"القاهرة الإخبارية": تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل بالقرب من بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطيني    محمد سعد عبد الحفيظ: إجبار تل أبيب على الهدنة يتطلب تضافر جهود من الدول العربية    برلماني: موافقة حركة حماس على المقترح المصري انتصار لجهود القاهرة    "الصحة العالمية": العملية العسكرية في رفح ستُفاقم الكارثة الإنسانية    اللواء سيد الجابري: مصر الوحيدة اللي مكملة في حل القضية الفلسطينية.. فيديو    سقوط قتلى ومصابين إثر غارة إسرائيلية استهدفت حي تل السلطان غرب رفح    مدرب طائرة سيدات الزمالك: تمسكت بالمشاركة في بطولة أفريقيا.. والتتويج باللقب خير ختام للموسم    3 ظواهر جوية تضرب محافظات مصر.. الأرصاد تُحذر من طقس الثلاثاء    بعشق أحمد العوضي.. ياسمين عبد العزيز تدخل نوبة بكاء مع إسعاد يونس    ياسمين عبد العزيز عن تكهنات الأبراج: لا يعلم الغيب إلا الله| شاهد    ياسمين عبدالعزيز عن أزمتها الصحية الأخيرة: كنت متفقة مع العوضي إني أحمل بعد "اللي مالوش كبير"    تعرَّف على مواصفات سيارات نيسان تيرا 2024    أسعار ورسوم جدية التصالح في مخالفات البناء بمحافظة بالمنيا    بضمانة مصر، نص ورقة الوسطاء التي وافقت عليه حماس    الجيش الأمريكي يعلق على اعتقال جندي أمريكي في روسيا    "أداب عين شمس" تشارك في احتفالية عيد الشجرة المصري    عصام عبدالفتاح: كلاتنبرج فاشل مثل بيريرا..ولن أعود لرئاسة لجنة الحكام في مصر    كريستال بالاس يضرب مانشستر يونايتد برباعية نظيفة في الدوري الإنجليزي    ميدو: فخور بهذا اللاعب.. وعلى حسام حسن ضمه للمنتخب    إسلام أبوشنب حكمًا لمواجهة السكة الحديد مع بتروجت بدوري المحترفين    «ميركاتو عالمي».. سيف زاهر يكشف مفاجآت في صفقات الأهلي الصيفية    الزمالك: تعرضنا لظلم تحكيمي واضح أمام سموحة.. ونطالب بتحقيق العدالة    ريمونتادا مثيرة، ليون يفوز على ليل 4-3 في الدوري الفرنسي    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    "اعرفه امتى".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات المعايدة للأهل والأصدقاء والأقارب    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    كانوا رايحين الجامعة.. ارتفاع مصابي حادث صحراوي قنا ل 16 شخصاً    تفاصيل جديدة في حادث مطرب المهرجانات عصام صاصا    سعر السبيكة الذهب اليوم بعد ارتفاعها وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الثلاثاء 7 مايو 2024    حي شرق الإسكندرية يعلن بدء تلقى طلبات التصالح فى مخالفات البناء.. تعرف على الأوراق المطلوبة (صور)    الهدوء يسيطر على سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء الثلاثاء 7 مايو 2024    ياسمين عبدالعزيز: كنت برفض آخد مصروف من جوزي    «مش عارفة أعمل إيه في قلبي».. هل تعيش ياسمين قصة حب جديدة بعد العوضي؟    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 7-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ياسمين عبد العزيز: «كنت بصرف على أمي.. وأول عربية اشتريتها ب57 ألف جنيه»    استعدادات لعيد الأضحى 2024: أجمل التهاني والتبريكات لتبادل الفرح والبهجة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    هل يجب تغطية قَدَم المرأة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نساء عاجزات على الرصيف.. والشارع مأوى المسنين
الفقر عدو المرأة
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 03 - 2016

► فريدة النقاش : 40% فقراء و7% معدمين و30% من الأسر تعولها امرأة
► د.فوزية عبد الستار: لا بد من إصدار قانون أو قرار وزارى يلزم الرجل بإعالة أمه العجوز
► انتصار السبكى: الفقر هو ابرز صور " العنف" ضد المرأة
► د/ عاصم الدسوقى : " النهب الحر " للاقتصاد الحر
► د/ اسماعيل شاهين : النصوص الدينية تدعو للتكافل و التعاون بين الناس
► دور رعاية المسنين تحولت فى معظمها الى تجارة رائجة او سجن لنزلائها
► ام شهيد : رغم المعاش أعمل لأواجه تكاليف العلاج و السكن و ضغوط الحياة

من المسئول عن الفقراء والمساكين بعد أن بلغوا من العمر عتيا؟ من المسئول عن خروج امرأة في السبعين من عمرها.. هل هو الابن العاق؟ أو الزوج الجاحد؟ أم الزمان القاهر الغادر؟ ولماذا التجاهل العمد لهذا المشهد المؤسف المرعب الذي يعكس ما وصلنا اليه من قطع أواصر الرحم وروابط الإنسانية؟
هذه امرأة عجوز كانت يوماً »مكرمة« في بيتها معززة بين أهلها ، ضاقت بها الأحوال وحاصرتها الأهوال من كل حدب وصوب.. لم تجد المسكينة من معين سوي أهل الرحمة ممن يشترون منها أكياس المناديل أو بعض الأشياء البسيطة.. كثيرات مثلها يرفضن الاحسان عندما تمتد يدك اليهن بالمساعدة ، ويؤكدن أنهن يردن البيع والشراء، لا الصدقة والإحسان.
أين حمرة الخجل والعفو والإحسان؟ أين تقوي الله والأرحام ؟ وقد قرن الله عز وجل عبادته ببر الوالدين والإحسان اليهما في قوله تعالي: «وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً».. فكيف يلقي ابن بأمه، وزوج بزوجته، وأخ بأخته الي الشارع؟
هانت الأم علي ابنها الضال الذي تكبدت مشقة حمله، وهي تقدم حياتها فداءً له في لحظات المخاض العسر.. ثم كابدت وتحايلت علي المعاش والحياة وامتهنت حرفا تتنافي وآدميتها لأجل مساعدة الزوج ومتطلبات الحياة.. هل هذا هو الجزاء والعرفان ورد الجميل لمن قيل بحقها أن الجنة تحت قدميها؟.. كيف تقبل أن تجلس أمك العجوز المسن علي الطرقات وتحت أعمدة الإنارة تستجدي المارة ثمن علبة مناديل ورقية ؟ من ذا الذي لا تذرف عيناه الدمع ترسله مدراراً رثاءً ليس فقط لحال السيدات الجالسات علي الرصيف ولكن أيضاً لحال ذويهم الذين تجردوا من مشاعر الرحمة والانسانية.
من الواجب أن نبدأ بصرخات مكتومة لامرأة مكلومة في كفيل كان يجب عليه إعالتها من أهوال الدهر وتقلبات السماء. وأروي - والله خير شاهد علي تلك الروايات المؤسفة المخجلة - بعض الصور القاتمة ، وأترك لكم الحكم فلا أتصور أبداً ان هؤلاء المسنات يسألن الناس إلحافاً، لكنهن في عوز واحتياج حقيقي للعون والمساعدة.
كما أن دورا رعاية المسنين تحولت في معظمها الي تجارة رائجة أو سجن لنزلائها في أحيان أخري. ولم نسمع عن تدخل الجهات المعنية بقضايا المرأة والأمومة لانتشال هؤلاء من فقرهن باعتبار أنه شكل من اشكال العنف ضد المرأة.
البداية
الصورة الأولي: كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءً في احدي ليالي الشتاء القارس..وكانت السيدة العجوز تجمع بعض المواد القابلة للاشتعال حتي تحصل علي التدفئة. في البداية ظننت أنها تحاول أن تظل في الشارع لتبيع ما تبقي لديها من بعض الخضراوات، فسألتها : لماذا لا تكتفي بما رزقك الله اليوم وتذهبي لتنامي ثم تعودي غداَ؟ عندئذ سكتت قليلاً ثم أجابتني وقد أجهشت بالبكاء : ليس لي بيت آوي اليه بعد أن طردني ابني الوحيد ارضاءً لزوجته.
