رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح جاهين الشاعر الكبير يطل علينا ب روب أخضر وبيريه وحزام ملفوف عالقد
عبدالناصر"أبويا" والسادات "جوز أمي"

منذ أكثر من ثلاثين عاما كان الصحفي الشاب في ذلك الوقت أنور عبداللطيف يخطو خطواته الأولي في بلاط صاحبة الجلالة, وكان يكتب قصصا قصيرة, وعاني مثل كل الموهوبين من الصراع بين الصحافة والأدب, وفي المنطقة بين الاثنين أجري حوارات مع كبار المبدعين ليرضي الفنان داخله.
وهذا الحوار المفاجأة مع الشاعر الكبير صلاح جاهين في فبراير6891 قبل وفاته بشهرين بشقته في المهندسين ونشر جانب منه بمجلة الشباب في نهاية عهد الأستاذ صلاح جلال.. وحين راح أنور عبداللطيف يقرأ فقرات طويلة من الحوار, الذي احتفظ بأصله مكتوبا علي ورق دشت باهت متآكل الأطراف, والخط غير واضح.
كنا نتوقف طويلا تتملكنا الدهشة من الإجابات العبقرية الساحرة لصلاح جاهين, ومكر ذلك الصحفي الشاب, فعندما سأله عن علاقته بعبدالناصر والسادات أجاب جاهين: عبدالناصر كان أبي, أما السادات فكان مثل زوج الأم, يأتي بأفعال عكسي أبونا بل هذه, مما أدخلني في اكتئاب جعلني أسقط من ذاكرتي أكثر من عشر سنوات بعدها وجدت نفسي كالخارج من غرفة العمليات, ووجدت الناس ينظرون الي ولسان حالهم يقول: العملية انتهت إحنا إشتغلنا عليك شغل.
أما الأكثر إثارة في هذا الحوار الممتع فهو رأي صلاح جاهين الفلسفي الساخر في مبدعي مصر, نجيب محفوظ, يوسف أدريس وإحسان عبدالقدوس وبيرم التونسي وفؤاد حداد وتوفيق الحكم.
وفي الذكري الثلاثين لشاعرنا الكبير التي تواكب21 أبريل الحالي, يكون هذا الحوار هديته إلينا كما تعود أن يهدينا إبداعه دائما, إنه المبدع الذي لا يغيب أبدا.. صلاح جاهين.
الفنان طائر اعتاد التحليق في مسافات بعيدة.. وأي محاولة للاقتراب منه وإنزاله إلي أرض الواقع هي محاولة لقص جناحيه.. وصلاح جاهين فنان استثنائي ومحاولة اخطاره بالتوقف ليروي قصة حياته وإجراء حديث صحفي حول قضايا فنية رهان علي مستحيل فهناك سبع سماوات يمكن أن يحلق فيها صلاح جاهين وأمام كل سماء منها سبعة محاذير تجعل عملية اقتطاع وقت من صلاح جاهين في جلسة أو جلستين من رابع المستحيلات, وأصعب ما يواجه صحفي أمام صلاح جاهين هو مزاجه الشخصي ماذا يفتح شهياته للكلام.. متي يتدفق ومتي يتحول صلاح جاهين إلي قارة فنية مغلقة الحدود أو دكانة مقفلة بالشمع للتحسينات. وممنوع التعامل وممنوع الاقتراب وممنوع اللمس وممنوع.. وممنوع.. حتي الكلام!
...........................................................................
وقبل أن أحدد موعدا مع صلاح جاهين كنت قد قرأت كل ما نشر عنه ومعه وله.. لفت نظري سؤالان يجيب عليهما كل يوم خمس مرات كالصلاة إذا أجريت معه5 أحاديث صحفية.. الأول حول التخصص في الفن والثاني أين صلاح جاهين الستينيات صاحب أروع الأغاني الوطنية؟!
قلت لصلاح جاهين.. ماهي حكاية الرسام والشاعر والصحفي والممثل والمؤلف المسرحي والمنتج وكاتب السيناريو والمتفرج والسياسي ماذا بقي من الفنون دون أن نطرقه؟!
