أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الذهب يخسر 3% في بداية تداولات الأسبوع    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    زعيم المعارضة ببريطانيا: سأعترف بدولة فلسطين حال فوزي بالانتخابات    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    موعد مباراة الأهلى والزمالك فى نهائى دورى كرة اليد والقناة المجانية الناقلة    برشلونة يعلن إقالة تشافي رسميًا.. وهذا هو البديل    جوميز يتراجع ويمنح لاعبي الزمالك راحة من التدريبات اليوم    محمد صلاح يستعد لمعسكر المنتخب ب «حلق شعره»    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    الأمن العام يكشف غموض 10 جرائم سرقة ويضبط 9 متهمين| صور    إحالة سائق أوبر للجنايات في واقعة اختطاف «سالي» فتاة التجمع    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    انهيار مدحت صالح أثناء وداع شقيقه أحمد وتشييع جثمانه من مسجد الحصري (بث مباشر)    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    بطولة عمرو يوسف.. فيلم شقو يقفز بإيراداته إلى 72.7 مليون جنيه    هل تراجعت جماهيرية غادة عبدالرازق في شباك تذاكر السينما؟.. شباك التذاكر يجيب    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    مفتي الجمهورية: ينبغي التثبُّت قبل إلصاق أي تهمة بأي إنسان    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    بالفيديو.. متصل: حلفت بالله كذبا للنجاة من مصيبة؟.. وأمين الفتوى يرد    ما هو موعد عيد الأضحى لهذا العام وكم عدد أيام العطلة المتوقعة؟    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    «التنمية الصناعية»: طرح خدمات الهيئة «أونلاين» للمستثمرين على البوابة الإلكترونية    قائمة أسعار الأجهزة الكهربائية في مصر 2024 (تفاصيل)    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    "طرد للاعب فيوتشر".. حكم دولي يحسم الجدل بشأن عدم احتساب ركلة جزاء للزمالك    الجيش الأمريكي يعتزم إجراء جزء من تدريبات واسعة النطاق في اليابان لأول مرة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    رئيسة جامعة هومبولت ببرلين تدافع عن الحوار مع معتصمين مؤيدين للفلسطينيين    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الدبلومات الفنية 2024.. 51 ألف طالب يؤدون الامتحانات بالقاهرة غدًا    الإسلام الحضاري    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    في ختام دورته ال 77 مهرجان «كان» ما بين الفن والسياسة    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق سيوة - مطروح    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    حزب الله يستهدف جنوداً إسرائيليين بالأسلحة الصاروخية    بوتين يوقع قرارا يسمح بمصادرة الأصول الأمريكية    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسباب الحقيقية لوفاة عبد الناصر!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 04 - 2010

