بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    انخفاض سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 8 يونيو 2024    رئيسة وزراء الدنمارك تتعرض للضرب في الشارع    4 شهداء و14 مصابا في قصف إسرائيلي شمالي غزة    عشرات القتلى والجرحى في هجمات على مقاطعتين أوكرانيتين ضمّتهما روسيا    البيت الأبيض: لا نسعى إلى صراع مع روسيا لكن سندافع عن حلف "الناتو"    كوت ديفوار تواصل انتصاراتها بتصفيات المونديال    مصطفى شلبي: شيكابالا أفضل من محمد صلاح    رضا عبدالعال: «الجمهور جيه عشان محمد صلاح مش حسام حسن»    هل تعاقد الزمالك مع أشرف بن شرقي.. أحمد سليمان يوضح    الموعد النهائي.. نتيجة الشهادة الإعدادية في محافظة القليوبية (الرابط)    الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأسبوع الجاري وموعد انخفاض الحرارة    محاور وكبارى حملت أسماء النجوم.. من عادل إمام وسمير غانم لمحمود عبد العزيز    أفضل 10 أدعية للعشر الأوائل من ذي الحجة    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    الحبس وغرامة 10 آلاف ريال.. شركات السياحة تحذر المصريين الزائرين بالسعودية    خبير اقتصادي: طرح كبير بنهاية العام.. والمواطن سيشعر بتحسن    مقرر بالحوار الوطني: الإصلاح السياسي مفتاح النجاح الاقتصادي والمصريون في الخارج ليسوا مجرد مصدر للعملة    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    أخبار × 24 ساعة.. إجراء 2 مليون و232 ألف جراحة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    ميدو يعلن ظهوره ضيفا دائما فى برنامج الهدف مع إبراهيم عبد الجواد على أون سبورت    «صفقات سوبر ورحيل لاعب مفاجأة».. شوبير يكشف ملامح قائمة الأهلي الصيف المقبل    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    بولندا تهزم أوكرانيا وديا    نائب محافظ القاهرة يتابع أعمال النظافة وإزالة الإشغالات بحي عين شمس    محمود محيي الدين يلتقي البابا فرانسيس على هامش مبادرة أزمة الديون في الجنوب العالمي    أطول إجازة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي على طريق جمصة بالدقهلية    ربة منزل تنهي حياتها شنقًا بعد تركها منزل زوجها في الهرم    إصابة 5 أشخاص بحالات تسمم بعد تناول سندوتشات حواوشى بالمحلة    انطلاق آخر بعثة حجاج الجمعيات الأهلية بالمنيا إلى الأراضي المقدسة.. صور    نيجيريا تتعادل مع جنوب أفريقيا 1 - 1 فى تصفيات كأس العالم    عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب يشعلان حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي (صور)    حظك اليوم برج الأسد السبت 8-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    هيثم الحاج علي: 30 يونيو أرست العدالة الثقافية في مصر    إزاى محمد منير غنى "ياللى بتسأل عن الحياة" مجانا بفيلم أحلى الأوقات.. اعرف القصة    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 طائرات مسيرة وصاروخين مضادين للسفن    حزب الله اللبناني يعلن استهداف تجمعا لجنود إسرائيليين في مثلث الطيحات بالأسلحة الصاروخية    كيف توزع الأضحية؟.. «الإفتاء» توضح ماذا تفعل بالأحشاء والرأس    موعد أذان الفجر بمدن ومحافظات مصر في ثاني أيام ذى الحجة    بيسكوف: "الخط الأحمر" بالنسبة لنا كان توجيه أوكرانيا ل"معادة روسيا"    لخلافات بينهما.. مُدرس بالمعاش يشرع في قتل طليقته بالشرقية    «الاتصالات»: نسعى لدخول قائمة أفضل 20 دولة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2028    بعد غياب 14 عام.. مصطفى شعبان يحسم الجدل حول عودته للسينما    أستاذة اقتصاديات التعليم لإكسترا نيوز: على الطلاب البحث عن تخصصات مطلوبة بسوق العمل    أدعية ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى»    شاهد.. أحدث ظهور ل نيللي كريم بعد انفصالها عن هشام عاشور    الكشف على 8095 مواطناً خلال قافلة طبية بقرية بلقطر الشرقية بالبحيرة    أخبار مصر: 4 قرارات جمهورية هامة وتكليفات رئاسية حاسمة لرئيس الحكومة الجديدة، زيادة أسعار الأدوية، أحدث قائمة بالأصناف المرتفعة في السوق    "هتتطبق يعني هتتطبق".. برلماني يعلق علي زيادة أسعار الأدوية    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    أوقفوا الانتساب الموجه    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة معرض« ذاكرة الأهرام » التشكيلية الليلة