.. لا تعليق!
الصورة الأخري لسيدة عجوز تجاوزت السبعين وكانت تجلس عاجزة فوق كرسي متحرك في احد ميادين القاهرة وتبيع المناديل الورقية، حاولت أن أتحدث اليها فاذا بها امرأة واعية مدركة تعي ما يجري حولها رغم كبر سنها. وبدأت تروي سبب خروجها الي الشارع بعد أن توفي ابنها الكبير وترك لزوجته ثلاثة من الأولاد في مراحل عمرية مختلفة.
تقول السيدة المسنة (72عاماً): أنا أعي تماما تعاليم ديننا الحنيف الذي يدعونا الي العمل مهما يكن نوعه، لهذا أبيع المناديل الورقية بعد أن توفي ابني الكبير منذ سبعة أعوام وترك لزوجته ثلاثة أولاد في مراحل عمرية مختلفة. الحق أنه كان أحن أولادي وأقربهم الي قلبي لكنها ارادة الله عز وجل.
بينما تقول ص. أ: كنت قبل سنوات معززة في بيتي يكفلني ابني الوحيد قبل أن يموت شهيدا وهو يدافع عن وطنه.. أنا احصل علي معاش لكنني أعمل لأواجه تكاليف علاج وسكن وضغوط الحياة.
وتتساءل م.ع: أعيش علي الاحسان ومساعدات أصحاب القلوب الرحيمة.. فقيمة ايجار الغرفة التي أقطنها ستمائة جنيه وزوجي رحل ولم يترك لي شيئا يساعدني علي المعايش. لنا الله جميعاً.
تحت خط الفقر
تقول الكاتبة فريدة النقاش: يعد خروج المسنين الي الشارع رجالاً ونساءً دلالة علي انتشار الفقر وضيق الخيارات أمام النساء الفقيرات، فنحن نعرف أن ما يزيد علي 30% من الأسر المصرية تعولها نساء.. وكثيراً ما تظهر الأسر تحت خط الفقر. فحينما ترتفع الأسعار ويعم الغلاء وتغلق الأفاق فلا مفر من التسول ويصبح الشارع هو الملاذ الأخير لإعالة أسرهن أو أنفسهن. وتضيف : كثيرات منهن يطردن خارج المنزل لأن الزوج تزوج بأخري ولا يريد لها أن تبقي في البيت. وكثير من الأحيان لا تكون لديها أسرة، أو الأسرة لا تأويها ويصبح لا ملاذ لها إلا الشارع.. وعلينا ألا ننسي أن نسبة منهن يستسهلن البقاء في الشارع.
تضيف: هذه هي مظاهر الفقر الشديد وهناك احصائيات تقول إن نسبة الفقر 40% من السكان و7% من المعدمين وكل المشروعات التي تؤسسها الحكومة من تكافل وتضامن لا تستطيع أن تغطي البلاد كلها. وكل الأنظار تتجه الي الفقر في القاهرة التي يوجه اليها جزء كبير من ميزانية الدولة..ولكن اذهبوا الي الأقاليم البعيدة عن العاصمة وترقبوا حالة الناس. هناك حالة من اليأس المطلق الذي دفع بهم الي الشارع والي كل التداعيات التي يمثلها البقاء في الشارع، كالتسول وانتشار الأمراض والدعارة وغيرها من الظواهر السيئة.
وتقول : هناك حلول بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدي ، وعلي الدولة أن تعي أن ارتفاع الأسعار وموجات الغلاء وارتفاع أسعار الغاز والمياه والكهرباء تزيد من انتشار الفقر ، وبالتالي ينبغي علي الدولة في حلولها »متوسطة المدي«أن تعيد النظر في السياسات الاجتماعية والاقتصادية ، وتقرر استمرار معاش السادات والتضامن.
