المشهد الإفريقى فى اجتماع وزراء دفاع دول الساحل والصحراء يشير إلى تطورين أساسيين هما توجه عام بضرورة بلورة رؤى وآليات إفريقية مستقلة نسبيا عن الدول الغربية والأمم المتحدة وذلك لمواجهة التحديات الأمنية فى دول التجمع، والتطور الثانى هو التعامل مع التحديات الأمنية بمقاربات متعددة لا تقتصر فقط على المداخل الأمنية، ويعد التطور الثانى مجهودا مصريا بامتياز. ويبدو أن العوامل الدافعة الى تطوير التعاون بين دول تجمع س- ص الذى هو ثانى أكبر تجمع فى إفريقيا بعد الاتحاد الاُفريقى نفسه يعود بالأساس الى التهديدات الإستراتيجية التى أصبحت تواجهها هذه الدول على الصعيدين الأمنى والاقتصادي. فقد تنامت ظاهرة الإرهاب وإنتشار التطرف الدينى على الصعيدين السنى والشيعي. فالتنظيمات الإرهابية تنتشر على مجمل الرقعة الجغرافية لتجمع دول الساحل والصحراء، فهناك تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتمركزه فى ليبيا فضلا عن تنظيم بوكو حرام المنطلق من نيجير الى كل من تشاد والنيجر والكاميرون، بخلاف تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى والتنظيمين التابعين لها «التوحيد والجهاد» و»أنصار الدين» اللذين يعملان فى كل من مالى وموريتانيا، وأيضا مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس MSC، والموجود فى سيناء. وفى السياق ذاته، هناك تواترات أمنية مع الشيعة فى نيجيريا تصل إلى حد اتهامهم باغتيال قيادات عسكرية رفيعة بالجيش، وكل ذلك بالتوازى مع التوسع فى الجريمة المنظمة وانتشار الأسلحة المتوسطة والخفيفة وفى المقابل توسع فى حالة التدخل الأجنبى فى القارة سواء بالتدخلات العسكرية المباشرة (ليبيا ومالى وإفريقيا الوسطي)، أو إنشاء القواعد العسكرية، أو المبادرات الأمنية التى تعكس مستويات صراع النفوذ. وأخيرا فإن تنظيم «حركة الشباب» التابع للقاعدة فى الصومال يعمل على الساحتين الصومالية والكينية، ولعل الهجوم على جامعة جاريسا الكينية قبل عام يؤشر بشكل واضح لحجم التهديد الذى يمثله. التهديد الليبي وبطبيعة الحال تبدو الساحة الليبية راهنا أعلى مصادر التهديد لدول الساحل والصحراء، حيث إن تعثر تنفيذ اتفاق الصخيرات السياسى الى حد إعلان حالة الطوارئ فى غرب ليبيا مع إعلان حكومة السراج التوجه الى عاصمة البلاد من ناحية وتوسع تنظيم داعش فى السيطرة على مساحات مضافة من الساحل الليبى من ناحية أخري، كلها تعد بالتأكيد مقدمة لتكون ليبيا ساحة جديدة لصراع مسلح واسع النطاق ومتعدد المستويات مماثلا ربما للحالة السورية خصوصا أن هذه البيئة السياسية المضطربة فى ليبيا تعد محفزا كبيرا لتدخل دولى عسكرى فى ليبيا أصبح شبه معلن من الدول الكبري، خصوصا أن تطور الأوضاع فى الجنوب الليبى تشير الى أمرين الأول سعى تنظيم داعش تكوين جبهة فى منطقة فزان بالجنوب الغربى الليبى التى هى نقطة مفترق الطرق بين ليبيا والجزائر وتشاد والنيجر، فضلا عن وجود موارد بترولية بها لا يستهان بها، كما أن الأمر الثانى يشير إلى أن وجود داعش فى هذه المنطقة يعطيها إمكانية هائلة للتلاحم مع تنظيم بوكو حرام بنيجيريا. وتعد فزان أيضا منطقة صراع دولى حيث تسعى فرنسا أن تكون فزان هى نصيبها من الكعكة الليبية، فى ضوء أهميتها الإستراتيجية لحزام الوجود العسكرى الفرنسى من إفريقيا الوسطى لتشاد مرورا بالنيجر التى تبنى فيها فرنسا حاليا قاعدة عسكرية ووصولا فى الأخير إلى مالي، خصوصا وأن فزان كانت على العهد الاستعمارى منطقة نفوذ فرنسى اضطرت للتنازل عنها الى إيطاليا مقابل الفوز بتونس. أما على الصعيد الأمريكي، فقد كان للولايات المتحدةالامريكية خطوة مبكرة لوجود قواتها على الأرض فى مناطق متاخمة لليبيا بتشاد منذ عام 2015، وذلك كجزء من مواجهة أنشطة ميليشيات السلفية