بورتريهات الاهرام
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 04 - 2016

يأخذنا مصورو البورتريه البارعون نحو الوجه الخاص بالشخص، لكنهم يعرضون أمامنا أيضًا تكوينًا قد خلقه العقل بعد أن استغرق عميقًا فى الوجدان، ليس التشابه الظاهرى الخارجى الذى يقصده مصور البورتريه الفنان، بل التشابه والاختلاف أيضا، قد تكون لوحة البورتريه أجمل من الأصل وقد تكون مماثلة له أو مختلفة عنه أو أقل مماثلة معه، فالبورتريه يعرض ملامح جسمية موجودة، ملامح وجه تحديدا، لكنها تكون تلك الملامح التى أدركتها عين الفنان ثم تشكلت فى عقله ووجدانه على أنحاء شتى، اختار واحدًا منها كى يجسدها بالخطوط والألوان.
هل يحاول رسام البورتريه أن يضع الشخصية الحقيقية فوق قماشة الرسم، هل يحاول أن يكشف ذلك السر الذى حاولت دائمًا أن تخفيه! على كل حال، ليست ملامح الوجه هى الأساس هنا بل تلك التعبيرات التى ترتسم على هذه الملامح والتعبيرات التى تتكرر كلما ظهر صاحبها فتكون أداة لفهم جانب أو أكثر من جوانب شخصيته، هكذا يسعى مصور البورتريه البارع جاهدًا، أن يمزج العديد من الملامح فى تعبير موجز ملخص كاشف لافت واحد، وأن يظهر كذلك العديد من اللحظات والخبرات فى لحظة واحدة كاشفة، ثم إنه يمزج بين هذه اللحظات وتلك التعبيرات فى خلجة واحدة قد تظهر فى لمحة العينين أو انفراجة الشفتين، حالة ما من حالات الاستغراق فى الذات ويكون ذلك كله أشبه بالجزء الذى يدل على الكل، والخلجة التى تدل على الوجدان والنظرة التى تدل على الشخصية.
هنا فى معرض مقتنيات الأهرام مجموعة من اللوحات المهمة لفنانين كبار وعن فنانين وكتاب وصحفيين ومفكرين كبار، هكذا يمكننا أن نقرأ من خلال هذه اللوحات، تاريخ مصر الحديث وأن نعرف من خلالها أيضا إضافة إلى استمتاعنا بها بوصفها أعمالا فنية بارعة جميلة الكثير عن تاريخ مصر وبعض ما جرى على أرضها من مشاهد وأحداث.
رسم الفنان صبرى راغب لوحات بورتريهات لتوفيق الحكيم ومحمد عبدالوهاب وزكى نجيب محمود وأحمد بهاء الدين ويوسف إدريس، فلماذا صور راغب توفيق الحكيم فى هذه الحالة من الاستغراق فى الذات وكأنه لا يريد أن ينظر إلى العالم، رغم أنه يعرف أن العالم متمثلا فى الفنان الذى يرسمه يقوم بالنظر إليه، وأن هذا العالم سوف ينظر إليه كثيرا بعد أن تصبح لوحة الفنان فى متناول أعين الجميع؟ لماذا صوره هكذا فى هذه الحالة الداخلية وبألوان أقرب إلى ألوان اللوحات الموجودة على جدران المعابد الفرعونية بدرجاتها التى تجمع بين البنى والأحمر الداكن، وكأنها ألوان الطمى والبلح والصحراء؟ لقد رسمه هكذا معتمرًا البيريه الشهير الخاص به، وكأنه أراد أن يقول لنا إن تلك الروح التى سعى الحكيم دوما لعودتها والتى تجسدت فى روايته الشهيرة عودة الروح وغيرها، إنما هى أيضا روح قد حلت فى داخله، روح قد سكنت عقله ووجدانه، وأنه مثلما سعى الحكيم كى يكتشف روح مصر ويعيدها، مثلما حاول أن يجسدها فى أعماله المعقدة الروائية والمسرحية والفكرية، فكذلك أن تلك الروح قد حلت فيه أيضا فأصبح ناطقا باسمها معبرا عنها، أصبح موجودا بداخلها وأصبحت موجودة بداخله، صارت الروح موجودة فى الإنسان، الإنسان المبدع المتفكه الساخر المستغرق فى ذاته والواثق فى نفسه الفنان، لم يعد فى حاجة لأن يبحث فى العالم عن شىء ما خارجه، لأن ما فى داخله قد أصبح يكفيه، وأنها لروح مبدعة جميلة خالدة حلت داخل الحكيم وجسّدها صبرى راغب واحتضنها الأهرام.
