أعطت دول شمال افريقيا فى الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بفكرة استخدام الثقافة من أجل محاربة ظاهرة الإرهاب ، فمنها من قرر مراجعة مناهج التربية الدينية من أجل إظهار الدين الإسلامى على حقيقته و أنه بعيد كل البعد عن هذه الظاهرة ، حيث إنه يدعو الى عدم إراقة الدماء ، و منها من كثف من عقد الندوات الثقافية لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الذى تغذيه الأفكار الظلامية و البعد عن الدين . و فى الرباط ، نجد أن المغرب هى من أوائل دول شمال افريقيا التى لم تكتف بمحاربة الإرهاب، ليس من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية فقط، بل تعدت ذلك إلى استخدام الثقافة لتعريف الشباب بمخاطر هذه الظاهرة البغيضة على دوله، ووصلت الى أن أصدر ملك المغرب محمد السادس مؤخرا تعليمات مكثفة الغرض منها مراجعة مناهج و برامج تدريس التربية الدينية فى مختلف مستويات التعليم من أجل تكريس التسامح و الاعتدال . وقد حتم موقع المغرب الجغرافى عليه التفاعل مع التطورات التى تعرفها المنطقة ، خاصة أن الرباط شاركت منذ وقت مبكر فى مكافحة ظاهرة الارهاب التى ضربت عددا من الدول العربية و الأجنبية ، وفق مقاربة لاتقف عند البعد الأمنى المحض، بل تعتمد آليات متنوعة منها المقاربة التعليمية التى تعتبر المناهج و البرامج مدخلها الأساسي. ولم يكن انخراط المغرب فى مجال مكافحة الإرهاب شيئا جديدا حيث أسهم فى إنشاء منظومة أمنية قوية حصنته من التهديدات التى يمثلها تنظيم القاعدة فى المغرب العربى بالإضافة إلى المجموعات المتشددة التى تنتشر على الحدود فى دول المغرب العربى و افريقيا ، وحققت سياسات المغرب فى مكافحة هذه الظاهرة نتائج ملموسة، فتمكن من إحباط العديد من المحاولات الإرهابية التى استهدفت مواقع فى الداخل. وبعد أسبوعين من تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 ، أصدرت الحكومة المغربية قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب تضمن هذا القانون تغليظ العقوبات لمن يشارك فى أى عمليات ارهابية . أما الجزائر ، فنجد أنها بسبب ماعانته من الجماعات المتشددة من أعمال عنف و نجاحها فى إحباط هذه الجماعات، أصبحت كما تصنفها بعض التقارير الاوروبية أنجح الدول فى مكافحة الإرهاب آفة العصر الجديث، و قد قال الباحثون الذين أعدوا هذه التقارير إنهم استندوا الى الوضع الأمنى المستقر الذى أصبح سائدا فى الجزائر و إلى أساليب أجهزتها الأمنية فى محاربة الإرهاب و تهريب الأسلحة و المخدرات و الجريمة العابرة للحدود . وأضافت التقارير نفسها أن من بين ثمار السياسة الأمنية الحازمة التى اعتمدتها الجزائر على مدار السنوات الأخيرة أن تراجع نشاط الجماعات الإرهابية بشكل كبير بعد التضييق عليها من خلال توجيه ضربات قوية متتالية فى معاقلها أضعفتها و فككتها بشكل أدى الى شلل نشاط هذه الجماعات فى الشمال. كما نجحت قوات الأمن فى منع تسلل الجماعات الإرهابية الناشطة فى الصحراء .و ظلت الجزائر حتى الآن تولى اهتماما متزايدا بأى محاولة أو تجمع لمحاربة هذه الظاهرة، و حاولت مرارا أن تظل مستقرة و بعيدة عن الإرهاب . وتعانى موريتانيا كغيرها من دول المنطقة من تزايد و انتشار ظاهرة الإرهاب، ويرى الجانب الموريتانى أن تحديث الترسانة القانونية و التنسيق الأمنى كفيلان بالقضاء على هذه الظاهرة و بالأخص بعد انتشار السلاح الليبى فى شمال مالى المتاخم للبلدان العربية الثلاث موريتانيا و الجزائر و ليبيا. وركزت موريتانيا مؤخرا على دراسة عدة مشروعات قوانين من بينها مشروع قانون لتعديل أحكام القانون المتعلق بمحاربة الإرهاب من خلال محاربة غسل الاموال و تمويل الإرهاب . وللتصدى للغلو والتطرف والإلحاد ،أقر مجلس الوزراء الموريتانى مرسوما مؤخرا يعيد العمل بمادة التربية الإسلامية فى امتحانات الثانوية العامة فى موريتانيا ويرفع درجات المادة ويزيد من ساعات تدريسها فى مراحل التعليم. وقرر المجلس رفع درجات مادة التربية الإسلامية وباعتمادها فى جميع الشعب العلمية فى شهادة البكالوريا «الثانوية العامة» بهدف تعزيز مكانة التربية الإسلامية.ويأتى مشروع المرسوم استكمالا للإجراءات الرامية إلى استعادة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها.