نازعتنى الكتابة عن المعالجة المؤسفة لاختطاف الطائرة المصرية، وتداعيات التربص الداخلى والخارجي، وبيان الحكومة أمام مجلس النواب الذى افتقد المحددات الزمنية والوسائل، ومصادر التمويل، والأولويات، وآثرت تناول ما أراه الأكثر أهمية للجموع العريضة من المصريين الآن، والبحث عن إجابة لسؤال مهم: هل يمكن تحقيق نمو وتنمية وإنفاذ جاد للعدالة الاجتماعية دون تنمية اقتصادية تتصدرها إعادة الفعل الذى غاب سنوات طويلة عن حياتنا.. الإنتاج وتعظيم مصادره وعوائده، وكيف لا يتحمل تبعات تمويل مصادر الإنفاق الملايين الأكثر افتقادا للعدالة والأكثر استحقاقا لها مع تعريفات أكثر تحديدا مما جاء فى بيان الحكومة عن العدالة المستهدفة، وفى مقدمتها توفير المطلوب لتعزيز مستوى معيشة المواطنين برفع مستوى الخدمات التى تقدم لهم، وفى مقدمتها الخدمات الصحية والتعليمية، ونشر مظلات الحماية الاجتماعية، خاصة أن المعاناة تجاوزت من تحت خطوط الفقر إلى جموع الطبقة المتوسطة ولفتنى تكرار رئيس الوزراء لضرورة اتخاذ قرارات صعبة وصفها فى البيان بأنها مؤجلة وستصاحبها برامج للحماية الاجتماعية!! لماذا لم يفصح رئيس مجلس الوزراء عن ماهية هذه القرارات، وكيف ستلتزم بحدود صارمة وجادة للحماية الاجتماعية، وهل اتخاذ برامج للحماية الاجتماعية يجب أن ينتظر اتخاذ قرارات صعبة، وألا يكفى لاتخاذ هذه البرامج الوقائع الأصعب للحياة التى ترتبت على التحديات التى تواجهها مصر سياسيا واقتصاديا، وترتبت أيضا على سنوات طويلة من التجريف والإهدار والنهب للثروات الطبيعية لهذا الوطن، والتدمير لثرواته العلمية والبشرية، والتى مازالت تنتظر مخططات استثمارات جادة وعاجلة لها، ثم هل يمكن أن توصف القرارات التى تتخذها الحكومة بالصعوبة إلا إذا توجهت وحُملت للمواطن غير القادر على تحمل تبعاتها، بينما إذا حُملت هذه القرارات والإجراءات للأقوياء والقادرين عبر أنظمة وقوانين عادلة فلن تمثل إلا فريضة وضريبة اجتماعية حامية لمن يدفعها، أكثر ممن تعود عليهم عوائدها من خلال دعم وتقوية دوائر الأمن الاجتماعي، وقوة وسلامة المجتمع. ولعل إعادة التذكرة بأرقام ومسئوليات الألم والمعاناة تجسد إهدار آدمية وإنسانية الملايين وبما تفرضه من معالجات عاجلة وآجلة ابتداء بالأنظمة الضريبية، والضرائب التصاعدية، والضرائب على البورصة كما يحدث فى العالم حولنا، وما ينشر ويذاع دون ردود رسمية توضح حقيقة وأرقام مليارات المتأخرات من ضرائب للدولة لدى رجال أعمال.. لماذا لم يتضمن البيان ما يوضح ويحدد ما للمصريين من استحقاقات ومتأخرات ومخططات استردادها، وخطط الحكومة لترشيد الإنفاق الحكومي. وضرورة مسارعة مجلس النواب إلى تحويل حوالى 20 مادة بالدستور حول تحقيق العدالة الاجتماعية إلى قوانين، وإسقاط فعلى وحقيقى لديون الفلاحين.. ولعل إعادة التذكرة بالقليل من أرقام ومستويات الألم والتخلف يكشف حجم التقصير المتراكم من سنوات طويلة، والذى يحتاج سياسات وقوانين وإجراءات وتطبيقات عاجلة لا تحتمل مستويات الأداء المؤسف الذى نشهده فى كثير من مواقع العمل التنفيذى الآن. [يقرر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء بعد أن أجرى مسحا على 4655 قرية فى الدلتا والصعيد لا تتجاوز 40% من مساحة مصر