الجهادية من ناحية وحماية خطوط النفط من ناحية أخري. ساحة تضاغط ولعل الصومال مع جيبوتى وهما المشاركان فى تجمع دول الساحل والصحراء مع إريتريا من مصادر التهديد لكل شرق إفريقيا ولمنظومة الأمن فى البحر الأحمر فإذا كانت الصومال لم تستطع حتى اللحظة أن تقطع دابر تنظيم الشباب التابع للقاعدة نهائيا فى الصومال فإن جيبوتى بالتوسع فى وجود القواعد العسكرية فيها من الولايات المتحدةلفرنسا للصين وأخيرا السعودية التى تشرع فى بناء قاعدة عسكرية يعنى ببساطة تحول البحر الأحمر لساحة تضاغط إقليمى ودولي. أما على صعيد الجريمة المنظمة فربما يتوجه تهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية عبر دول الساحل والصحراء حيث يعد الإتجار فى المخدرات والبشر هما أدوات التمويل للإرهابيين وطرائق عيش فقراء الدول ال 27 من تجمع س- ص الذين لم يجدوا سبلا بديلة لمكافحة الجوع حيث تتمتع التنظيمات الإرهابية بمصادر تمويل ذاتى ناتجة عن عمليات اختطاف رهائن غربيين تترواح عوائدها بين 1 و 5 مليون دولار عن العملية وكذلك عمليات سطو مسلح على بنوك خاصة فى نيجيريا. فى هذا السياق نشير - طبقا لتقارير المخابرات الإمريكية المنشورة- إلى أن بعض قبائل الجنوب الليبى يتورط بعض منسوبيها فى مثل هذا النوع من الجرائم، كما تعانى مصر من كونها دولة ترانزيت لعدد من المواد المخدرة كالحشيش والهروين والأفيون، وذلك قبل انتقالها إلى اوروبا، وإسرائيل، وشمال افريقيا. كما تعتبر نقطة توقف لمهربى المخدرات النيجيريين، وأيضا تعانى المغرب دولة ترانزيت لتجارة الكوكايين الآتية من أمريكا الجنوبية، نحو أوروبا الغربية. وتجدر الإشارة هنا الى المبادرات الأمريكية الثنائية والمتعددة الأطراف للتعاون فى الإطار الأمنى فى كل من مالى وبوركينا فاسو، والسنغال والكاميرون والنيجر، إَضافة إلى المبادرات الفرنسية التى يقع نطاقها فى كل من تشاد والنيجير وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى وهى المعنونة باسم «بركان» أما على نطاق الاتحاد الأوروبى فهناك جهود لتطوير صيغة 5+5 والتى يقع نطاقها فى إطار المتوسط لتتسع وتشمل 5 إضافيين هم دول جنوب شمال إفريقيا. يمكن القول إن الأساليب الراهنة لمواجهة التهديدات الأمنية فى دول س - ص تتسم بتداخلها مع أجندات غربية من جهة والتضاغط بسبب الصراع على النفوذ بين الدول الغربية بينما تبدو المصالح الحقيقية للدول الإفريقية شبه غائبة ولعل ذلك ما دفع مصر إلى تقديم اقتراحين الأول بإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب يكون تابعا لدول الساحل والصحراء والثانى هو تكوين قوة تدخل سريع لدول التجمع، وهى أيضا الدافعة وراء الى قول الأمين العام بالإنابة لتجمع الساحل والصحراء إبراهيم ثانى أبانى بأن «الآليات الإقليمية لحفظ الأمن وفض المنازعات يجب أن تكون حاضرة». ويمكن الإشارة هنا إلى المبادرات المتعددة الراهنة لم تسفر عن تحجيم مستوى التهديدات الأمنية بل أدى ربما إلى تصاعدها خصوصا مع وجود تساؤلات بكيفية انتقال أكثر من 6500 عنصر من داعش إلى ليبيا من سوريا والعراق تحت مظلة أمنية أمريكية موجودة بالفعل فى البحر المتوسط، فضلا عن المبادرة الأمريكية الثنائية والمتعددة الأطراف للتعاون الأمنى فى كل من مالى وبوركينا فاسو، والسنغال والكاميرون والنيجر، إَضافة إلى المبادرات الفرنسية التى يقع نطاقها فى كل من تشاد والنيجير وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى وهى المعنونة باسم «بركان» أما على نطاق الاتحاد الأوروبى فهناك جهود لتطوير صيغة 5+5 والتى يقع نطاقها فى إطار المتوسط لتتسع وتشمل 5 إضافيين هم دول جنوب شمال إفريقيا. وفى المقابل فإن الآليات الإفريقية لفض المنازعات وحفظ السلام تعانى من قصور واضح طبقا