وتتساءل: لماذا أجلت الدولة ضريبة 22% من أرباح البورصة لمدة عامين، سيما ان هذه الضريبة موجودة في البلدان الرأسمالية لتمويل خزينة الدولة والانفاق علي الخدمات الاجتماعية.. فمثل هذه السياسات التي تتخذها الحكومة تجني علي الفقراء وتزيد من الضغط علي حاجاتهم المضطربة أيضاً.
وتقول: لابد من إنشاء دور رعاية محترمة للمسنين تحافظ علي كرامتهم وتدربهم علي القيام بأعمال بسيطة تتناسب مع أعمارهم. وكذلك إنشاء مؤسسة جادة لتسويق ما ينتجون.
رعاية كاملة
وتقول د. فوزية عبد الستار استاذ القانون الجنائي: لا بد للمواطن المصري اذا وصل الي سن معينة وهو غير قادر علي الانفاق علي نفسه يجب أن ترعاه الدولة رعاية كاملة لأنه بعد أن قدم عمره وحياته وجهده من أجل مصر، لا يجوز اطلاقاً أن تتنكر له الدولة عندما يعجز عن العمل.. ولا بد أن تكون مهمة وزارة التضامن الاجتماعي الرقابة علي انتشار هؤلاء رجالاً ونساءً في الطرق والشوارع. وأن تأخذ هؤلاء لدور رعاية مؤقتة يقضون بها وقتا معينا لحين فحص حالاتهم الاجتماعية.. ويعاقب القادر منهم بجريمة التسول، أما غير القادرين فيتم ايداعهم في دور رعاية قريبة من أسرهم، علي أن تنفق عليهم الدولة.
وتضيف: إن أبسط حقوق المواطن اذا داهمته الشيخوخة والأمراض أن يجد أمامه دار رعاية علي الأقل في محافظته ومسقط رأسه. ومهما يكن عدد هؤلاء المسنين في كل محافظة فهم لا يشكلون مشكلة كبيرة بالنسبة للدولة. ويمكن أن تكون تبرعات الناس في هذا المجال مصدراً كبيراً للانفاق. ويمكن أيضاً للدولة أن تعلن عن هذه الحالات وتذكر قصص كفاح كل منهم. وهو ما يفتح الباب للتبرع مرة أخري في هذه الأماكن.. وبذلك تجد الدولة مصدراً للانفاق وهذا يعد حماية للانسانية أولا ، وكرامة الانسان المصري ثانياً.
وتشرح: يمكننا تتبع حالة الانسان غير القادر لمعرفة الملزم بالانفاق عليه شرعاً وقانوناً. فمثلاً اذا كانت امرأة عجوز ولها ابناء عاقون خرجوا عن طاعة الله سبحانه وتعالي »وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا. اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا«. واذا كان المولي قد نهي عن التبرم بما يفعله الأب والأم فمن باب أولي يلتزم الابن برعاية الأب والأم، ليس بإبداء الرحمة فقط لكن يجب الانفاق عليهما . هذا بالاضافة الي أن قواعد الشريعة الاسلامية تلزم الابن بالانفاق في هذه الحالات. وعلي علماء الدين توضيح طرق الالتزام اذا أخل الابن بهذه الالتزامات. يجب أن تلزمه الدولة وتخصم من راتبه وتعطيهم أي الوالدين ما يكفيهم. كما ينبغي علي وزارة التضامن الاجتماعي أن تخصص ادارة لتلقي الحالات والبحث الاجتماعي . وعلاج هذه المسألة ليس بحاجة الي اصدار قانون ولكن يمكن حلها بقرار وزاري يلزم هؤلاء بالانفاق علي ذويهم.
عوز .. وتسول
وتقول انتصار السبكي الباحثة السياسية بالهيئة العامة للاستعلامات وعضو اللجنة التيسيرية العليا لمواجهة العنف ضد المرأة: إن خروج هذا العدد الكبير من المسنين الي الشارع موضوع ذو شقين.. الشق الأول: هو العوذ الحقيقي والفقر المدقع لبعض الناس واضطرارهم لبيع المناديل والأشياء البسيطة حفاظاً لكرامتهم ولتأمين احتياجاتهم الضرورية.