قال: الرقص.. والاخراج ثم القصة والرواية.
أرجوك.. رتب نفسك لكي أعرف مع أي فنان أتحدث؟
قال: ظاهرة التعدد ليست بهذا الاتساع.. أنا أولا أعمل في الصحافة ومتخصص في رسم الكاريكاتير.. ومن حين لآخر يخطر ببالي معني أريد أن أعبر عنه بالشعر.. مثل ان كنت مهندس في الحديد والصلب وهاوي شعر بالتأكيد سوف أكتب شعرا إلي جوار عملي في الحديد والصلب.. وعندما أذهب إلي فيلم سينمائي وأجد أنني يمكن أن أضيف فيه فسأكتب وأساهم, ومن هنا كتبت الأغاني.. ومن يكتب الأغنية ويعيش في جو الأفلام والدراما إما أنهم يكلفوه بكتابة غنوة أو يكون فيه موقف سياسي ينفعل به في قضيته تغني بعد ذلك.. بعد ضرب مصنع أبوزعبل كتبت أغنية منفعلا بالعدوان الوحشي الإسرائيلي علي العمال الأبرياء وقلت فيها:
إحنا العمال إلي اتقتلوا
قدام المصنع في أبوزعبل
بنغني للدنيا ونتلو
عناوين جرانين المستقبل
وحدة صف الأحرار
جبهة لكل الثوار
عبور الجيش لسينا
الزحف من الأغوار
هذه المنظومة الشعرية لحنها وغناها سيد مكاوي وأضافت إلي الأغنية المصرية.. وهكذا.. فصلاح جاهين ليس ظاهرة.. انه مجرد واحد رسام في الصحافة غاوي شعر يكتب شعرا تتحول بعض أشعاره إلي أغان.
في علاقته بالأغاني يلتقي بأهل السينما والمسرح ومن الممكن أن يندمج معهم في علاقة قد تصل إلي أن يأخذ معهم دورا ويمثل.
وهذه الازدواجية كانت موجودة.. الرسام عبدالسميع كان يكتب قصصا ويكتب مسرحا والرسام حسن فؤاد كان يكتب مقالات ويكتب مسرح وأفلاما.
هذا عن ترتيب نفسك.. فماذا عن شهادة الميلاد؟!
ولدت وكان عندي26 سنة.. عام..1956 ففي هذا العام الذي اعتبره عام ميلادي الحقيقي ولدت كبيرا.. فقد أديت أول أشعاري عبر الاذاعة منها احنا الشعب وثوار والله زمان ياسلاحي وياحمام البر وباسابق الغليون. وفي56 أيضا بدأت عملي في صباح الخير كرسام كاريكاتير وفي56 أيضا تزوجت وأنجبت ابني بهاء.. وقبل ذلك وبعد ذلك كانت مصر قد ولدت من جديد بعد أن قهرت العدوان الثلاثي.
هل صحيح أن كل مرحلة كانت تتطلب صلاح جاهين مختلفا خلال الثلاثين سنة الماضية؟!
لاتقل تتطلب.. بل تلتقي أو تنتقي إذا كان شخص ما ملائم تلتقي إذا كان غير ملائم تضج منه المرحلة.. وأنا أعترف أنني كنت في أوقات غير مفيد وقليل القيمة وكنت في أوقات كثيرة مفيد للثورة.. لكن الحمد لله لم أكن ضارا!
قلت في أحد تصريحاتك إنك كنت تعتبر جمال عبدالناصر مثلك الأعلي وبعد موته حدث نوع من التغيير وقهرك كل ما وجدته حولك, ماهي حقيقة علاقتك بالزعيم عبدالناصر وكيف عشت المرحلة القهرية؟!
أنا علاقتي بعبدالناصر كانت علاقة مرضية.. أن تحب شخصا لدرجة أن يتغلغل في نفسك ويكون جزءا من تكوينك السيكولوجي ويتحول إلي حالة نفسية عندك.. ويصبح ارتفاع الشخص أو انخفاضه أو انهياره أو انتصاره وهزيمته ينعكس عليك.. فهذه ولاشك حالة مرضية.. إذ لايجب ولا يصح أن يتعلق انسان بآخر إلي هذه الدرجة.. لذلك بعد أن ماتأبويا عبدالناصر, أصبنا بنوع مناليتم!