لتقرير لجنة خبراء مستقلين فى ديسمبر 2013 وذلك بتكليف من القمة الإفريقية حيث حدد الخبراء أن هذه الأولوية تعانى من مشكلات عدم الجاهزية فى توقيت مناسب، وعدم وضوح العلاقات المؤسسية بين الفرق العسكرية المختلفة فضلا عن والارتباك فى الممارسات المتعلقة بعمليات حفظ السلام، وضعف التدريب العملياتي، الأهم من ذلك كله إفتقاد إستراتيجية طويلة المدى أو أهداف واضحة. بالتأكيد يشكل مؤتمر شرم الشيخ لوزراء دفاع دول الساحل والصحراء خطوة على الطريق لمواجهة التهديدات الأمنية لمصر والتى تعد فى الخاصرة، ولباقى دول الساحل والصحراء التى ربما تواجه تحديات وجودية. ويمكن القول إن فرص النجاح الكامل فى مواجهة التهديدات الأمنية الشاملة فى إقليم الساحل والصحراء هى مدى قدرة دول التجمع على التفاعل الصحيح مع تقاطعات المصالح الدولية فى دول س - ص من جهة، وأيضا النجاح فى التنسيق الإقليمى بين دول التجمع والذى سوف تقاومه بالتأكيد بعض أجندات الدول الكبرى من جهة أخرى. مساران متوازيان فى هذا السياق، فربما تكون النقاط المتفق عليها فى مؤتمر شرم الشيخ خطوة مؤدية الى تطور نوعى لمواجهة التهديدات الأمنية فى إقليم الساحل والصحراء خصوصا وأنها عملت على مسارين متوازيين، هما مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة.. فعلى صعيد مكافحة الإرهاب، هناك خطوات نحو إنشاء المجلس الدائم للسلم والأمن لدول الساحل والصحراء والذى قد تنبثق عنه قرارات بإنشاء قوات تدخل سريع فى الأزمات الإفريقية، خصوصا أن البيان الختامى قد نص على إمكانية الإسناد المباشر للدول التى تواجه أزمات أمنية. كما يعد إنشاء مركز تجمع الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب، أداة مناسبة لتبادل المعلومات والعمل التشاوري، بشأن التهديدات الإرهابية والصحراء، فضلا عن العمل على التطوير المرتقب لآلية منع النزاعات وإدارة تسويتها، وكذلك الامتناع عن تقديم الدعم للجماعات الانفصالية وحظر كافة أشكال التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وذلك من خلال الامتناع عن تشجيع النزعات الانفصالية التى قد تؤدى إلى تفاقم النزاعات المسلحة. أما على صعيد الجريمة المنظمة فقد انعقدت الإرادة السياسية لدول الساحل والصحراء فى مؤتمر شرم الشيخ على إنشاء آليات فعالة للتعاون والتنسيق من أجل مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود، والتى تشمل أمورا أخرى، مثل تهريب المخدرات والأسلحة والبشر وجرائم غسيل الأموال ومكافحة الاختطاف مقابل دفع الفدية، باعتبار أن الجرائم الجنائية هى المصادر الرئيسية لتمويل الحركات الإرهابية فى المنطقة. وأيضا تعزيز أمن الحدود بين الدول الأعضاء وتيسير دوريات مشتركة فى المناطق الحدودية بين الدول التى تشهد اضطرابات، بما يسهم فى التصدى بحزم لظاهرة العمليات الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود. ولعل من أهم النقاط التى تم الانتباه لها هى اعتماد إجراءات قوية وحاسمة لمكافحة الفساد، ومنع تغلل المنظمات الإجرامية والإرهابية داخل المؤسسات الأمنية. أوزان مطلوبة يبقى فى الحاصل الأخير أن تنفيذ الإرادة السياسية لدول الساحل والصحراء فى مواجهة التهديدات الأمنية مرهونة بالقدرة المستقلة نسبيا على تمويل تطوير جيوش دول التجمع، وتمويل مناسب لقوات التدخل السريع المرتقبة مع ضمان جاهزية سريعة للتدخل، وضرورة تسوية المشكلات الإقليمية الماثلة وخصوصا بين دولتين كبيرتين فى شمال إفريقيا هما المغرب والجزائر والمتعلق بالصحراء الغربية، وهو الصراع الذى ينعكس على مجمل الأوضاع الأمنية لدول الساحل والصحراء، حيث يكون من الضرورى أن تلعب مصر دورا فى استعادة أوزان مطلوبة بإلحاح فى فضاء الساحل والصحراء وهما لكل من المغرب والجزائر.