يبلغ سكانها 16 مليونا 49% من منازل القرى التى أجرى عليها المسح تغرق فى مياه الرشح والصرف، وأن 69.8% منها بلا صرف، وتنتشر بها الحيوانات الضالة، ونصف القرى تقريبا أو ما يزيد على النصف فى مساحة المسح تنتشر بها شبكات للضغط العالي، وأن النسبة العامة للفقر 26.2% وتصل فى الصعيد إلى 50% وبنسب مخيفة تنتشر البطالة بين الشباب من الجنسين] القراءات العميقة والعلمية لنبض الواقع وما تعيشه وتعانيه وتتطلع إليه الملايين التى تمثل الأرصدة الشعبية الحقيقية لقوة واستمرارية هذا الوطن وانتصاره على التحديات التى يواجهها يجب أن تكون من أهم حصاد ما خرجوا من أجله فى 25/1 و 30/6، وبعد أن كان عدم المبالاة بهذه الجموع العريضة فى مقدمة أسباب تراكم أرصدة الغضب والرفض للنظام قبل الثورة، كما أن الرصيد والاهتمام والاحترام للنبض الشعبى من أهم ضرورات إقامة الحكم العادل، ومن أهم أسرار وأركان قوته، وعدم تآكل أرصدته الشعبية، وتتعاظم هذه الأرصدة برسم السياسات والقوانين والإجراءات التى تجعل هذه الجموع العريضة قادرة على مزيد من الاحتمال والصبر وهى ترى علامات مبشرة للتحقيق والتغيير واهتمام جاد يتمثل فى خطوات عاجلة وآجلة، تحدث بالفعل فى حياتهم وأنادى مرة ثانية وثالثة ألا تستدعى الظروف الصعبة التى ورثناها، والتحديات التى نواجهها، وفى مقدمتها التحديات الاقتصادية، ضرائب اجتماعية يتقدم لحمل مسئوليتها كل من أعطته بلاده وأفاضت عليه، وتنتظر أن يرد لها بعض الواجب فى صور كثيرة، منها تبنى الإنفاق على مشروعات خدمية وتعليمية وصحية لا أظن أن أى إجراءات واجبة ويصفها رئيس مجلس الوزراء بإجراءات صعبة إذا توافر البصر والبصيرة، والحس الوطنى والإنسانى لأصحاب ثروات كان مصدرها الأساسى استغلال الثروات الطبيعية لهذا الوطن، بينما ملح الأرض من الشغالين والبنائين من صناع وحفاظ الحياة، خاصة العمال والفلاحين، ومن شركاء الثروات الطبيعية وأصحابها الأصلاء تنهار مقومات حياتهم وحقوقهم المبدئية فيها. هل سيترك المواطن البسيط ومحدود القدرات والإمكانات والمستضعف وسط توحش الأموال والأسواق، ومستغلى الأزمات والظروف الصعبة التى تمر بها مصر يفرضون كل مايريدون.. أين أنظمة محكمة للرقابة على الأسواق، وعلى نسب التربح والأسعار. وهل هناك بدايات فعلية لإعادة مصر دولة منتجة، وتشغيل مصانعها، وإعادة الحياة لقوتها العمالية، والاقتراب من حدود الاكتفاء الذاتى فى إنتاج غذائنا ومحاصيلنا الاستراتيجية، لماذا لم تضعه الحكومة كهدف استراتيجى لوزارة الزراعة..؟! أين جميع إجراءات الحماية الاجتماعية التى تحدث رئيس مجلس الوزراء عن ضرورة اتخاذها والتى إذا لم تتم المسارعة إلى تحقيقها ستظل الملايين الأكثر استحقاقا للعدالة تتحمل وتكابد اختلال منظومة الحياة وضمانات الأمن والسلام الاجتماعي، وأذكر بما أشرت إليه فى مقالات كثيرة من قبل أن أول ما نادى عليه المصرى القديم هو إقامة العدل، وظلت أصداء هذا النداء تتردد على مدى تاريخه الطويل والعميق، وبما يجعل اتخاذ جميع أسباب وقوانين وإجراءات تلبيته وإمساك المصريين بالحلم القدم بين ايديهم استجابة تاريخية لأجيال متعاقبة ظلمت وحرمت وعاشت تحت أقسى ضغوط الظلم والحرمان، وبما يجعل من المستحيل أن يتأخر حلم وفريضة العدالة