شاهد.. هتافات حماسية من الجماهير خلال مباراة بيراميدز وسيراميكا كليوباترا    تشكيل باريس سان جيرمان لمواجهة نيس في الدوري الفرنسي    الحكومة تكشف تفاصيل جديدة عن وصول 14 مليار دولار من أموال صفقة رأس الحكمة    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    أبومازن: اجتياح قوات الاحتلال رفح الفلسطينية كارثة يدفع ثمنها الأبرياء    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد بيت شباب 15 مايو لاستقبال طلاب ثانوية غزة    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    إسرائيل تتحدى العالم بحرب مأساوية في رفح الفلسطينية    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المبهجون
الفتى الأسمر و حكايته
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 03 - 2016

( عايز أتكلم, ممكن نتقابل ؟), تمشيت من مكتبي إلي فندق هيلتون رمسيس حيث يقيم في غرفة تطل علي النيل, رحت أتأمل القاهرة في نهاية يوم عادي من أيام سبتمبر2003, نسمة هواء استثنائية في صيف هاجمت حرارته الجميع, لكن حرارة أسئلة الناس وانتظارهم كانت أكثر, حيرة ودهشة ونصف إجابات مبهمة كلها عن مستقبل.
الأن في بهو الفندق آتأكد من رقم غرفته, صورة راقصة و ممثلة تملأ مساحة لا بأس بها من الممر إلي مصاعد الفندق, تذكرت أن ثمة خناقة ما حدثت بينه وبين هذه الراقصة نشرت عنها الصحف, ربما محاولة منها لكي تنشر الجرائد اسمها المجهول مكتوبا بجوارها اسمه المشهور ؟
لم أكن ألتقيه به كثيرا هنا, لا أفضل الفنادق وغرفها للقاء أصدقاء, المقاهي حتي وإن احتلت أرصفة شارع هي الأكثر اتساعا لجلسات نتكلم فيها بأعلي حس, نناقش ونختلف ونضحك ونتأمل الناس, هذه المرة.. فتح باب غرفته قبل أن أطرق طرقات خفيفة لأستأذن في الدخول: تشرب قهوة ؟, ووجدت القهوة في انتظاري, أعدها بنفسه.. مد لي يده بشرائط كاسيت, وقبل أن أسأله ؟ أجاب بمزاج بدا حادا:( نسجل عليها الكلام اللي هنقوله, شرائط كانت في صندوق تحت سريري, مسجل عليها( شوية أغاني), تنفع ؟ تنفع.( سأل وأجاب)..
أحضر كاسيت صغيرا, وضع شريطا, سمع ماعليه, كانت أغنيات حزينة لماجدة الرومي, مصادفة أن تكون الأغنية الأولي:( ساعات أقوم الصبح قلبي حزين...),.. وبدأنا كلاما كثيرا, أحمد زكي المبهج رغم حزنه يتكلم وينفعل ويقوم ويصمت ويبكي..
2
يمكنك أن تعرف أو تتعرف علي أحمد زكي إما من خلال أعماله التي قدمها, بكل الشخصيات التي منحها جزءا منه, ومنحته جزءا منها علي شريط السينما أو التليفزيون, أو من خلال كل امرأة سجلت حضورا في حياته, الأم التي هربت من مسئولية أن تعتني بطفل يتيم ومع ذلك ظل مدينا لقلبها.. حتي آخر إمرأة حاول أن يحبها قبل دخوله إلي متاهات المرض الأخيرة, بينهما نساء كثيرات, وضعن بصمة أو حبا أو كلمة أو حلما أو درسا أو حرج في قلب الفتي الأسمر.