وكيف كنت تنظر إلي جوز الأم!؟
كنت مثل كل من أحبوا عبدالناصر ننظر إلي زوج الأم الجديد بتبرم في البداية ونتساءل في أنفسنا مستنكرين هل هذا هو الذي سيحل محل بابا؟!!, كنا نتحاشاه كما يتحاشي الولد زوج أمه.. وهو بدوره لم يترك الأمور تمر.. كان يحب التدخل في حياة الآخرين إذ لا تلبث وأنت في عزلتك أن تشعر بوجوده.. وكان يأتي بأفعال عكس أبونا بل ضده.. وإذا كنت لاتعرف العنف.. تكتئب!
سرح صلاح جاهين قليلا بعد كلمة الاكتئاب ثم عاد من شروده قائلا: أقسم بشرفي لقد سقط من ذاكرتي10 سنوات بالكامل!
وأنا عندي في رأسي جدول وهمي اسجل فيه تاريخ مصر من أيام الملك مينا.. وعصر بناة الأهرام له مكان عندما أغمض عيني أشاهد عملية البناء.. لكن الفترة من1970 حتي1981 انطمست من ذاكرتي تماما سواء علي المستوي الشخصي أو العام, وبعد أن انتهت وجدت نفسي كالخارج من وراء سحابة أو نفق أو عملية جراحية ووجدت الناس ينظرون لي ولسان حالهم يقول: العملية انتهت احنا اشتغلنا فيك شغل.
هل تستطيع أن تقول إن العشر سنوات داخل غرفة العمليات خلقت صلاح جاهين المصري؟
فعلا.. خرجت وجدت شكلي قد تغير.. ملامحي تغيرت وتحت وطأة التخمة التي أصبت بها انفعص المرح بداخلي, حتي الناس نظراتهم لي اختلفت.. وجدتهم ينادونني باسمي مسبوقا بلقب حاج.. في الشارع يقولون مش تاخد بالك ياحاج وفي الأتوبيس وسع ياحاج وأنا كان عمري ماحجيت.. وكتبت أيامها:
عيل في سن المدرسة قال ياحاج
أنا زرت بيت ربنا لكن ماسميش كده
ووليه حبلي قالتها تاني عقلي وج
أنا اسمي كيت وكيت ياسيدة
لابس مثف زي توفيق الحكيم
بيريه وتلفيحة
أفوت بشكل سليم فرنسي صميم
أخذ كافيه في سان ميشيل في باريس علي الريحة
واسرح واهيم ورا كل تسريحة
ألم تشعر يوما بالاحباط من جدوي الكلمة.. كأن تكتشف أن مستوي الانجاز لم يكن علي مستوي الانفعال؟!
انفعال الناس بها واعتناقهم لها.. يمكن أن يكون انجازا.. وإعادة اعتناقهم للكلمة انجاز كبير بكل المقاييس.. إذن الكلمة ومستوي تقبل الناس لها وتعاطفهم معها كل تلك انجازات.. حينما كتبت أشهر الأغاني الوطنية في الستينيات لتعبر عن عصر يعتبر بكل المقاييس أبو العصر الذي نعيش فيه الآن.. ذلك العصر الذي أدي بها إلي النكسة.. عصر الملوك الصغار والمتع في القوات المسلحة الذين كانوا يمتلكون البلد لا أستطيع أيضا أن أقول إن الكلمة قد فقدت معناها.. لأنني لا أربط بين عبدالناصر وبين جيشه والطغاة الصغار من حوله.. وكإنسان يقدس عبدالناصر, أتخيله دائما بقلبه الأبيض ومواهبه غير الطبيعية ونواياه الحسنة كل ذلك يضاف إلي حماس الشعب له وحبهم وتعاطفهم معه كنت أعبر عنه بأشعاري, أما من أغرقوا السفينة بجهلهم فتلك صورة أخري ولا أستطيع أن أخلص أي شئ من أدرانه بسهولة. هناك أناس كثيرون أستفادوا من عظمة عبدالناصر ومن الولاء الطبيعي السعيد من الشعب ومنهم من استخدموا هذا لفرض آرائهم الشخصية! فكان لابد في ذلك الوقت أن أتغاضي عن هؤلاء الجيران المزعجين.. فكنا نعيش مع عامة الشعب وعبدالناصر في بيت, وعبدالحكيم عامر وصلاح سالم في بيت آخر مجاور لنا.
