياة و رمز ديمومتها. الخس الخس أيضا من النباتات التى تعلن عن قدوم الربيع باكتمال نموها ونضجها، وعرف ابتداء من الأسرة الرابعة حيث ظهرت صوره بورقه الأخضر العريض فى سلال القرابين التى يقدمونها لآلهتهم، وعلى موائد العيد، وكان اسمه «عب»، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود «من» إله التناسل، ورسمه منقوش تحت أقدام الإله فى معابده. والحمص الأخضر الذى يعرف عند المصريين باسم «الملانة»، يعد نضوجه من إشارات قدوم الربيع المبكرة.