الشق الثاني التسول كمهنة ولها من يديرونها ممن استخدموا الأطفال في التسول وابتزاز مشاعر المصريين والآن يستعينون بمسنين حتي يمكنهم التأثير علي مشاعر المصريين خصوصاً عندما تكون امرأة كبيرة في السن. يضطر المصريون لتقديم المساعدة من خلال اللعب علي هذا الوتر من الذين يديرون مسألة التسول كحرفة ويدرسون احتياجاتهم ومؤثرات الأشخاص الذين يتم ابتزاز الناس بهم . تم سحب الأطفال الذين كانوا يستذكرون دروسهم في الشارع وبدأ الزج بنساء مسنات.
بلطجة إنسانية
وتضيف : صانع التسول يجيد ما يسمي البلطجة الانسانية وابتزاز مشاعر الناس بطرح الأطفال وكبار السن. وقد يصدر البعض هذا المشهد للناس حتي ينقموا علي الحكومة فيقدموا لهم المساعدة نكاية في الحكومة.
وتضيف: ينبغي علي وزارة التضامن كفالة هؤلاء بمعاشات تحفظ عليهم كرامتهم. وبحسب معلوماتي هناك 350 مليون جنيه سنويا مخصصة كمعاش لهذه الفئات بواقع 500جنيه شهرياً. وأنا أعلم ايضاً أن موضوع المرأة المعيلة والسيدات كبار السن علي قائمة اولويات المجلس القومي للمرأة فمن خلال كوني عضو اللجنة التيسيرية لمواجهة العنف ضد المرأة هناك إستراتيجية لمواجهة العنف ضد المرأة.
هذه الاستراتيجية موقعة من الأمم المتحدة ويشارك فيها عدد من الوزارات والمجالس المتخصصة كالهيئة العامة للاستعلامات والمجلس القومي للمرأة والأزهر والأوقاف والكنيسة ووزارات الثقاقة والتعليم والبحث العلمي ومجلس الوزراء.
ونحن نعتبر أن الفقر هو أكبر عنف ضد المرأة ، فالعجز عنف ، واعالة أسر بفقد الزوج عنف، وهو عنف الحياة ضد المرأة وضد الأسر التي تواجه قسوة الحياة بفقد الزوج.
وتتطور هذه الاستراتيجية لتواجه العنف ضد الأسرة المصرية بشكل عام والمرأة والفتاة بشكل خاص.
ولا بد من مشاركة المجتمع مع الحكومة والأحزاب والبرلمان والمشاركة المجتمعية الرسمية وغير الرسمية. وينبغي أن نعرف أن اللجنة التنفيذية العليا لها فروع في المحافظات وتناقش مشكلات المرأة الموجودة بالفعل علي الأرض وستطبق الآلية والتشريع المقدم اليها من اللجنة العليا. وتدرس الحالات الانسانية الموجودة علي أرض الواقع.
نصوص الدستور
وتتساءل د. محبات أبو عميرة استاذ المناهج والعلوم التربوية بكلية البنات جامعة عين شمس: أين دور الحكومة في مواجهة الظاهرة ؟ وقد نص الدستور علي الاهتمام بالمرأة المعيلة خصوصا أن 30% من سيدات مصر معيلات. أين دور المجلس القومي للمرأة؟ هذا المجلس الموجود علي مستوي الدراسات والأوراق فقط لكن لا وجود لمشروع حقيقي ينتشل الناس من فقرهم. ولهذا لا بد من تضافر جهود الحكومة ووزارة التضامن الاجتماعي والصندوق الاجتماعي الإنمائي لأن الحلول كلها نظرية ودراسات علي الورق.
ذل الحاجة
تشرح : كل دول العالم المتقدم تكرم كبار السن وتحميهم من ذل الحاجة والسؤال فتقدم حسب حالتهم الاجتماعية السكن والمعاش والرعاية الصحية وغيرها. لهذا لا بد من اقامة المزيد من جمعيات رعاية المسنين ليقيموا فيها اقامة كاملة بلا تكاليف. كما يمكن أن نوفر لهم أعمالا منتجة ولا مانع من توفير معاش يحفظ كرامتهم.