مع وجود قائد يتأكد فى جميع قراراته ومواقفه ودعواته الاحترام والانتماء إلى الجموع الأكثر ألما واستحقاقا للعدالة وايمانه بحقوقها الأصيلة.. مع ذلك يجب أن نعترف أن الواقع مازال يؤكد أن هذا النداء التاريخى مازال حلما وأملا للملايين. ما أدهشنى فى دعوة المصرى القديم لإقامة العدل أنه حذر فيها من استحالة اقامته مع وجود فساد، ووصف الحياة بأنها سفينة من المستحيل أن ترسو على بر الأمان إذا وجد على ظهرها فساد، وجميع الشواهد والوقائع أمامنا تؤكد أن الفساد المستشرى فى حياتنا من أهم أسباب إفشال خطط إصلاح وإنقاذ وتدنى مستوى الخدمات التى تقدم للمواط،ن وتراجع مستويات المعيشة، وتبديد استثمارات تقطع من الدخل القومى المنهك ويتبدد، مع إساءة استخدامها فروض وواجبات رفع مستويات آلاف القرى وملايين البشر.. وما بين عجز القانون عن التصدى والردع وتوقيع أقصى واقسى العقوبات والإبقاء على مسئولين فى مختلف مواقع الإدارة فى الدولة أهم مواصفاتهم اللامبالاة بمشكلات المواطنين، والاستهانة بالأداء المتفق لما عليهم من مسئوليات وفى غياب انظمة للحساب والعقاب تظل ممارسات الفساد محصنة ومتمكنة وقوية وقادرة على أن تفعل كل ما تريد، ويظل الفاسدون يرتعون ويتربحون ويدمرون.. ويظل الملايين يأملون ويتطلعون الى حلمهم التاريخى بالعدالة.. وإن كانت الشواهد والقراءات الأمنية والصادقة التى يجب أن تظل دوما للنبض الشعبى وما يتأكد أن الثورة 25/1 و 30/6 أحدثت متغيرات جوهرية فى الشخصية المصرية، وأن هذه الجموع الغالبة منها يجب المسارعة الى بدايات جادة لتحقيق استحقاقاتها فى العدالة الاجتماعية، وأنها يجب ألا تصل إلى استنفاد أرصدة صبرها واحتمالها. كنا سادة الدنيا فى العمارة والبناء ويشهد التاريخ أننا أمة احترفت البناء والعمران، وكنا أول البنائين والمبدعين فى فن العمارة الذى مازالت شواهده تملأ أرضنا وتتسابق الدنيا على اقتناء نماذج لها، بينما البناء الحديث منتج الغش والفساد ينهار وتتوالى مسلسلات انهيار الكبارى قبل افتتاحها فبعد انهيار كوبرى سوهاج الذى صممه مهندسون من جامعتها يتجدد جزء من كوبرى طريق المحلة كفر الشيخ الدولي، وتسقط أحجار الكوبرى من ارتفاع ثمانية أمتار على منازل المواطنين ويصاب أطفال، رغم تكرار إبلاغ المسئولين على مدى الشهرين الماضيين بحدوث تصدعات فى الكوبرى وسقوط أجزاء منه!! وبدء تحرك مواكب المسئولين للتصدير والإدلاء بالتصريحات، فى نفس اليوم 30/3 لحق كوبرى الحماد العلوى بمركز البرلس وأكبر كبارى كفر الشيخ بكوبرى طريق المحلة، وظهرت فى كوبرى الحماد الذى يربط بين خمس محافظات خمس فتحات استغاث اهالى القرية الواقعة على الطريق الساحلى الدولى من انهيار كوبرى الحماد العلوى على مصرف كتشنر، هذا غير عديد من الاضرار التى أصابت الكوبرى وتؤدى الى إصابة ووفاة كثير من المارين عليه. الذين يتطاولون على الشئون الهندسية بجيشنا العظيم الاشراف على عدد ضخم من شبكات الطرق والكبارى والانفاق والمدن الجديدة أسألهم هل تعرض مشروع تشرف عليه قواتنا المسلحة لجريمة من جرائم الإهمال والفساد؟! ولا أعرف لماذا لا يصل إعجابنا بالصين إلى العقوبات التى توقع على الفاسدين هناك، ومن يتسببون فى إضرار بالصالح العام؟! لمزيد من مقالات سكينة فؤاد