ربما كانت صفة‏'‏ الافتتان‏'‏ هي أهم ما يميز سيرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لدي محبيه ومعظمهم يبلغون الحد الأقصي في المحبة إلي درجة التعصب لشخصه فالعواطف الصادقة لا تعرف عدم الانحياز‏. بل إن صاحب الحركة ذاته كان متطرفا في حبه لمصر‏..‏ مستغرقا في عمله فكان كل متعته وملاذه ثم مرضه وموته‏..‏ وكثيرا ما تكون قصة الموت هي أفضل سيرة حياة‏..‏ فالدكتور الصاوي حبيب أستاذ الأمراض الباطنة والقلب وطبيبه الخاص‏..‏ اصطفته الأقدار لمشاهدة أضعف لحظات الزعيم لحظات المرض التي تنحني أمامها أعلي الهامات وأشدها قوة وكبرياء‏..‏ وإذا كان الإنسان لا يمهد لحياته تمهيدا مستفيضا في شتي المجالات‏..‏ لذلك تظل يد القدر هي الأعلي‏..‏ وهكذا دفعت الأقدار بالدكتور الصاوي‏-‏ من وجهة نظره‏_‏ بين عشية وضحاها ليصبح طبيبا خاصا لعبد الناصر منذ يوليو‏1967‏ وحتي وفاته‏1970‏ يرصد يوميا التغلغل القاسي لمرض السكر وهو ينخر جسد زعيم كثيرا ما امتلك زمام الأقدار التاريخية‏..‏ والمبادأة والوقوف في مهب الريح‏..‏ والتجربة بالرغم من قصر المدي الزمني تحمل ملخصا عن مجمل حياته الخاصة‏..‏ وإلي أي مدي كان حريصا علي صحته التي استنزفت قطرة قطرة كالشمعة المنصهرة وكيف ارتبطت حالتة الصحية بالأجواء السياسية العالمية وإذا كان التاريخ يحمل درجات متعددة من المصداقية نتيجة لاختلاط الحدث بالرأي في بعض الوقائع فالدكتور الصاوي أثر أن يكون من رواة الحدث فقط‏..‏ بالرغم من غزارة حصاده من المعلومات لأن السيرة الذاتية لعبد الناصر كتبت دائما بضمير الغائب والطبيب سمي‏(‏ حكيما‏)‏ لأنه يوازن بين عدة بدائل يختار الأنسب من بينها لمريضه‏..‏ لذلك ما قيل عن وفاة عبد الناصر لم يكن صحيحا لأنه لم يقرأ بحكمة علي حد تعبيره‏..‏ ولنقرأ الحوار‏.‏
‏{‏ كيف بدأت علاقتك بالرئيس عبد الناصر؟
كنت أعمل طبيبا برئاسة الجمهورية منذ عام‏1961‏ وكنت من ضمن الأطباء الذين يصحبونه في الركاب ولكن الاتصال المباشر وجها لوجه كان عام‏1964‏ حيث كنت كعادتي في الركاب في طريق مصر إسكندرية الصحراوي وكان مقررا أن يتقابل عبد الناصر والزعيم الروسي خروشوف في مزرعة نموذجية وكان برفقة عبد الناصر في سيارته المشير عبد الحكيم عامر وسكرتيره الخاص محمد أحمد والذي فوجئت بعد توقف الركاب المفاجئ أنه يطلب مني التوجه إلي سيارة الرئيس لأنه يشعر بالتعب فسألته عما يشعر به فقال‏:‏ عرق ورغبة في القئ وعزيت الأمر إلي مضاعفات السكر الذي كان يعاني منه وأعطيته قرصا لمنع القئ وأشارت عليه بالعودة إلي الاستراحة وعدم إكمال الزيارة واندهشت حين رأيته مطيعا للغاية وأنه امتثل للأمر بسهولة لم أتوقعها‏.‏
‏{‏ ما هي المهام المنوطة إليك استنادا إلي عملك المستمر معه منذ يوليو‏1967‏ وهل يحمل التاريخ دلالة مرضية أثرت علي الرئيس؟
