المخيال الشعبي لدى « أحمد شمس الدين الحجاجي » تشكل من البيئة المُركَّبة التي نشأ فيها، وكانت هي المصدر الأساسي ومرآة التأثير الجوهرية المشكلة لمخياله الشعبي المنعكس في كتاباته الأدبية والنقدية. حيث نشأ في بيئة تجمع عقائديًا المعبد والكنيسة والمسجد، وثقافيًا في حالة رواج للتراث والثقافة الشعبيتين، وذاتيًا بين بيت أبيه مأذون البلد مُمَثِّل الثقافة الشعبية العربية الأصيلة، وتلك الحكايات والأساطير الشعبية التي نُسجت حول شخصية جدِّه الشيخ أبي الحجاج الأقصري. ويتجلَّى للمدقق في إبداعات الحجاجي الأدبية أنها تراوحت بين المسرح والرواية وكتابات نقدية متنوعة، مدى تجلي وانعكاس تأثيرات هذا المخيال الشعبي على هذه الكتابات. فمن ناحية الإبداع الأدبي تبرز هذه التجليات واضحة في مضامين تلك الأعمال؛ حيث تخيَّر موضوعًا شعبيا تنشغل به الثقافة الشعبية العربية بشكل واضح ليشكّل من خلاله مسرحيته الخماسين، وهو موضوع الثأر، وليس خفيًا على المتلقى مدى سيطرة هذه القضية وعمقها في الوجدان والمخيال الشعبي العربي بأكمله. وتزداد طبيعة هذا المخيال الشعبي في إبداعات الحجاجي الأدبية جلاء عبر مطالعة روايته سيرة الشيخ نور الدين؛ تلك التي تؤشِّر بوضوح على عمق التأثيرات الشعبية في صياغة كل عناصرها ولا سيما عنصر المضمون. فقد ظهر في هذه الرواية مدى تشبع الكاتب بتلك السمات الشعبية التي كوَّن منها شخصيات روايته وأحداثها، فهي شخصيات وأحداث تنتمي إلى عالم المخيلة الشعبية أكثر من انتمائها لعالم الواقعين الفعلي والروائي الذي يفرض على المبدع أحيانًا التخلي عن هذه الصبغة الشعبية لصالح مَنطَقَة التكوين الجمالي لرسم الشخصيات الروائية وبناء الأحداث فيها. إذ أظهر المبدع كل مكونات روايته متطابقة مع هذا المخيال الشعبي الذي آمنت به الجماعة الشعبية في بلدته، عبر تأكيد كرامات وقدرات هذه الشخصيات التي تركت آثارها واضحة في تشكيل المخيلة الشعبية للمجتمع ومن ثمَّ في الرواية، وعلى رأسها شخصية نور الدين التي جمعت في تكوينها بين ما ينتمي لعالم الواقع عبر تفاعله مع جماعته الشعبية وسعيه لحل مشكلاتها، وبين عالمه الروحي الخاص الذي شكل وعيه المؤثِّر في علاقته بربِّه وبذاته وبأهله. وتتأكد أهمية المخيال الشعبي في كتابات أحمد شمس الدين الحجاجي عبر مطالعة دراساته النقدية، سواء في علاقتها بالمسرح العربي ونشأته أو بالأدب الشعبي العربي، وهما مترابطان إلى حد كبير. حيث اعتمد في تأصيله لفن المسرح العربي على تلك المؤثرات الشعبية التي ترسَّخت في المخيلة الشعبية للجماعة العربية سعيًا لتأكيد على صلة العرب القديمة بفن التمثيل، فرأى في دراسته « المسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث" أن المسرح العربي لم يكن لينشأ دون وجود بذور لفن التمثيل في الأشكال الشعبية العربية التي ابتكرتها تلك المخيلة التي امتلكها العربي القديم، مثل: القره قوز وتمثيليات المحبظين وخيال الظل والراوي في السير الشعبية والتعزية، وغيرها من مبتكرات الخيال الشعبي العربي. ولم يتخل عن هذا التوجه في دراسته التالية عن الأسطورة وأثرها في المسرح المصري المعاصر؛ إذ درس في جزء كبير منها مدى تأثير الأسطورة الشعبية الشهيرة إيزيس وأوزوريس في تشكيل نصوص المسرح المصري في فتراته المبكرة. وهي أسطورة تمثل عقيدة المصريين القدماء بقدر تمثيلها للمخيال الشعبي المصري القديم. وأكمل الحجاجي إظهار مخياله الشعبي فيما قدمه عن مولد البطل في السيرة الشعبية؛ التي درس من خلالها حياة بطل السيرة الشعبية بداية من المولد وصولاً إلى مرحلة التعرف والاعتراف ومرورًا بمرحلة الغربة والاغتراب.