يمكنني أن أقول إن أحمد زكي منح قلبه أو فتح قلبه لكل دور وكل شخصية قام بها.. كما فعل أيضا مع كل امرأة قابلها في حياته, الفتي الأسمر له مشاعر متوهجة تحب بدون سابق إنذار, هو رأي أن الحب ليس نزوة يدخلها لكي يشبع بها رغبة, إنما(.. الحب مشروع قصة قصيرة مثل تلك التي برع فيها الدكتور يوسف إدريس, في الحب أنت لا تعرف من أين تبدأ ولا من أين تأتيك النهاية, نحن لا نكتب النهايات التعيسة, لأننا نبحث دائما عن السعادة حتي إشعار آخر..).
( أنوه هنا: أن كل ماسوف تقابله بين قوسين هو طبق الأصل من رأي أحمد زكي مع تعديل بسيط في الصياغة يليق بالنشر).
لم يحب أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي المولود في قرية صغيرة تلمس مدينة الزقازيق في بدايات طفولته تلك البشرة السمراء التي ورثها عن والديه, كان يتمني أن يكون أبيض مثل زملائه في المدرسة أو أصحابه حيث يجلسون في ليالي الخميس علي المقهي يشربون الشاي ويلعبون الطاولة ويتكلمون في أحلام صغيرة تبدو مستحيلة.
(.. كنت أتصور أن البشرة البيضاء هي التي توفر لأصحابها السعادة, وأنها سبب للنجاح في العمل وفي الحب, تصورت يوما أن غسل وجهي بعنف بحجر يمكن أن يجعلني أبيض البشرة..).
أحب أحمد زكي أمه رغم أنها تركته وتزوجت قبل أن يكمل عامه الأول بعد وفاة أبيه( كانت تصنع لي كل ما أحب من طعام, أنها لم تأكل لكي يكون كله لي, الظروف كانت صعبة, زي اي طفل قروي يتيم, عرفت ليه بحب عبد الحليم, احنا الاثنين يتامي ولدنا في الطين, وحاولنا نخرج منه للنور).
للسبب السابق تماما ظل أحمد زكي طوال عمره يبحث عن المرأة التي يمكن أن تمنحه الحنان, التي يمكنه أن يستريح وهو يحكي لها وهي بجواره وهي تمنحه كل أسباب الطفولة التي حرم منها, نفسها الأسباب التي جعلته يريد أن يعرف ماذا يقول الناس عنه ؟ كيف يفسرون حياته ؟ هل يشعرون بنجاحه ؟ هل نجاحه يعني لهم أنه ترك الطين وخرج إلي النور ؟
(.. كلام الناس يجعلني إما سعيدا أو تعيسا, كلمة تجرحني يمكنها أن تقتلني, وكلمة حلوة في حقي يمكنها أن تشعرني بأنني أهم إنسان في الكون, هو احنا ليه مابنحبش بعض كفاية, ليه مش دايما بنطبطب علي بعض, الحياة قصيرة, كل واحد رايح في سكة, هيفضل لنا ايه غير ذكري حلوة نفتكرها, في أوقات كثيرة ممكن أنزل من بيتي الساعة خمسة الصبح علشان أروح أزور إنسان حسيت في لحظة إني عايز أقوله إنت عامل حاجة حلوة, أو أروح علشان أشكره, أو أقوله أنا بحبك, عملت ده كثيرا في حياتي مع مصور صورني حلو في فيلم ونسيت أقوله, أروح له بعدها وأرجوه يسامحني إني إتأخرت في شكره, مع واحد صاحبي وقف معايا وأنا مخنوق, أفتكر.. أخبط علي بابه أقوله إنت بني أدم جميل يا أخي, دلوقتي علشان مانساش بقيت باشيل نوتة صغيرة أكتب فيها الديون اللي عليا, كل واحد عمل لي حاجة حلوة ولا شجعني ولا طبطب علي كتفي.. أكتبها علشان أرد كل ديوني..).