ماعدا الفنان الخالد محمد عبدالوهاب فإن معظم الشخصيات التى جسدها صبرى راغب والموجودة فى هذا الكتالوج كانت تعمل فى الأهرام، كانت من كتّابه البارزين أو تبوأت مواقع قيادية بين رحاته، أحمد بهاء الدين ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود وتوفيق الحكيم، كذلك كان الحال بالنسبة لصلاح طاهر وبورتريهاته عن لطفى السيد ومحمد حسنين هيكل، ولماذا رسم الفنان صبرى راغب الفنان محمد عبدالوهاب من خلال الوجه الجانبى أو البروفيل، لقد استخدم فى رسمه الألوان نفسها التى استخدمها فى رسم بورتريه لتوفيق الحكيم وغيره من الشخصيات، وقد رسمه فى حالة من الشموخ الذى تمثله تلك الهامة المرتفعة والرقبة الممتدة بلا استثناءات أو زوايا وذقنه كذلك التى تم الدفع بها إلى الأمام، وكذلك هذه الملامح المتناسقة الجميلة، أما الشفتان فقد رسمتا على نحو بالغ الدقة والرهافة، العليا رفيعة ومذمومة فوق السفلى، أما السفلى فغليظة وأقرب إلى الرغبة فى الانفلات من سيطرة العليا عليه، هنا مزيج من إرادة ورغبة، عزيمة وشغف هائل بالحياة، حس جمالى وسكينة وإرادة حياة لم تشبع من تذوق مسرات الحياة ومباهجها بعد ولا تريد، هكذا ربما كان تمثيل شخصية عبدالوهاب هنا من خلال الرسم الجانبى (البروفيل) يشير خفية إلى تلك الجوانب المتعددة المتداخلة المركبة العميقة من شخصية هذا الفنان، وأنها أيضا تلك الجوانب التى لا تعرف منها إلا جانبا واحدا، جانب لا ينظر إلينا، بل ينظر إلى الأمام، إلى المستقبل والحياة لكنه فى وضعيته هذه يعرف أيضا أننا ننظر إليه ويعرف أيضا أننا نحب ونريد أن نقترب منه، لكنه بسبب ولعه الخاص بذاته وعالمه، لا يريد أن يمنحنا إلا هذا الجانب الوحيد من جهة ومن شخصيته، وعلينا نحن المعجبين المفتونين به أن نحاول تخيل بعض من تلك التجليات الأخرى كهذه الوجوه.
