رغم أن سفرك يكون «اختياريا»، ورغم تركك لهم ما يعينهم علي أداء احتياجاتهم.. ويزيد، ورغم أنك بإذن الله عائد إليهم سريعا، وربما محملا بالهدايا، غير أن القلق علي أطفالك الصغار إذا ما ابتعدت عنهم أياما أو شهورا في مهمة عمل لا يكاد يفارقك. كما أن اشتياقهم واحتياجهم إليك أبدا لا ينتهي. نعم، فكم مرة في اليوم تتصل عليهم.. وكم مرة هم يرغبون في سماع صوتك ولو للمزاح معك. في المقابل هناك أطفال حرموا من نداء الأب، وآخرون تمنوا لو تدرك أعينهم ملامح آبائهم ..الذين غابوا عنهم للأبد. إنهم «اليتامي» الذين ابتلاهم الله بفقد عوائلهم.. فما واجبنا تجاه هؤلاء، في ظل الاستعداد للاحتفال بيوم اليتيم والذي يوافق الجمعة الأولى من شهر إبريل؟ وهل تقتصر رعية اليتيم والاحتفاء به على هذا اليوم؟ وكيف اعتني الإسلام بهم؟ علماء الدين يؤكدون أن الإحسان إلى اليتيم خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها، ولأن اليتيم ليس له حظ فى الحياة فأمر الإسلام باكرامه والإحسان إليه لأنه من أحق الناس بالرعاية والعناية، ونجد هناك ما نسمعه من قصص عجيبة فى مجتمعاتنا من ظلم اليتيم وأكل ماله وإهدار حقوقه، وقد حذرت الشريعة الإسلامية من أكل مال اليتيم وجعلت ذلك من السبع الموبقات. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: حض الشرع على كفالة اليتيم ورعايته والاهتمام بأمره, إذ روي عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة», وأشار بالسبابة والوسطى «, كما حض على الإحسان إليه ومعاملته بالمعروف, فقال الله تعالى: « وبالوالدين إحسانا وبذى القربي واليتامى .. «, وقال جل شأنه: « فأما اليتيم فلا تقهر «, وروي عن أبي هريرة ( أن النبي ( قال: « خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه, وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه «, وقد اعتبر رسول الله ( أن الإحسان إلى اليتيم ورحمته والرفق به, سبب إلى رقة القلب وزوال غلظته وقسوته وقضاء حاجة صاحبه, ودخوله الجنة, فقد روي عن أبي الدرداء قال: « أتى النبي ( رجل يشكو قسوة قلبه, فقال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟, ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك «, وروي عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: « والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم, ولان له في الكلام, ورحم يتمه وضعفه كما حض الشرع على حفظ مال اليتيم وتنميته له وحسن النظر فيه, ومراعاة ما فيه صلاح له, وعدم الاعتداء عليه, إذ قال الله تعالى: « ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده « فأنزل الله عز وجل: « ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم «, فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم «, ويدل لحرمة الأكل من مال اليتيم أو إتلافه عليه أو إفساده أو أخذه بغير حق, ما روي عن أبي هريرة أن النبي ( قال: « اجتنبوا السبع الموبقات, قالوا: يا رسول الله وما هن ؟, قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات والتولى يوم الزحف «. حق اليتيم من جانبه أوضح الدكتور رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن الطفل اليتيم فقد أعظم ما يسنده فى حياته كلها فقد أبويه فى مرحلة عمرية هو فى أشد الاحتياج إلى من يرعاه ويحنو عليه وينمى جسده ويشكل أخلاقة ويعده لمستقبله وكيف يواجه حياته ومن هنا تبرز الحاجة الشديدة لتكوين ورعاية إنسان فى أمس الحاجة إلى من يرعاه ويحنو عليه لهذا وجدنا نصوص الشريعة تطالبنا برعاية اليتيم والحفاظ علي حقوقه ماديا وأدبيا إذا كان له مال ورثه من أبيه أو أمه، لم تكن النصوص الموصية باليتامى خاصة بشريعة الإسلام بل تبين أن الإحسان إليهم كان مطلوبا فى الديانات الأخرى، وطلب الله عز وجل أن نعمل على إصلاح أحوالهم فقال عز وجل «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير»، ومن هنا كان واجب الدولة بكل مؤسساتها المختلفة أن ترعى اليتامى وأن توفر لهم المأوى ليعيشوا حياة كريمة لا تقل عن نظرائهم، كما يجب أن توفر لهم الرعاية الصحية والتعليم وتشجيع المتفوقين حتى مرحلة التخرج من الجامعة وأن تسن تشريعا يعاقب من يتعدى على أى أمر من أمورهم، وكثيرا ما يبرز بينهم المتفوقون علميا واقتصاديا وأخلاقيا وكأن الله عز وجل أراد أن يعوضهم عن ما أنزل بهم من فقد آبائهم فى سن هم أحوج ما يكون إلى رعاية، كما يجب الالتفات أيضا إلى شريحة كبرى توجد منهم فى الشوارع وهم من يطلق عليهم أطفال الشوارع هؤلاء يجب العناية بهم فورا لأنهم