ظل طفلا, يبحث عن قطع الشيكولاتة تحت وسادته آخر الليل
3
(.. خلاص هاصور فيلم حليم, أخيرا تصدق, حلم حياتي هيتحقق..), كيف يمكن لأول حلم في العمر.. أن يتحول إلي آخر أحلام العمر ؟ ظل أحمد زكي خمس سنوات يحاول إنتاج فيلم يحكي قصة حياة عبد الحليم حافظ, خمس سنوات من المفاوضات علي سيناريو ومع أكثر من منتج, لم يتحمس أحد, سوف أقول لكم الأن السر الذي أخفاه أحمد زكي عن إصراره علي القيام بدور عبد الحليم حتي لا يسخر المنتجون من فكرة تقديم قصة حياة حليم, تعود القصة إلي عام1977 العام الذي توفي فيه عبد الحليم حافظ, وقتها تماما, مع كل مظاهر الحزن التي عمت مصر, وغيمة الألم التي سادت كل بيت في العالم العربي لرحيل فنان مصري بقيمة عبد الحليم,..(.. يومها أقسمت لو أصبحت ممثلا مشهورا أن أقدم قصة حياة عبد الحليم حافظ, اعتبره إني عملت نذر, حليم مش مجرد فنان, حليم اسطورة لا يعرفها إلا الجيل الذي عاصر وجوده, وأحب علي أغنياته, تخيل إنت بحسبة بسيطة الرجل ده كم واحد وواحدة أحبوا علي أغانيه وتزوجوا بسببه, إحسبها كده, مش أقل من200 مليون بيت اتفتح علي حسه, علشان كده كان طبيعي الناس تطلع بالملايين في الشوارع تبكي علي وداعه, هم في الحقيقة كانوا بيبكوا قصتهم الجميلة وأيامهم الحلوة اللي عاشوا بيها علي صوته وعلي أغنياته, ده مش سبب منطقي وعظيم إني أعمل قصة حياته ؟ جنازته المهيبة اللي تحرك أي مشاعر مش سبب مهم إني أتمني أبقي مكانه, أنا أتمني يكون لي جنازة مهيبة عظيمة زي دي.. ولو ماحققتهاش وأنا ميت.. ممكن أشوفها وأنا عايش..).
يبدو أحمد زكي دائما فيلسوفا مبهرا, هو في الحقيقة فيلسوف دائم, علمه الفقر علمته الغربة علمته قسوة الحياة علمه صلاح جاهين, كل شيء علمه أن ينظر للحياة نظرة فيلسوف يحمل مصباحا ويبحث عن نفسه وعن أسباب حياته وعن أحلامه التائهة.
(.. جاهين كان من ريحة عبد الحليم حافظ, علشان كدة لما عرفته لأول مرة كأني أعرفه من سنين طويلة, من أول ماسمعت عبد الحليم بيغني ناصر كلنا بنحبه وبالأحضان وملايين الشعب, أمام صلاح جاهين كنت التلميذ أمام الأستاذ, أسمع فقط, لا أريد لدقيقة أن تضيع بدون أن أسمعه, كان بيحكي كل حاجة وفي كل حاجة, في السياسة وفي الحب وفي الفلوس وفي الحياة, علشانه أو منه حبيت عبد الناصر, أصبحت ناصريا لأنني رأيت مصر ورأيت عبد الناصر من عين جاهين, هو الذي تنبأ لنفسه ولي أننا سنموت صغارا, وعندما مات صغيرا حزنت عليه وعلي نفسي لأنني أدركت أن نبوءة جاهين قادمة لا محالة, جاهين لم يكن رساما ولا شاعرا ولا كاتبا.. جاهين كان إنسانا بينه وبين كل الأشياء في الحياة مساحة شفافة بيشوف منها مالا نراه, جاهين كان طفلا بجناحي ملايكة, علشان كده كان صعب يكمل الحياة وهو كبير..).
جاهين مات, لكن سعاد حسني لم تمت.