وتضيف : لا بد من قانون يلزم الزوج أو الابن بالانفاق علي أمه.. وعلي مجلس النواب أن يسن تشريعات تحمي هذه المرأة العجوز الذي تخلي عنها من يجب عليه الانفاق.
ظاهرة موجعة
وتقول د. سهير عبد المنعم بمركز البحوث الجنائية: تعد مسألة انتشار السيدات كبار السن علي الرصيف ظاهرة موجعة. دفعت الحاجة وضغوط الأسرة أو عقوق الابناء أو الظروف الاقتصادية المتردية المرأة المسنة الي الخروج الي الشارع وبيع المناديل والأشياء الصغيرة.
والحل الوحيد والأكيد ، من وجهة نظري، لا بد من آلية لانتشالهن تقوم بها وزارة التضامن الاجتماعي وآلية أخري لتوفير المعاشات لهؤلاء.
وبحسب معلوماتي هناك مؤسسة كبيرة في حلوان يمكن لكبار السن أن يلجأوا إليها لكن يبدو أنه لا توجد معلومات متوافرة لدي هؤلاء المسنين والمسنات. هذه المؤسسة نسمع عنها منذ أواخر التسعينيات لكنها لم تكن جاذبة وفقاً لما نمي الي علمنا من معلومات وكانت كالسجن لهم. وحتي الآن لا نعرف لماذا لا توجد آلية لانتشال هؤلاء من الشارع؟.
خلل تربوي
وتقول د. ماري بشري - ناشطة نسائية: من واقع عملي طبيبة أمراض نفسية أري أن هناك خللاً تربوياً للذكور علي مدي العقود الأخيرة نتج عنه تخلي الرجل عن الكفالة المادية لمن يعول ، وبالتالي تضطر المرأة الي القيام بأعمال غير آدمية حتي تعول أولادها. وعندما تتقدم بها السن ليس أمامها الا قبول المعاملة السيئة من ابنها وزوجته، فتهرب الي الشارع الذي تجد فيه الرحمة والعطف.
وتضيف: أسست مبادرة »عينوني وساعدوني«في محاولة مني لمساعدة المرأة المعيلة في اطار من السرية والكتمان حتي لا نجرح مشاعرهن.. للأسف لم تلق المبادرة نجاحاً كبيراً، لكنني ألقي محاضرات لهذه الفئة من النساء حتي أحدث حالة من الوعي لدي قطاع كبير منهن. وأتمني أن يكون هناك قانون يلاحق الزوج الهارب من المسئولية خصوصاً اذا أصبحت هذه المرأة كبيرة السن وتم طردها الي الشارع.
وتتساءل لماذا لا توجد قوانين تجبر الرجل للتنازل عن نصف ثروته اذا قرر التخلي عن مسئوليته تجاه زوجته خصوصا اذا كانت طاعنة في السن.
تنتهي: للأسف ان معظم الحالات التي تتردد علي عيادتي النفسية أغلبها سيدات منهن من يعملن في مواقع متميزة تخلي الأزواج عن الانفاق والبعض منهن اضطرت الي الاقتراض من البنوك وهي الآن لا تستطيع السداد ومصيرها حتما السجن. أما هؤلاء الذين خرجوا الي الشارع فقد كان هذا ملاذهم من الجوع. واقسم أنني أعرف أسرا كثيرة تفضل الموت من الجوع ولا تخرج لتلقي الاحسان.