يعتبرون قنبلة موقوتة لأن إهمالهم يؤدى إلى جيل متعرض للانحراف أخلاقيا ولابد أن نجعل لهم مأوى والعناية بهم تعليميا وأخلاقيا لإنقاذ المجتمع من عواقب هذا الانحراف، ولا نركز على تعليمهم حرفة فقط بل يجب إتاحة الفرصة لتعليمهم بكل مراحل التعليم فقد نجد فيهم من هو متفوق علميا ينفع نفسه وبلده لأن إهمالهم هو جريمة لا يجوز أن نقع فيها، كما يجب سن قوانين صارمة شديدة تعاقب من يتعدى بأى نوع من الأذى عليهم وخاصة ما نراه ونسمع عنه في دور الرعاية للأيتام من تعد وسوء معاملة وإهمال. اغنوهم عن ذل الحاجة وفي سياق متصل يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، أن الإحسان لليتامي هو أولي درجات الشكر لله عز وجل أن جعل الله أبناءك يتربون في كنفك، وحماهم من قسوة المجتمع وذل الحاجة والعوز، لكننا لابد أن نؤمن بأن وجود فئة ضعيفة أو محتاجة في المجتمع ومنهم اليتامي هو قدر الله عز وجل كي يتحقق التكافل والعون الذي طالما دعا إليه الإسلام، فالإسلام دين تكافل وحب وتواد وإيثار، ولا يشقي في المجتمع المسلم إنسان إذا ما طبقنا وراعينا حقوق الله فيمن حولنا. ورعاية اليتامى واجب علي المجتمع المسلم كله أفرادا وجماعات ومؤسسات، كل حسب طاقته وحاله، فهناك من يكفل بالمال، ومن يكفل بالسؤال، ومن يكفل بالسكن والملبس والتعليم، وهناك من يكفل بالتربية والتوجيه، وهناك من يكفل أيضا بتزويج اليتيم أو اليتيمة، لاسيما إذا كان ضيق الحال، لأن ظروفه لا تغيب عمن حوله. الكفالة ليست مادية فقط وعن الكفالة المطلوبة لليتيم يقول الدكتور ناصر وهدان، أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس، يخطئ من يظن أن كفالة اليتم تنحصر في الجانب المادي فقط، فما يحتاجه اليتيم شأنه شأن أي طفل هو الرعاية والاهتمام والتربية والمتابعة والتقويم والنصح والإرشاد، وتعهده أثناء الدراسة، وغير ذلك..فيجب أن ينظر كل منا إلي اليتيم نظرته إلي ولده ويشمله بالحنو والعطف وإشعار اليتيم بأنه لم يفقد أباه، وأن كل من حوله من الآباء هو له أب. غير أن ذلك لا يمنع بالطبع القائم علي أمر اليتيم من التوجيه والشدة أحيانا من باب التقويم، والتربية السليمة، لأن ذلك بالفعل مما يحدث من الأب لابنه، فلا ينبغي أن يكون مستهجنا إذا قام به ولي اليتيم مع اليتيم، مادام ذلك لعلة معتبرة، وهي التقويم. نصائح لأم اليتيم ويلفت وهدان إلي أنه لا ينبغي عند الحديث عن اليتيم تجاهل أو إغفال (أم اليتيم)، تلكم السيدة التي عكفت علي صغارها بعد وفاة عائلهم، مع حاجتها للزواج وضحت بشبابها، وكانت لأولادها الأب والأم في آن، وتحملت المشاق حتي تري صغيرها شابا يافعا لا يقل شأنا عن أقرانه الذين يعيشون بين آبائهم، من أجل ذلك أعلي الإسلام من منزلة تلك السيدة، إلي أن جعلها تسابق النبي صلي الله عليه وسلم في دخول الجنة، فقال صلي الله عليه وسلم:» أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى (أى تسابقنى) تريد أن تدخل معى الباب فأقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي». فهنيئا لكل أم كفلت صغارها بعد وفاة أبيهم وهنيئا لكل من أعانها وساهم في هذا الخير الكبير حتي لا يشعر اليتيم بالفقد واليتم. وبالعموم فقد أولي الإسلام المرأة واليتيم بعناية خاصة، ووصفهما بالضعيفين وشدد علي الحفاظ عليهما وعدم ضياع حقوقهما، فقال النبي صلي الله عليه وسلم :اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة». والمقصود بالإحراج هنا أي التضييق علي الناس في تضييع حق هذين الضعيفين كما وصفهما النبي صلي الله عليه وسلم. وحذر د.وهدان من يتقربون لليتامي من الخلط بين الإحسان لليتيم والطمع في أم اليتيم أو في اليتيمة ذاتها، فذلك مما ينبغي الحذر من الوقوع فيه. كما طالب أم اليتامي بعدم التهاون في التعامل مع الرجال باسم حاجة اليتيم، والتنبه دائما لئلا يستغل بعض ضعاف النفوس ضعفها وحاجتها، ودفعها إلي أمور لا تقبلها ولا يؤيدها الشرع، كمن يتقرب إلي اليتامي طمعا في أموالهم، أو إرغام يتيمة علي زيجة غير متكافئة أو طمعا في الأم، أو نحو ذلك. وينبغي أن يضع كل قادر علي الإحسان لليتامي نصب عينيه دائما الأجر العظيم الذي ينتظره في الدنيا والآخرة، وكفي هؤلاء شرفا ما بشر به النبي صلي الله عليه وسلم من رفقته في الجنة، فقال صلي الله عليه وسلم: «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى». ويختتم د. وهدان قائلا: ليت المجتمع المسلم يدرك مسئوليته تجاه من غيب الموت أباه، بأن يُشعِره من حوله من الرجال بالحنو والأمان، وأن يرفع الجميع شعار طمأنة لليتيم: «لا تقلق ..فكلنا لك أب»!.