صور صبرى راغب بورتريه زكى نجيب محمود بألوانه الأثيرة، أيضا فى رسم الشخصيات هنا خفت ضوء العينين ووهجها وصارت النظارات الطبية الأكثر حضورا أنها نظارات كلاسيكية مربعة تتكئ على أنف مدبب وشفتين قد انفرجتا قليلا ووجنتين قد غزتهما التجاعيد مثلما غزا الشيب شعر الرأس، وذلك الذى تراجع بدوره على نحو واضح إلى الخلف، إنها شخصية مفكر بامتياز لكنه مفكر لا تزال تصيبه الدهشة من العالم والبشر والأشياء وكأنه أدرك فى لحظات ما من لحظات حياته والتى يمثلها التعبير المرتسم على وجهه هنا أن العالم لا يزال يزخر بالكثير من الأشياء التى تستعصى على الفهم والإدراك والاستيعاب، وأن منهجه الوصفى المنطقى قد صار لا يشفى غليله ولا يكفى تقديم تفسيرات مقنعة أو مرضية إلى حد ما، إنه هكذا يحاول أن يفتح إحدى عينيه وينظر من خلالها إلى العالم وهو يعانى فى سبيل ذلك حتى لا يكاد يلتقط أنفاسه، أما العين الأخرى فيبدو أنها قد استغرقت فى تأمل للذات واستيطان خاص لها على نحو فريد، هكذا أصابت الدهشة من هذا العالم عقل ذلك المفكر الكبير فانفرجت شفتاه وكأنها تريد أن تقول شيئا لكنها وكأنها أصابتها الدهشة أيضا مما أدركته أو حتى عجزت عن إدراكه، فلم تتحول حركة هاتين الشفتين أبدا إلى ابتسام العيون، هى نوافذ الروح وهى رمز للرؤية والإدراك والفهم والمعرفة الكلية، فيها يتجلى ذكاء الإنسان أو ذهوله.
يبدو أن ذكاء أحمد بهاء الدين الذى يتبدى من خلال نظرة عينيه خلف عدساته الطبية قد سحر صبرى راغب، فجعلها بؤرة التركيز فى البورتريه الذى رسمه له، لقد سحرته هذه اللمعة السريعة والمتأملة فى الوقت نفسه الذى تتبدى فى عينيه أنها نظرة شخص واثق من ذاته ومن قدراته وثقافته، لكن هذه الثقة لم تتحول أبدا إلى صلف أو غرور، ثمة حنو خاص ورقّة يتبديان فى نظرة العينين وفى ملامح الوجه كلها، ذلك الوجه الذى لا هو بالأمامى ولا هو بالجانبى، الوجه كله، بل قد يكون هناك حزن ما ولمسة خجل ما أيضا، ودهشة وبراءة ورقة ومحبة للعالم بلا حدود.
رسم صبرى راغب بورتريه ليوسف إدريس عام 1985 والذى رأى يوسف إدريس رأى العين قد يرى اختلافا أكثر مما يرى تشابها بين صورة يوسف إدريس الحقيقية وهذا البورتريه، لكنه، هنا، يوسف إدريس كما أدركه صبرى راغب وكما أراد أن يجسده، فلم تكن الملامح الجسدية المحددة لمؤسسى فن القصة القصيرة المصرية والعربية وأبرز كتّابها هى التى لفتت نظر صبرى راغب هنا، فهنا تشابه وهنا اختلاف، هنا يوسف إدريس ولا يوسف إدريس، هنا أكثر من يوسف إدريس فى البورتريه، هنا الشخصية بكل تركيباتها وتعقيداتها وتجلياتها المختلفة، هنا الكاتب والطبيب والمفكر الإنسان، هنا الثقة التى بلا حدود وكذلك الشعور بالشك والحيرة وفقدان اليقين والأفكار التى تتجمع وتتباعد وتتناثر وتسحر العقل أو تذهله، والتى تجسدها تلميحا تلك اللمسات اللونية الخفيفة التى تحيط بالرأس على نحو أشبه بالهالة، لكنها هالة من الدخان، هنا تجسيد لحظى لشخصية كان وجودها يتمثل فى رغبتها الدائمة فى أن تكون موجودة فى كل لحظة، وكأن تثبيتها الذى تمثل فى هذه اللوحة قد انتزعها مؤقتا من نهر زمنها وبحر مكانها وفضاء وجودها الذى كان بلا حدود، وكأنها كانت ترى نفسها، هنا ليست موجودة لا يمكن أن تكون موجودة فى صورة قد ترتبط بالموت، لأنها كانت فى حالة دفاع دائم ضد الموت وضد المؤقت والعابر والزائل والمحدود، كانت ترنو دائما إلى القمة وتسعى دوما نحو الخلود، وكأنها كانت ترى نفسها هنا أنها لا يمكنها أن تكون موجودة فى صورة واحدة ثابتة، وذلك لأنها كانت ترى وجودها متمثلا خارج كل الصور والأطر، وداخل نهر الفن والحياة والخلود.