هل هناك علاقة بين انحسار دور الوطن في حياة الناس وتراجع الشعور الوطني؟!
ليس معني حدوث حدثين في وقت واحد هو بالضرورة وجود ارتباط بينهما في عصر اخناتون مثلا يقول أحمد قدري عالم الاثار ان ما يقال عنه بأنه استغرقته أفكاره الفنية وعواطفه وشغلته عن النواحي الخارجية حتي انهارت دولته, هذه المقولة غير صحيحة.. ففي ذلك الوقت ظهرت دولة الحيثيين وكانت قوية تنازع مصر ولم يكن اخناتون شرابة خرج قاعد يقول آتوني بوزير المستعمرات ووزير كذا.. وكذا.. ويتأكد فقط أن الأمن مستتب منصرفا الي لذاته كحاكم هذا الزمان.. وينتهي الأمر بسقوطه مثل أي حاكم ليس له ارتباط فلسفي, اخناتون ملك وعنده عشق للثقافة لكن ظهرت إمبراطورية ثانية عجلت بسقوطه.. فتراجع الشعر الوطني في السبعينات ليس سببه تراجع دور الوطن في حياة الناس وكفي, لكن السبب ظهور امبراطورية أخري سعت لشغل الناس عن معني اسمه الوطني.
والكاريكاتير صورة من صور المقاومة, وهو متاح ومتيسر أكثر من المعارضة السياسية المباشرة.. كيف تري هذا الرأي؟!
السخرية صورة من صور الهجوم, وفي أي برلمان عندما تشاهد المناقشات وتتأمل اللغة التي يتحدثون بها تجد أن جزءا كبيرا يلجأ للسخرية, وهي سلاح من أسلحة الحوار السياسي والاجتماعي.. والكاريكاتير بصفته يفهم بسرعة ومن أول نظرة أسرع من المقالة ولذلك فإن تأثيره كبير جدا في المعارضة.
لكن هل بالضرورة أن يكون رسام الكاريكاتير في موقع المعارضة؟!
رأيت كاريكاتير في بلاد بها معارضة قوية وجدت أن أروع جملة كاريكاتير هي تلك التي تتعرض لاعداء البلاد في أمريكا أبشع الحملات كانت ضد الاتحاد السوفيتي, وعلي أي حال هناك معارضة تختلف من معارضة أخري عندما أصنع في الحكومة بريشتي كل العبر في كل يوم أكون أقل مصداقية من أن أناقش المشاكل العامة مثل أي انسان يناقش فكره بموضوعية وعندما تطرح قضية من الممكن أن اتبني فكرة حتي ولو كانت ضد ومخالفة هنا سوف يشعر الناس أنني عند الغل فقط أرفع الراية الحمراء!
سئل بيكاسو عن إحدي لوحاته فقال إنها مزورة لانها لاتعبر عن مشاعري الشخصية الداخلية بل رسمتها فقط للبيع.. هل تتفق مع بيكاسو في هذا المفهوم للتزوير؟!
أنا لست مكلفا من أحد برسم كاريكاتيري اليومي أنا فقط مكلف من القراء هنا أقول لبيكاسو قف مكانك! لأني لو أصبت بافلاس فكري في يوم لابد أن ألجأ الي الصنعة, بحيث أقدم عرضا ممتعا, وهذا معروف في الفن, أحيانا تقول الممثلة في المسرح كنت الليلةAntificial محترفة أي تستخدم أسرار الصنعة ومواهبها والماكياج لكي تبدو طبيعية أما في الليالي التي تكون راضية عن نفسها في التمثي لوعايشه الدور فهي طبيعية من تلقاء نفسها.