الرئيس كان يحيط به كوكبة من أفضل الأطباء في مختلف التخصصات وكان الدكتور أحمد ثروت رحمه الله هو الطبيب الخاص للرئيس وقد تأثر بهزيمة يونيو بصورة مؤلمة فتدهورت صحته تدريجيا ولم يتمكن من الحضور في أحد الأيام وكنا في شهر يوليو‏1967‏ فطلب مني محمد أحمد وكان يتصف بالمروءة الاستعداد للكشف علي الرئيس فتوجهت إلي غرفة نومه وكان من المعتاد أن يقوم بعمل تحليل بول يوميا وعلي أساسه يتم تقدير كمية الأنسولين التي يحقن بها‏,‏ وفي المرة الأولي كان يتحدث تليفونيا فاستدار بوجه واعطيته الحقنة وانصرفت وفيما بعد ابلغني أنني لا علاقة لي بمحادثاته التليفونية‏_‏ أي أنني يجب ألا انصرف حين أدخل غرفته وهو يتحدث بل استكمل عملي وأقوم بإعطائه الحقنة اليومية ولكني لم أرض عن هذا الأسلوب فقلت كيف اعطيه حقنة انسولين دون أن أعرف شيئا عن تاريخه المرضي فطلبت منه السماح لي بالكشف عليه تفصيليا واكتشفت أنه يعاني من دوالي في الشعب أسفل أحدي الرئتين وضعف في نبض القدمين وتصلب في شرايينها بصورة واضحة وحين أخبرته بالتشخيص علمت أنها المرة الأولي التي يعلم فيها ذلك وقررت التوجه لعميد معهد السكر د‏.‏ اسماعيل عبده حيث قام بعمل كتيب غذائي بالسعرات المقررة يوميا المناسبة لوزنه البالغ‏90‏ كيلو جراما وطوله‏183‏ سنتيمتر واستغرق اعداده شهرا علي أساس أن المريض يبذل مجهودا عضليا خفيفا وحين قدمته لعبد الناصر قال لي‏:‏ يا ابني أنا أكل اقل كثيرا من هذا الكلام المكتوب وبمرور الوقت اكتشفت ذلك فعلا فاكله بسيط للغاية ويفضل الجبنة البيضاء وعصير البرتقال ولكنه بالرغم من ذلك لا يريد قيودا علي طعامه‏.‏
‏{‏ ولماذا كان لا يقوم بالمجهود العضلي كالرياضة والمشي الذي هو جزء أساسي من علاج السكر؟
المشي كان شغلنا الشاغل لكنه يفضل لعبة التنس ويلعبها نحو ثلاث مرات أسبوعيا ويسبح في الصيف بالإسكندرية ويهوي الشطرنج كلعبة فكرية وكان يمشي أيضا ولكن المسافات كانت متواضعة فلم يكن من كتيبة المشائين التي تقطع مسافات كبيرة يوميا فالرئيس كان يبذل مجهودا نفسيا كبيرا لا يواكبه نفس المجهود العضلي لذلك كانت الصحة عليلة وحدثت انفراجة حين استقدم د‏.‏ علي البدري ساعة من ألمانيا تقوم برصد المسافات كلما تحرك الشخص فأعجب بها عبد الناصر واستخدمها وفي نهاية اليوم كانت تعطي اجمالي المسافة التي قطعها‏.‏
‏{‏ إلي أي مدي كان حريصا علي صحته فقد أوثر عن الرئيس السادات قوله‏'‏ أن طريقة سامي شرف في عرض البوستة والأوراق علي عبد الناصر خلصت عليه وأنا لا أريد نفس المصير‏.‏ هل كان متوترا بالفعل طوال الوقت لا يستريح ومن ثم لا يريح وقد ذكر فتحي رضوان في مذكراته أن عبد الناصر كان يعقد جلسات مجلس الوزراء حتي الثانية صباحا وكان يداعبهم بقوله‏:(‏ الصاحي‏)‏ بدلا من الموافق يرفع ايده؟
سأجيب عما رأيته فعبد الناصر يكون في أروع حالاته وهو يمارس مهام عمله فالعبرة بالحالة النفسية للإنسان أثناء انشغاله بأمر ما لأن ذلك ينعكس ايجابيا علي صحته‏.‏ وكان يسهر بالفعل في مجلس الوزراء وأحيانا كان يخبرني أنه في حالة جيدة بالرغم من عودته للمنزل في الثانية صباحا لأنه بطبعه كان كائنا ليليا يشعر بالتوهج الفكري في المساء‏!!‏