4
لم يبك أحمد زكي علي رحيل سعاد حسني, صديقته المقربة, أو قصة حبه المؤجلة, قصته المستحيلة, لم أنس يوما أن أتأمل هذه العلاقة بين الأسماء الثلاثة: عبد الحليم حافظ وسعاد حسني وأحمد زكي, حليم أحب سعاد وسعاد أحبته, وأحمد زكي أحب الإثنين حليم وسعاد, وسعاد أحبت أحمد زكي للحظة ما, قصة حب متشابكة, لكنها عند أحمد زكي(.. سعاد من أجمل الشخصيات التي عرفتها عن قرب, خاصة في التصوير, إنها تبدو أنا, بكل شكها وكل أرقها وكل تألقها, واثقة وخايفة, عارفة وجاهلة, شايفة ومش شايفة, إحنا الإثنين بيننا قلق من الكاميرا اللي بتسجل كل انفعال وتحوله لشريط لا يمحي, لا يمكن أن تسأل رجلا شرقيا هل أحببت زميلتك في الفيلم ؟, لكن لا أنكر أنني تمنيت أن تكون حبيبتي, من يعرف سعاد يحبها, فهي أكثر من مجرد إنسان, هي حبة حاجات جوا بعض تبهرك, وهي أبهرتني, لأن ببساطة عايز تعرف سعاد هي إيه ؟ هي البني آدم كما يجب أن يكون مع نفسه, حبيت قعدتها وكلامنا, كأن صلاح جاهين هو اللي بيتكلم وبيفكر وبيقول نكتة أو نصيحة, سعاد أكيد كان موتها لازم يبقي قصة, مش أي قصة, حاسس إنها لسة عايشة, علشان كدة مافكرتش لحظة إنها ماتت بجد..).
الغريب أن أحمد زكي, إعترف لسعاد حسني مرة أنه يفكر في إنتاج وتمثيل قصة حياة عبد الحليم حافظ, فصمتت. لم يسألها عن صمتها, ولم يطمح لأن تظهر معه إذا تم المشروع في دور شرف بإسم سعاد حسني.
في مفكرته الصغيرة كانت لديه أمنية أن يسجل رباعيات صلاح جاهين بصوتيهما معا, مشروع لم يتم, لكن سعاد أنجزته في لندن وحدها.
هل فكر في زيارتها في لندن في أيامها الأخيرة ؟ هل زارها فعلا ؟ هل عرض عليها مساعدة مادية ؟
ثلاثة أسئلة لم يجب عنهم أحمد زكي أبدا. حتي بعدما تردد أنه حاول أن يراها.. وهي رفضت.
5
يوم رحل صديقنا المشترك عاطف الطيب(1995), كان أحمد زكي يصور فيلم( إستاكوزا), فأوقف التصوير حزنا واحتراما للرحيل, يومها لم يتكلم أحمد زكي عن عاطف الطيب, فقط اختفي لكي يحتفي بأحزانه وحده,( الفرح والحزن.. الاثنان يمكنك أن تحتفل بهما بالضحك أو بالبكاء).
بعد سنوات قال عن عاطف(.. عاطف هو المخرج الوحيد اللي شفت نفسي علي الشاشة, لأن عاطف كان لا يخرج لك فيلما إلا بعد أن يحبك, حب يقدر يفسر شخصيتك ويقدمها, سر عاطف إنه علي قد ما تعاطف مع شخصيات أفلامه.. تعاطف أكثر مع أبطال أفلامه, حبه هو اللي لغي المسافة بين الخيال والحقيقة, حبيت فيلم البريء بس حسيت نفسي أكثر في الهروب وضد الحكومة, حزنت جدا لما مات وهو صغير, لكن رجعت قولت لنفسي هو أنا عبيط.. ؟ ده عاطف انضم لقائمة العظماء اللي ماتوا صغيرين علشان يعيشوا أطول وأكتر.. الله يرحمه, قدم كل القضايا اللي كان نفسه فيها..).
اختلف مع وحيد حامد, لأسباب طفولية, وأحيانا لأنه كان يرغب في كل مايكتبه وحيد حامد, لكن لم يختلف علي قيمته, تمني لعل وحيد حامد يعرف هذه المعلومة لأول مرة أن يمثل فيلم المنسي, كان يري أن شخصية المنسي التي قدمها عادل إمام تشبهه أكثر, لكن الشخصية ذهبت إلي عادل إمام في إطار الخماسية التي قدمها شريف عرفة ووحيد له.
وحيد, ظل الجلسة الحلوة علي النيل في الميريديان, يلتقيان في صباح مبكر لكي يتناولا الإفطار والقهوة والكلام والخلاف الجميل في الرأي, لكل منهما دماغه وتفكيره وعناده, أظن أن وحيد حامد لم يكن متحمسا باي صورة لأن يمثل أحمد زكي أفلاما تحمل قصة حياة شخصيات تاريخية( ناصر السادات حليم), وحيد كان يري موهبة أحمد زكي أكبر من حصارها في مساحة مهما اتسعت صغيرة, وأن عليه أن يحلق في الخيال أكثر من الحقيقة, لكن كالعادة كان أحمد زكي دائما جاهزا للدفاع عن أحلامه وعن مشروعاته وعن قناعاته كممثل يجب أن يترك للأجيال التالية صورا من شخصيات ورموزا مصرية مؤثرة وحقيقية, لم يمنع ذلك أن يفوز بسيناريو من أروع ماكتب وحيد حامد( اضحك الصورة تطلع حلوة), أقوي من المنسي, وأن يقود العمل المخرج شريف عرفة, وأن يقتسم الصورة مع ممثلة عبقرية بحجم سناء جميل, وشابين صغيري العمر كبيري الموهبة مثل مني زكي وكريم عبد العزيز.
6
كيف كانت علاقة أحمد زكي وعادل إمام ؟, صراع نجميين تخرجا من مدرسة المشاغبين, ذهب كل منهما في اتجاه منفصل تماما, احتل عادل إمام بأفلامه التي تخاطب الطبقة الشعبية أعلي إيرادات في شباك التذاكر, وبالتالي بأحقية النجم الذي يضع شروطه قبل تصوير أي فيلم ويحجز دور العرض التي يرغب فيها طالما تحقق أرباحا طائلة للمنتج, ذهب أحمد زكي للاتجاه المعاكس, في1974 قدم عادل إمام أفلام شياطين إلي الأبد و24 ساعة حب, قدم أحمد زكي أبناء الصمت وبدور, في75 قدم عادل إمام ألو أنا القطة والبحث عن المتاعب و لم يقدم أحمد زكي أي أفلام حتي78, قدم شفيقة ومتولي والعمر لحظة ووراء الشمس وقدم عادل إمام المحفظة معايا وعيب يالولو والبعض يذهب للمأذون مرتين, وحين قدم أحمد زكي أول بطولة مطلقة له سنة81 هي طائر علي الطريق وموعد علي العشاء وعيون لا تنام كان عادل إمام قد اتخذ قرارا نهائيا بالإنحياز إلي الأغلبية الشعبية للحصول علي لقب نجمها المفضل فقدم في نفس العام شعبان تحت الصفر والمشبوه والإنسان يعيش مرة واحدة.
شهادتي هنا, مع نهاية التسعينات بدأ أحمد زكي يضيق بالشروط التي يضعها المنتجون له, بإلتصادم بين اختياراته واختياراتهم, كل المنتجين يبحثون عن اقصي ربح مضمون, بدا الأمر لأحمد زكي حربا لابد أن يفوز فيها ومعركة كلما دخلها خسر وعاد يقاتل من جديد, توترت العلاقة بين الاثنين زكي وإمام بسبب تصريحات متبادلة في سهرات خاصة تناقلها أصدقاء مشتركون بغرض إشعال الموقف, فنقل عن عادل إمام بعد فيلم السادات أنه وصف أحمد زكي( مجرد مونولجست), فيما أكد أصدقاء أن عادل قال, ذهب هو إلي أبعد من ذلك وقدر موهبة أحمد زكي, لكن هذا لم يمنع أنه لم يعجب بدوره في فيلم السادات, نقل أصدقاء عنه أن عادل إمام يقتنص منه دور العرض المميزة لأفلامه, والحقيقة أن منتجين تكفلوا بتقديم أفضل مواعيد عرض وأفضل دور سينما لعادل لأنه الأكثر ربحا.