حياة أفضل
ويقول علي عبد الخالق باحث وروائي: ان رفض المرأة المسنة للصدقة والاحسان واتجاهها الي بيع الخضروات والمناديل والأشياء البسيطة رعم العجز وكبر السن انما يعكس عمق الشخصية المصرية المعتزة بنفسها وكرامتها وعفتها. وهذا الأمر ليس بالشيء الجديد، فمن عاصر منا خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في المنشية عندما قال جئت لأعلمكم العزة والكرامة وهو الأمر الذي أثار غضب المصريين ورفض عباس العقاد هذا التعبير الخطأ من الرئيس عبد الناصر. في ذلك الوقت أكد العقاد أن المصريين »ليسوا بحاجة الي من يعلمهم العزة والكرامة«، لكن الشخصية المصرية بدأت في التفريط عندما فرطت في الأرض المرتبطة لديها بالعرض. ودفعتها ضغوط الحياة الي التغريب وتقبلته علي مضض. فالمصري يري أنه بستحق أن يحيا حياة أفضل من هذه التي يحياها بضغوط الحياة والحاجة ، وخروج سيدات كان لا بد وحتماً أن يعشن مكرمات في بيوتهن. ولدينا أمثلة كثيرة علي بذل وعطاء المرأة المصرية التي ترفض الزواج بعد فقد عائل الأسرة وتضحي بنفسها من أجل أولادها. قد يصح نشؤها ويرعاها أبناؤها عند الكبر، وقد تظل الأم في الشارع تكابد التحايل علي المعايش والحياة.
وينهي كلامه: انني وان كنت أتحدث عن الفقر فلا بد لي أن أذكر هذا الموقف التاريخي الذي تعرض له الرئيس عبد الناصر عندما كان في طريقه الي السد العالي، فاذا بمواطن صعيدي يلقي بمنديل به بصلة الي عربة القطار التي كان بها الرئيس. ضحك المرافقون للرئيس من هذا الموقف ولم يفهموه، لكن الرئيس قال »الرسالة وصلت ،هذا الفلاح يريد أن يخبرني أن طعامه المش والبصل وهو يستحق حياة أفضل من تلك«، في هذه الفترة أيضاً وعي عبد الناصر أن تكلفة ايجار الحمار كانت 12قرشاً، بينما عامل التراحيل لا يتعدي الثمانية قروش ، وبعد ذلك جاءت قرارات أنقذت الفقراء من فقرهم ولم تتركهم للعوذ والحاجة.
مقاومة الحفاء
ويري د. عاصم الدسوقي استاذ التاريخ بجامعة حلوان: أن شعور الانسان بالحاجة يدفعه لبيع الأشياء البسيطة كي يحصل علي ايراد يقيم به حياته احتراماً لكرامته بدلاً من التسول ، وظاهرة التسول الاجتماعي متكررة والعامل الرئيس فيها هو انعدام المورد الثابت. هذا الجزء يعود الي السياسات العامة ونستطيع ان نميز بين 3فترات في تاريخ مصر ما قبل 1961في ظل نظام رأسمالي ومن هنا كانت ظاهرة الفقر واضحة وتبدو جلياً في رسوم التعليم المرتفعة للقادرين فقط ومن لا تتوافر لديه الأموال اللازمة يذهب بالطبع الي الحرفة أو يلتحق بالدراسة في الأزهر الشريف لأنه بلا رسوم بل كان الطالب يتسلم ما يعرف بالجراية أو الوجبة. وفي ظل النظام الرأسمالي انتشرت ظاهرة التسول والسرقة وكانت الحكومات المتعاقبة وقتها تتحدث عن «برنامج مقاومة الحفاء» واتخذت الحكومة من مقاومة الحفاء شعاراً لها.
وفي عام 1961 أخذت الدولة خطوات جادة للقضاء علي الفقر والجهل والمرض. واتخذت مجموعة من القرارات الاشتراكية ، والدور الاقتصادي بدا واضحاً فكانت مجانية التعليم والتوظيف وتراجعت ظاهرة التسول والخروج لبيع اي شيء في الشارع. بل كان الحصول علي خادمة في البيوت ليس بالأمر السهل. ثم بدأت الدولة تتخلي عن دورها بعد ما يسمي التحول الاقتصادي وتراجع دور الدولة فترات طويلة.
يضيف: جاءت ثورة يناير تطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ما يؤكد افتقاد الناس اليها. فمنذ منتصف السبعينيات والدولة عليها رقابة من الخارج حتي لا تقوم بدورها الاقتصادي الاجتماعي وانفرد رأس المال بأفراد الشعب. وعمت ثقافة «اللي معهوش ما يلزموش»و«علي قد لحافك مد رجليك«، »واصبر ربك يفرجها«و«ربنا قسم الأرزاق«.