‏{‏ هذه الإجابة تستدعي حالة عبد الحليم حافظ حين كان يصيبه النزيف بعد الغناء ولكن الأطباء سمحوا له بالغناء لأنه لو لم يفعل لمات بسبب الامتناع عن الغناء هل حالة عبد الناصر تحمل بعض هذه الملامح؟
إلي حد بعيد فالعمل مصدر سعادته الكبري لا المال ولا الطعام يضاف إلي ما تقدم عوامل أخري جديرة بالاعتبار‏,‏ فالزعامة والشعبية الطاغية والمسئولية التي طوقت عنقه لم تكن تسمح له بأخذ قسطا من الراحة وحقيقة الأمر أن عبد الناصر كان مدمنا للعمل بدون انقطاع ويمتلك قدرة فريدة علي مواصلته ومن المعروف أن الإنسان حين يتعرض للمخاطر والأحداث المباغتة يسارع المخ بإفراز هرمونات منبهة للكورتيزون والأدرينالين تسبب اليقظة والأرق وتستثير الطاقات الكامنة لمواجهة هذه الأعباء لكنها أيضا ترفع الضغط والسكر وعبد الناصر نتيجة للظروف الدولية المحيطة حوله كان اشبه ما يكون في حالة طوارئ دائمة ولكن في المقابل فالمخ يفرز بعض المواد المهدئة التي توقف مفعول الهرمونات النشيطة وخلال فترة عملي مع عبد الناصر والتي واكبت حرب الاستنزاف كانت أقصي اجازة حصل عليها لا تتعدي أسبوعا في أبريل‏1970‏ حين حدث تغيير في رسم القلب الذي كان يجريه يوميا بل أنه لم يمتثل لأوامر د‏.‏ شازوف الطبيب الروسي الشهير الذي أشرف علي علاجه في مدينة تسخالطوبو عام‏1968‏ حيث كان يعالج بالمياه الطبيعية في تلك المدينة التي تطل علي البحر الأسود‏.‏
‏{‏ هل كانت طلباته عسيرة فعبد الناصر هو القائل‏:'‏ إذا كتب علينا القتال سنقاتل‏'‏ فلماذا أحجم عن قتال المرض؟
جمال عبد الناصر كان مريضا مطيعا بصفة عامة لكن فترة علاجه في تسخالطوبو لم تخل أيضا من مقابلات مع بعض القادة السوفيت وكنت بصحبته وأذكر أنه تقابل مع مصمم الطائرة الميج وكانت متطلبات د‏.‏ شازوف من الراحة والاستجمام فوق طاقته فقد طلب منه أخذ أجازة ثلاثة أسابيع عقب العودة إلي مصر لكي يظهر مفعول العلاج وتخصيص يومين أسبوعيا للراحة وتخفيض عدد ساعات العمل التي كانت تصل إلي‏(18‏ ساعة‏)‏ يوميا إلي سبع ساعات‏!!‏ وفي النهاية قال عبد الناصر‏:‏ من الأفضل أن أبحث عن عمل آخر ولم يمتثل لهذه التعليمات‏.‏
‏{‏ هل كان عصبيا في منزله‏..‏ وكيف كانت طقوس التعامل معه يوميا؟
عبد الناصر كان دمث الخلق يراعي الآخرين إلي أقصي حد وحين استمع إلي النقائص التي ينسبها إليه البعض مثل اصابته بالبارانويا أشعر أنهم يتحدثون عن شخص آخر فلو كان مصابا بالبارانويا لسمي السد العالي باسمه أو مدينة نصر مثلا بالرغم من أن العبرة بالإنجازات لا المسميات وأنا أشهد أنه كان في جميع تعاملاته يتعامل بأسلوب رفيع وخاصة داخل منزله فلم اشاهده ولا مرة أثناء عملي معه ثائرا أو غاضبا بل كان أبا مثاليا حريصا علي الإجتماع بأفراد أسرته يوميا علي مأدبة الغذاء بالرغم من مسئولياته الفادحة وحين يسافر للخارج كان الإتصال بزوجته السيدة الفاضلة تحية هو أول ما يبادر بتنفيذه لكي يطمئنها علي نفسه وكان لا يحاسب الآخرين علي الخطأ غير المقصود في أحدي ليالي الصيف طلب مني قرصا مهدئا لكي يخلد للنوم وفي صباح اليوم التالي قلت له‏:‏ لعلك نمت نوما هادئا يا سيادة الرئيس؟ فأجاب أن عامل السويتش أيقظه في الثانية صباحا حين كان يقوم بتحويل التليفون لأحد الضباط فحوله بالخطأ علي غرفته ولك أن تتخيلي ما الذي يفعله أي شخص حين يوقظه أحد من النوم وقد تناول منوما فلم أراه يتوعده أو يسب أو أي شئ من ذلك ولم يعاقبه بالمثل بل أنه كان متسامحا فيما يخصه من علاج ففي بعض الأحيان كنت أتفق معه علي إرسال دواء ما في المساء وفي غمرة الإنهماك في العمل‏,‏ وأنسي تماما وكان من جانبه لا يلومني بل أنني في إحدي المرات أرسلت إليه مرهم للجلد ولم أكن أعلم أن صلاحيته قد أنتهت فاعتذرت وطلب مني إرسال مرهم آخر وتصادف أن اجتمع بالدكتور منصور فايز في غرفته وكان يتحدث تليفونيا مع السادات الذي يبدو أنه كان بحاجة لطبيب فقال له الرئيس‏:‏ الدكتور منصور فايز بجواري وسيتحدث إليك وحين استمع إلي الدكتور منصور يقول الساعة السادسة حتي أخذ التليفون من يده قائلا‏:‏ يا أنور هؤلاء أطباء لهم عيادات خاصة والدكتور منصور عيادته من الخامسة إلي السابعة والأفضل أن يكشف عليك قبل الخامسة وقد كان‏!!‏ وأذكر أن أحد أفراد حراسته الخاصة تم إلقاء القبض علي خاله لأنه من الإخوان المسلمين ورفض أن ينتقل هذا الضابط بجريرة خاله وعشرات الأمثلة التي يضيق عنها المكان‏!!‏
‏{‏ عبد الناصر ظل يدخن حتي نهاية حياته‏..‏ هل كانت هناك محاولات لمنع التدخين وخاصة أنه كان مريضا بالقلب؟
حاولنا مرارا وعقب مرور عام علي عملي معه كتبت تقريرا طبيا عن حالته وكان الامتناع عن التدخين هو أبرز ما جاء فيه‏,‏ فالتدخين ضار جدا بتصلب الشرايين والرئة ولكني أحبطت حين وجدته يتصفحه سريعا ويضعه بجواره في المكتبة وبعد مضي فترة زمنية زاره طبيب عالمي وأوصاه بالامتناع عن التدخين أيضا‏.‏
‏{‏ يقال إنه كان منظما للغاية لأنه كان قائدا لتنظيم سري‏'‏ الضباط الأحرار‏'‏ هل لمست ذلك بنفسك؟
بدون شك‏.‏ فله عاداته ونظامه ومواعيده منضبطة تماما وكانت هناك أربعة أجراس تتوالي كل منها له هدف محدد فحين يضرب الجرس الأول للسفرجي يبادر بتقديم الشاي والعسل إليه والجرس الثاني كان يعني دخولي لإعطائه حقنة الأنسولين وعمل الإجراءات الطبية اللازمة والجرس الثالث كان بمثابة إشارة لدخول غرفته وإعادة توضيبها ريثما ينتهي من حمامه الخاص الذي يستغرق‏20‏ دقيقة بالتمام والكمال والجرس الأخير كان إيذانا بتقديم الإفطار ودخول السيدة زوجته وكنت دائما ما أنسي نظارتي الطبية في غرفة نومه فوجدته ينصحني بضرورة وضعها هي والمفاتيح في مكان ثابت وشرح لي أن النظام يريح الإنسان من عناء التفكير في مثل هذه الصغائر لكي يتفرغ للموضوعات الأهم وفاجأني بقوله‏:‏ أنني منذ أن عملت معه‏.‏ قمت بلخبطة الأدوية في شنطته المخصصة لذلك وأنه كان بإمكانه فيما مضي الحصول علي ما يريده منها في الظلام الدامس لأنها مرتبه ولم يشك إلا حين جاءت المناسبة وتلك كانت عادته‏.‏