في سنة1990, قرر أحمد زكي أن يدخل بثقله إلي دائرة شباك التذاكر, أن يثبت للمنتجين وربما لعادل إمام أيضا أنه يستطيع بسهولة أن يغير بوصلة الإتجاه والإختيارات ويربح المليون في الإيرادات, فقدم في هذا العام( البيضة والحجر كابوريا الإمبراطور إمرأة واحدة لا تكفي), أربعة أفلام دفعة واحدة لشخصيات بعيدة عن أعماله السابقة لكنها إتجهت نحو المزيد من الشعبية, فحققت أرباحا للمنتجين, في مقابل ماقدمه عادل إمام( جزيرة الشيطان حنفي الأبهة), ربح أحمد زكي هذه المرة المعركة. فعاد في العام التالي إلي شخصياته المفضلة( الهروب الراعي والنساء ضد الحكومة).
يمكنني أن أفتح هنا قوسين لأنقل من مفكرتي كلاما لأحمد زكي(.. الغريبة أن الأدوار التي مثلتها كأنها استراحة من التمثيل.. هي التي ربحت أكثر, ولا يمكن لأي ممثل أن ينكر أهمية الأرباح, الأرباح تمنح الممثل قوة لأن يختار وأن يطلب وأن يرتاح وأن يثق في نفسه, فيلم بدون إيرادات معناه أن الممثل بكل نجوميته لم يقنع الجمهور بالشكل الكافي أن يذهبوا له.. وهذه طعنة في قلب الممثل لا تندمل بسهولة, ومع ذلك قلبي لا يطاوعني فأذهب بكل حب لأدوار صعبة وأتنازل في أجري لكي يقبل المنتج أن يغامر بها, أو علي الأقل كان كل منتج يقول لي نفس العبارة, حتي أصبحت أقولها لنفسي قبل أن يقولها أي شخص لي..).
7
ببساطة, هذا هو أحمد زكي, ولد في18 نوفمبر1949 في الشرقية ورحل في27 مارس2005 في مستشفي دار الفؤاد, بينهما حصل علي شهادة متوسطة من المدرسة الصناعية في الزقازيق, ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام1973, عصره الذهبي, سكن في بنسيون صغير فقير في التوفيقية, عاش وكل مايملكه شنطة سفر صغيرة يضع فيها كل مايملك من ملابس قليلة,(.. علشان كدة لما كبرت ماكنتش أعرف أشتري لنفسي هدوم, كنت بأقول لصديقاتي اللي يلقي حاجة حلوة يشتري لي منها دستة, علشان كدة هتلقي في دولابي نفس القميص ونفس البنطلون ونفس البذلة مضروبة في خمسة ستة, أنا بامد إيدي في الدولاب ألبس أي حاجة, وساعات أشبط في جاكت أفضل لابسه سنة لغاية ماأزهق منه, أروح قالعه في الشارع ومديه لأي حد معدي محتاجه..).
أتذكر أن علاقتي بأحمد زكي بدأت بخناقة, كنت قد كتبت مجموعة مقالات وصفته فيها بالمجنون بفنه, وافرطت في استخدام الكلمة, حتي أنني بعد ذلك اكتشفت أنني كتبتها أكثر من عشرين مرة, فسأل عن تليفوني حتي وجدت مكالمة صباحية علي تليفون مكتبي في الأهرام( لم يكن الموبايل ظهر بعد), لم أكد أرفع السماعة حتي وجدت صوتا علي الطرف الآخر يصرخ:(.. أنا مجنون ؟ إنت تعرفني علشان تقول علي مجنون ؟..). وما إن عرفت أنه أحمد زكي حتي هدأت المكالمة, لم يمض اليوم حتي شربنا قهوتنا معا وبدأت مرحلة صداقة امتدت, كان ذلك عام1989.