ويشرح: عندما كان الرئيس السيسي وزيراً للدفاع كان لديه احساس بالفقر ، فهو الذي دفع اموال الغارمات من ميزانية القوات المسلحة.. واليوم فإن الله في عونه ، فهو في دائرة تم فرضها علينا من الانفتاح الاقتصادي.. وللأسف لا تأخذ الدولة بنظام الاقتصاد الحر كالمعمول به في العالم الغربي ، بحيث يحكم رأس المال مع وجود تماسك اجتماعي. بمعني أن هناك حكما لرأس المال وهناك حقا للعاملين في تكوين النقابات . وتكون الصيغة المتفق عليها أن النقابة تدافع عن حقوق العاملين ومطالبهم. وعندما تفشل المفاوضات بين الشركة والنقابة تبدأ الاضرابات ما يضطر صاحب العمل للاستجابة لمطالب العمال حرصاً علي مصلحة العمل لأن العمل هو الذي يعطي قيمة لرأس المال...
ويختتم: لكن الوضع في مصر يختلف تماماً، فمصطلح الاقتصاد الحر لا بد أن يصبح اسمه النهب الحر. وعلي الدولة أن تتدخل لانقاذ الفقراء من فقرهم وتوفير فرص عمل وتقديم اعانات لغير القادرين فمشهد استجداء الفقراء المسنين للمواطنين هو بكل تأكيد ظاهرة غير انسانية.
للدين رأي
يقول د. اسماعيل شاهين الأمين العام المساعد لرابطة الجامعات الاسلامية: الاسلام دين عزة وكرامة ونهي عن التسول وأمر بالعمل واعتبره نوعا من العبادة وشبه الذي يتسول وهو قادر علي العمل يأتي يوم القيامة وليس في وجهه نزعة لحم. هؤلاء الناس يلتحفون الشارع كوسيلة من وسائل التسول وتغطية نشاطها. وهو في الحقيقة تسول في صورة بيع. الاسلام أيضاً ألزم ولي الأمر باعالة ذويه من المطلقات والأرامل اللاتي ليس لديهن قدرة علي العمل وظروفهن الاجتماعية سيئة. والشريعة الاسلامية تدعو الي تكافل المسلمين الغني يعطي الفقير ويحفظ عليه كرامته وعفته ولذلك أوصي الرسول بالصدقة وقال صلي الله عليه وسلم: المؤمن تحت ظل صدقته. اتقوا النار ولو بشق تمرة. فهذه النصوص كلها تدعو الي التكافل والتعاون بين المسلمين. ونري هذا في قول المولي عز وجل:«خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم».. وعلي ذلك يجب أن يتكافل المسلمون ويتعاونوا غنيهم يعطف علي فقيرهم بالمال والمساعدة والمعاونة. وينبغي علي ولي الأمر أن يوفر للفقراء أو غير القادرين علي العمل ولهم ظروف اجتماعية رجالاً ونساءً ما يكفيهم مأكلاً وملبساً وعيشة كريمة. ينبغي أيضاً علي كل قادر علي العمل أن يعمل ولو أقل الأعمال لأن الشريعة الاسلامية جعلت العمل شرفا سواء كان صغيراً أو كبيراً. والذين يتسولون ويلتحفون الشارع ويتحايلون لأخذ الأموال تسولاً دون جهد ومشقة وهم قادرون علي العمل يعطون صورة سيئة عن الاسلام والمسلمين..ومن ثم فهم شوكة وعقبة في سبيل تقدم المجتمع وعقبة أمام التنمية الاقتصادية. حارت أجهزة الاعلام والاقتصاد في انتشال المجتمع من هذه الكبوة الاقتصادية. ولن تكون هناك تنمية ولا تقدم اقتصادي إلا اذا اتجه كل من هو قادر علي العمل الي الجد والاجتهاد والعمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.