هذا عن صبرى راغب، أما صلاح طاهر فقد رسم بورتريهات أنطون الجميل وأحمد لطفى السيد ومحمد حسنين هيكل ويتجلى فى هذه البورتريهات ولع صلاح طاهر الكبير بالضوء، الضوء الذى يسقط على الوجه فيبرز الشخصية، يتجلى هذا على نحو خاص فى بورتريه أنطون الجميل (1967) ومحمد حسنين هيكل (1967) وبدرجه أقل فى بورتريه أحمد لطفى السيد، والملامح فى بورتريهات صلاح طاهر أكثر تحديدا ووضوحا وبروزا، وهى تعكس بشكل عام السمات الخاصة بالشخصيات التى رسمها الفنان ليس فيها ذلك الغموض النسبى الموجود، ولا الألوان الغامضة التى تشى بمرور الزمن والقدم، التى نجدها فى بورتريهات صبرى راغب، انظر مثلا إلى تلك التنويعات فى نوعية الألوان وتدرجاتها، وهذا الاهتمام بتفاصيل الملابس، ربطة العنق، والطربوش والبدلة والشارب ونظرة ووضع الرأس فى هذه الأعمال، وكذلك الالتقاط للتعبير المهيمن بالنسبة لكل شخصية من وجهة نظر الفنان، والذى تمثّل فى هذه النظرة المتطلعة إلى الأمام، وكأنها تحدّق إلى الأفق فى رضا لدى أحمد لطفى السيد، وهذه الثقة المقرونة بالسكينة والتأمل فى بورتريه أنطون الجميل، ثم هذه النظرة الواثقة المصحوبة بزهو خاص وفرح داخلى واطمئنان وطموح وشبح ابتسامة خفية قد تتحول إلى ضحكة مجلجلة لدى محمد حسنين هيكل..
أخيرًا هناك بورتريه آخر للفنان الكبير سيف وانلى عنوانه "بورتريه ل"منال" وفيه تحولت الشخصية المرسومة هنا على نحو ما إلى ما يشبه الدمية، إنها دمية تجمع بين الحياة والموت والحضور والغياب، إنه بورتريه لفتاة أو سيدة استخدم فيها تكنيك إطالة الرقبة والأنف الذى برع فيه موديليانى وجياكوميتى، واستخدم كذلك تشكيلة من الألوان تتنوع ما بين الوردى والأزرق بدرجاته والأحمر والأسود، ثم إنه يرسم الشعر الموجود فوق الجبهة على نحو يشبه الأصابع العنكبوتية التى تقبض على الوجه أو تمسك به بقوة، وثمة عين مطفأة بينما الأخرى غارقة فى حالة من الغموض السديمى هكذا وقعت "منال" فى براثن حالة "بينية" من الرغبة فى الإقبال على الحياة والتطلع إلى الاستمتاع بها، كما تمثل ذلك الشفتان الحمراوان لها والصبغة الحمراء، كذلك وإن على نحو أقل التى تعلو جانبى وجنتيها، ثم تلك الحالة من الحزن الذى يقارب الكآبة والتى قتلتها الألوان الزرقاء وبعض المكونات الأخرى الموجودة فى اللوحة التى أشرنا إلى بعضها.
ما الذى تجسده هذه البورتريهات وغيرها التى رسمها صبرى راغب وصلاح طاهر وسيف وانلى وغيرهم والتى توجد فى رحاب مؤسسة عريقة مثل الأهرام؟ إنها تمثل تجسيدات لقيم وقامات وهالات قد أحاطت بهذه الشخصيات الموجودة فى اللوحات، فهناك أنطون الجميل (1887 1948) اللبنانى المارونى الذى يجىء إلى مصر عام 1909 ويصبح فى عام 1932 رئيسا لتحرير جريدة الأهرام ويظل فى هذا المنصب حتى وفاته 1948 بعد أن ينهض بها ويرتقى ويكون مكتبه أشبه بخلية نحل ثقافية وسياسية وصحفية لا يمكن أن تسقط من ذاكرة التاريخ.