‏{‏ ما هو الموقف الانفعالي الذي أثاره بصورة استوقفتك؟
عبد الناصر كان إنسانا بسيطا في أسلوب حياته منزله مكون من طابقين لا توجد به ديكورات لافتة يفضل البيجاما المصرية المقلمة والكرافتات السوليكا معتدلا في انفعالاته ما لم تمس الصالح العام ولدي يقين أن قيمة أي إنسان فيما يثيره فالرجل التافه كثير الانفعال يثيره أي شئ لكن الرجل العظيم يتملك زمام نفسه عند الغضب فيما يتعلق بانفعالات عبد الناصر فقد لاحظته غاضبا بشدة عقب الغارة الإسرائيلية علي البحر الأحمر فسألته للمرة الأولي‏:‏ ما الأمر يا فندم؟ قال‏:‏ لماذا‏:‏ قلت له سيادتك في حالة ضيق وأضاف هل أبدو كذلك قلت‏:‏ نعم فاسترسل في الحديث وكان بطبعه قليل الكلام قائلا‏:‏ ماذا أفعل لقد حذرت القيادة العسكرية بضرورة أخذ الحذر إزاء العملية التي قمنا بها مؤخرا وأخبرتهم أن إسرائيل لن ترد إلا في البحر الأحمر لكني فوجئت بأنهم بدلا من تعزيز الموقع المستهدف قاموا بسحب كتيبة للتدريب‏!!‏
‏{‏ هذا يأخذنا إلي موقفه من المشير والخلافات التي نشأت بينهما منذ حرب‏1956‏ بسبب تباعد الأساليب والرؤي العسكرية بينهما فلماذا أبقي علي المشير ولماذا طالته الاتهامات عقب انتحاره وهل السياسة والأخلاق لا يجتمعان حقا؟
كان المشير عبد الحكيم عامر من أبرز أخطاء الرئيس عبد الناصر فلم يكن الشخص المناسب في المكان المناسب وأنا أخذ عليه أنه تعامل معه بأخلاقيات وشهامة أبناء القرية من منطلق أنه صديقه ولكن السياسة لا تحتمل تبعات الصداقة في كل الأوقات‏.‏ وأنا أري أن السياسة والأخلاق لا ينفصلان فعبد الناصر رجل نزيه وشريف بكل ما تحمله الكلمة من معان فالأخلاق الجيدة تصنعها النظم الجيدة ولكنه في النهاية مسئول عن كل كبيرة وصغيرة وأنتهز هذه الفرصة لأوضح نقطة مهمة كثيرا ما تأتي بالباطل علي السنة البعض فقد ظل عبد الناصر بعد هزيمة‏1967‏ ممسكا بجميع الخيوط وموجها للأحداث وليس صحيحا أنه أحبط وأنه كانت توجد عصابة تدير البلد ولا يعلم عنها شيئا وفي النهاية الإنسان لا يحترم إلا السياسي النظيف والذي يثق في ولائه التام للوطن صحيح أن ميكافيللي نصح باختيار مساعدين سيئين لكي لا يرفعوا رؤوسهم وأصواتهم ولكن هذه سمات الدول اللااخلاقية ولم نكن كذلك‏.‏
‏{‏ حضرت محاولة المشير الأولي للانتحار وكانت في منزل عبد الناصر‏..‏ فلماذا لم يتم أخذ الاحتياطات اللازمة حتي لا تتكرر؟
من يقدم علي الإنتحار ويفشل عادة ما يعيد المحاولة مرة أخري‏.‏ في‏25‏ أغسطس‏1967‏ كنت أجلس في السكرتارية في مكتب محمد أحمد فسمعت ضوضاء وهيصة سألت فقيل المشير جاء إلي منزل الرئيس وحراسته تم التحفظ عليها ودخلت في الساعة الثامنة والنصف للراحة بعض الوقت في مكتب السكرتارية ففوجئت بمصطفي عزيز رئيس الحرس يصرخ قائلا‏:‏ المشير انتحر فجريت علي الفور وكانت شنطتي إلي جواري متوجها لمنزل الرئيس فقابلني زكريا محيي الدين وأخبرني أن المشير دخل دورة