عبدالله النديم وبيرم التونسي وداود حسني وفؤاد حداد وصلاح جاهين.. ماذا يربط بين هذه الاسماء؟
أولا: اخرج داود حسني من هذا الطابور لأنه إسرائيلي من اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر لخدمة ثقافة البلاد الأخري ثم يرحلون.. أما نحن فقد ابتلينا بورطة اسمها فنان شعب مثل ان تصبح في يوم أغني واحد في قبيلة عربية فهذه ورطة ومسئولية, فعليك الانفاق علي المحتاج ورعاية المرضي ومقابلة الضيوف والسفريات.. وهكذا وكل واحد حسب طبيعة عصره كلهم ظهروا بشكل مشرف.. النديم وبيرم وفؤاد حداد الشيء الذي يربطهم انتماؤهم لمصر وحبهم لها ولو أن فؤاد حداد لم تكن تشعر به لانشغالها بآخرين منهم كدابي الزفة ولكن اتنبأ أنه سوف يسطع بعد رحيله!
وما هي حكايتك مع فؤاد حداد بالذات؟
ظهرت لي أنغام سبتمبرية بعد ظهور رائعة فؤاد حداد استشهاد جمال عبدالناصر وكنت أخشي المقارنة لأن فؤاد حداد أشعر مني وأرحب واكثر تدفقا, لكني أشطر منه كما قال لي ذات يوم لأني أقص قماش الشعر بمقص خياط علي المقاس ونحن دائما كنا في الأيام العظيمة الماضية نتزامل في نشر مجموعاتنا الشعرية!
وعلاقة القاريء بالكاتب.. لمن يكتب هؤلاء الكتاب من وجهة نظر صلاح جاهين؟
نجيب محفوظ:
يكتب لطه حسين.. فهو محتشد بالإحساسات العامية لكن طول عمره حاسس أن طه حسين يجلس خلفه يتابع كل كلمة ويقرأ كل حرف!
يوسف ادريس:
يكتب لي أنا شخصيا وأنا جالس علي كنبة وسط مجموعة من الطلبة والشباب المتحمسين للبلد والعمال وعينات من الموظفين!
إحسان عبدالقدوس:
لا أعرف اسم السيدة التي يكتب لها
بيرم التونسي:
يكتب للشيخ زكريا.. الله يرحمه
فؤاد حداد:
كان يكتب للمتهورين في الشارع المصري!
صلاح جاهين:
شاعر عامي.. يحاول أن يكتب شعرا يصلح للترجمة ليدخل في منافسة مع الشعراء الذين يكتبون باللغات الاجنبية.. وفي نفس الوقت حريص علي أن أكتب لفؤاد حداد!
وتوفيق الحكيم؟
بعد85 سنة لايزال يكتب من أجل ان ينال ثناء والده عليه آخر النهارعاوز يعجب أبوه بأي شكل حتي اليوم
آخر سؤال هل بقي من الوقت بدل الضائع ما يتسع للسؤال عن الأمنية؟
لو بيدي.. كنت أقول:
خلي المكنجي يرجع المشهد
عايز أشوف نفس زمان وأنا شب
داخل في رهط الثورة متنمرد
ومش عاجبني لاملك ولا أب
عايز أشوف من تاني واتذكر
ليه ضربة من ضرباتي صابت
وضربة من ضرباتي خابت
وضربة وقفت بالشريط في وضع ثابت
...................................
وأسالت هذه القصيدة لعابي للسؤال عن الضربة التي صابت وتلك التي خابت والثالثة التي أوقفت الشريط في وضع ثابت.. لكن صلاح جاهين كان قد أغلق الدكانة, وجمعت أشرطتي وأوراقي وتركت70 كيلو جراما هي كل ما بقي من صلاح جاهين 120 كيلو سابقا وسط روب أخضر وبيريه وتلفيحة وحزام ملفوف علي القد.. و..
سلام
سلام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.