وهناك أيضا أحمد لطفى السيد (1872 1963) المفكر وأحد رواد حركة النهضة والتنوير فى مصر، عمل وزيرا للمعارف ورئيسا للمجمع العلمى ورئيسا لدار الكتب ومديرا للجامعة المصرية، ومواقفه الوطنية معروفة ومحترمة خاصة عندما قدم استقالته الأولى من منصبه فى الجامعة احتجاجا على إقصاء طه حسين منها عام 1932، وكذلك استقالته الثانية منها عندما اقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام 1937.
هناك كذلك أحمد بهاء الدين (1927 1996) الذى عمل رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير والعربى الكويتية والأهرام، وصاحب الكتب المهمة والمعروفة التى وصل عددها إلى 37 كتابا، وصاحب الأسلوب الصحفى الأدبى الرشيق الجذاب المعروف، والذى هاجم عشوائية سياسة الانفتاح الاقتصادى، وهناك الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى ربما كان أشهر الصحفيين المصريين والعرب خلال القرن العشرين، ودوره فى تطور مؤسسة الأهرام شكلا ومضمونا، والارتقاء بها إلى مكانتها المرموقة مصريا وعربيا وعالميا، أمر يعرفه الجميع، وهناك مبدعون ومفكرون مهمون أثروا الحركة الفنية والثقافية فى مصر والوطن العربى قد احتفى بهم مصورو هذه البورتريهات الموجودة فى رحاب الأهرام، محمد عبدالوهاب وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود، وكل واحد منهم عَلَم فى مجاله، أما آثاره وتأثيراته فخالدة باقية تدل عليه.
ما الذى يجمع بين هذه البورتريهات غير أنها موجودة بين مقتنيات الأهرام؟، الذى يجمع بينها فى اعتقادى أن هذه الشخصيات كلها الموجودة فى اللوحات، شخصيات كانت ولا تزال مقرونة بالإعجاب والتقدير والشغف، ومن ثم فإننا عندما نرى هذا البورتريه أو ذاك فإنه لابد أن يستحضر معه تلك الهالة الخاصة بصاحبه، وهى هالة تكون مضاعفة عندما نتعرف اسم الفنان الذى رسم البورتريه صبرى راغب أو صلاح طاهر أو سيف وانلى، هكذا لا تكون هناك هالة واحدة فقط مصاحبة للأصالة الخاصة بهذه اللوحات، ثمة هالة مزدوجة خاصة بالشخصية المرسومة وكذلك الفنان الذى رسمها، إنه تاريخ مصر الحديث الحاضر من خلال الأهرام وتاريخ الأهرام الذى يتجسد من خلال هذه اللوحات، فلا تحضر هذه اللوحات معها فقط سحرها أو عبقها الخاص المرتبط بأصالتها، أصالة الفنانين الذين أبدعوها وأصالة أو هالة الشخصيات التى تم رسمها فيها، ثمة هالة أخرى إذا استخدمنا لغة "فالتر بنيامين"، هالة ترتبط بمؤسسة الأهرام العريقة ذاتها، هالتها المصاحبة لتاريخها ومجدها وتطورها وتأثيرها وإشعاعها الممتد والبعيد بلا حدود، هكذا تتحدث هذه اللوحات وتجسد سحرا ثلاثيا خاصا بالفنان والشخصيات المرسومة والمؤسسة التى اقتنت هذه اللوحات وحافظت عليها.
هكذا تكون هذه البورتريهات أشبه ب"مجمع" أصوات وصور ورموز وأحداث وذكريات ومشاعر وطموحات وأمنيات، ثمة أصوات تحدثت بفرشاتها وألوانها وخطوطها، وشخصيات تحدثت بأعمالها وكتاباتها وإبداعاتها، ومؤسسة جمعت بين كل تلك الأصوات والشخصيات والكتابات واللوحات، الأهرام العريقة، الرمز الجميل الذى نحبه جميعا ونعتز به ونفخر، مثلما تتحدث هذه الشخصيات الموجودة فى البورتريهات على أنحاء شتى مفعمة بكل ما هو جميل وجليل، فكذلك تظل الأهرام رمزا لكل ما هو جليل وجميل ومؤثر فى مسار الأحداث، هكذا يكون ثمة بورتريه جميل للأهرام أيضا، وقد حضرت هذه البورتريهات التى تحدثنا عنها كى تؤكد هذا الجمال وكى تومئ إليه أيضا.
لمزيد من مقالات د.شاكر عبد الحميد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.