المياه وعقب خروجه اكتشفوا وجود شريط دواء منزوع الغلاف وبداخله بودرة ووجدت المشير جالسا علي الكنبة ويجلس أمامه حسين الشافعي وأنور السادات وكانا متماسكين وهو يقول خلاص انتحرت فسألته ماذا أخذت لكي أساعدك فقال‏:'‏ لما تشوف حلمة ودنك‏'‏ وفكرت كيف أنقذ حياته بأقصي سرعة في حالة تعاطيه أحد السموم وتوصلت لغسيل المعدة ولم تكن حالته تسمح بذلك فلن يرضخ‏_‏ فقلت أسرع وسيلة هي إحداث القئ المتكرر لكي يفرغ ما في معدته وحاولت أن أمسك ذراعه ولم أفلح وحاول السادات ودفعه المشير غاضبا ثم جاء حسين الشافعي وقام بتلجيمه بالقوة وقمت باعطائه حوالي ثلاث حقن متتالية في الوريد‏.‏
‏{‏ ولماذا كنت تحتفظ بالحقن المسببة للقئ دون وجود ما يستدعي ذلك؟
لم تكن الحقن مسببة للقئ بالأساس ولكنها حقن منبه للتنفس إذا شعر الإنسان بأي ضيق ولكن إذا تضاعفت الجرعة يحدث القئ وعقب ذلك اعطيته بعض السوائل المنعشة وجاءني السيد أمين هويدي يخبرني أن الرئيس عبد الناصر‏_‏ ولم يكن موجودا بالمنزل‏_‏ يسألني عن جميع الطلبات اللازمة لانقاذ حياته فذكرت أنني أريد مبطلات السموم من مستشفي الطيران واستدعاء مدير الخدمات الطبية لكنه كان موجود بالبحر الأحمر واستأذنت الجميع في الذهاب إلي منزلي لاحضار حقنه‏(‏ ريتالين‏)‏ منشطة وبعد عودتي لم أجد المشير وأخبروني أنه عاد إلي منزله فقلت لمحمد أحمد‏(‏ السكرتير الخاص‏)‏ أنا أخشي أن أذهب لزيارته ولا أعود مرة ثانية فضحك فذهبت إليه في الصباح الباكر وحين شاهدني قال‏:‏ أنت فاكر نفسك جبت الديب من ديله؟‏!‏ قلت له‏:‏ نعم يا فندم وبالفعل كنت سعيدا لأني أنقذت حياته‏..‏ وكان هادئا نسبيا‏_‏ وحين عدت إلي منزل الرئيس سألني عن المادة التي تناولها فاخبرته أن السجادة تم تنظيفها ولم يتيسر لي القيام بتحليلها وإذا كان أطباء النفس يؤكدون أن محاولة الانتحار غالبا ما تتكرر فقد حدث ذلك بالفعل مع المشير عقب مرور ما يقرب من أسبوعين حين كنت في الإسكندرية بصحبة الرئيس وفوجئت بأنه ترك لي رسالة لكي ألحق به لأنه اضطر للسفر إلي القاهرة لأن المشير انتحر‏!!‏ أما ما قيل عن اتهام عبد الناصر بالقتل فشئ لا يصدقه عقل وغير صحيح بالمرة‏.‏
‏{‏ كيف استقبل خبر وفاته هل كان رابط الجأش قيل أن الرئيس حين بلغه نبأ انتحاره في المرة الأولي قال المشير أجبن من أن ينتحر؟
كما أخبرتك فقوة الإنسان بما يثيره وكان بطبعه متزنا متماسكا ولم يقل الرئيس هذه العبارة ويؤسفني أن التاريخ لا يكتب صحيحا ومن الصعب أن يكون كذلك‏!!‏
‏{‏ كيف كانت حالة الرئيس النفسية عقب هزيمة‏1967‏ ؟
كان متأثرا بالطبع واتخذ قرار التنحي وفوجئت بالجماهير تجري في شارع سليمان باشا وهو لم ينته من خطابه فلم تكن تمثيلية وكانت هذه التظاهرة الشعبية التلقائية إلي جانب الحفاوة التي احاطته من الشعب السوداني أثناء زيارته للخرطوم في أغسطس‏1967‏ وكنت بصحبته وفي بنغازي‏1970‏ ولم افترق عنه يوما واحدا حتي وفاته وكانت هذه المحبة من أهم العوامل التي ساعدت علي رفع معنوياته بصورة بالغة‏.‏
‏{‏ يوجد نظام متعارف عليه لحماية الرؤساء فلماذا أحاطت الشكوك بوفاة عبدالناصر؟
بادئ ذي بدء فأغلبية الناس لم تكن تعلم عندما سمعت خبر وفاته أنه كان مريضا بالقلب وأصيب بالجلطة الأولي في الشريان التاجي عام‏1969‏ وكانت جلطة بدون ألم وهو أمر شائع لدي بعض مرضي السكر وفي عام‏1970‏ أصابته الجلطة الثانية التي سببت وفاته‏,‏ فالناس اعتادت رؤيته يوميا وقد توفي في الثانية والخمسين من العمر‏,‏ والكثيرون يعانون من السكر لكنه لا يسبب الوفاة هكذا كان وقع الخبر إضافة إلي الملابسات التي احاطته فقيل إن الرئيس تناول كوبا من عصير البرتقال وهو في المطار يودع أمير الكويت والوفد المرافق بعد إنتهاء مؤتمر القمة العربي وحقيقة الأمر أن الرئيس كان له سفرجيا خاصا به يقوم باعداد الطعام وتقديمه له في المأدب الرسمية في أماكن مختلفة دون أن يلحظ أحد ذلك وكان يأكل من يد السيدة الفاضلة زوجته وكان يعاونها الطباخ بالطبع إضافة إلي وجود طبيب متخصص في التغذية كان يصاحبه وغالبا ما يكون خبيرا بالسموم ويقال أن أمير الكويت كان بصحبته خبير تغذية أمريكي هو الذي قدم له العصير ولكن لا توجد دلائل تؤكد ذلك فمن الصعب جدا اختراق هذا السياج الخاص بحمايته‏.‏
‏{‏ الأعمار بيد الله ولكن هل يوجد تاريخ مرضي في عائلته؟
إذا شئنا أن نبحث كيف مات فينبغي أن نقرأ جيدا كيف عاش‏..‏ فحياته كانت مثقلة بالهموم والمسئوليات خاصة بعد هزيمة‏1967‏ حيث كانت حرب الاستنزاف علي أشدها فأغارت اسرائيل علي جزيرة شدوان عند مدخل خليج السويس وعلي مصنع أبي زعبل وعلي مدرسة بحر البقر وردت مصر علي كل ذلك وسافر إلي موسكو للحصول علي صواريخ أرض جو لحماية العمق المصري ودخل مفاوضات وأعلن قبول مصر مبادرة روجرز واختطف الفلسطينيون أربع طائرات أمريكية مدنية عملاقة وقاموا بنسفها واتجهوا باحداها إلي القاهرة‏..‏ اضافة لزيارته للجبهة واكتملت المصائب بالحرب التي اندلعت بين الفلسطينيين والأردنيين‏(‏ ايلول الأسود‏)‏ وكان الجهد غير العادي الذي بذله في مؤتمر القمة العربي في القاهرة للحيلولة دون تدهور الموقف وانحداره يمثل قمة الإعياء والإرهاق بالنسبة لمريض بالقلب حيث استقبل ملوك ورؤساء تسع دول وقام بتوديعهم وأجري مباحثات مع كل منهم ففي عام‏1970‏ وحده استقبل‏38‏ رئيس دولة ورأس مجلس الوزراء سبعة عشر مرة ومن المؤكد أنه استمع إلي تسجيل السفارة الأمريكية الذي جري بين أحد رجالها واسرائيلي يقرران فيه أهمية التخلص منه بالموت أو المرض وأنه راجع اجراءات الأمن وكذلك لم تكن المياه الطبيعية في تسخالطوبو مسممة لأنني كنت والمرافقين بصحبته نتناول حماماتنا فيها أيضا ولكن الفاعل الرئيسي هو الموروث الجيني في عائله الرئيس فقد توفي اخاه الليثي وعز العرب بأزمات قلبية في نفس السن تقريبا ولم ينج إلا أخوه شوقي ولكن نجله اجري عملية قلب مفتوح فعبد الناصر مات بالقلب وهو المرض الوراثي في عائلته‏!!‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.