حكي لي ماحكي علي مدي سنوات وجدته فيها حالة خاصة من الممثلين, يرغب دائما أن يتعلم وأن يحب وأن يفهم وأن ينجح وأن يغامر,(.. كانت وجبتي المفضلة أن أذهب إلي مطعم كبدة في شارع26 يوليو آخر الليل, يكون قد انتهي من تقديم كل وجباته, وتبقت في الطاسة بقايا كبدة يضعها لي في طبق لآكلها, كانت أشهي طبق أكل في حياتي, علي الرغم أنني وقتها كنت آكله لأنه أرخص مايمكن الحصول عليه...).
ظل حتي النهاية بسيطا, في بداية عام2004 نشر عراف في قائمة نبوءاته أن أحمد زكي سيتزوج, ووجدت أحمد مثل طفل فرحا بهذه النبوءة, كان يتمني وقتا الاستقرار, تعب من العزوبية وأكل الفنادق والشوارع وغرفة هيلتون والتاكسيات والوحدة بالأيام,..(.. تفتكر هاتجوز مين ؟ وإذا حدث هاكون مبسوط, وفين الست اللي تستحمل عصبيتي خاصة وقت التصوير,..), لم تمض أيام إلا وبدأت رحلة مرضه القاسية بكل صعوبتها وكل ألمها وكل مرارتها, كان السرطان يلتهم جسده ببطء, ليس رئتيه فقط, نقل ذات مساء إلي آخر مكان يرغب في الذهاب إليه, مستشفي دار الفؤاد, وبدأت قصة نهاية صعبة ومؤثرة تشابكت فيها كل الأشياء, كان لابد أن يستعد للرحيل, لا مفر منه, تساقطت كل أيامه وحكاياته وأيامه مثل شريط سريع, لم ينس من وقف معه, ومن وقف ضده, من وقف يدعمه ومن وقف ضد إستمراره, تذكر بمرارة ظلت حتي آخر لحظة في حياته الحرب التي خبئت ضده في فيلمه( أيام السادات), وظل حلمه الباقي ونذره الوحيد فيلم( حليم), بدأ يصوره وهو يتألم, ويخفت بصره, وتتوقف الكلمات في فمه, لكن النذر الأخير كان لابد أن يتم, أن يشعل الشمعات علي أعتاب أيامه المتبقية, أحس الجميع فجأة بقيمة أحمد زكي, في عامه الخامس والخمسين.
..(.. الموت حقيقة, لا أخاف منها, أخاف من المرض, أو أن أكون عجوز, يتذكر الناس ملامحي الصغيرة ويقولون ياه ده أحمد زكي, ده بقي عجوزا, أنا لا أحب المرض ولا أحب أن أكون عجوز, لكن إذا مد الله في عمري فسوف أذهب إلي مكان لا يعرفني فيه أحد ولا يري أفلامي علشان ماصعبش علي أي إنسان, نفسي أموت فجأة, نفسي ما أعذبش حد معايا, بس لسه نفسي أعيش, أحب وأتجوز وأسافر وأمثل, فاكر لما قلت عني مجنون وزعلت منك, أنا فعلا مجنون, بس كنت أكتبها مرة اثنين مش عشرين, أنا لو ماكنتش مجنون كنت مت, الجنون بالنسبة لي منتهي العقل, الدنيا طلعتني سابع سما ونزلتني سابع أرض, شفت الحياة من فوق وعشتها من تحت, كل الشخصيات اللي عملتها تجنن بلد, وكل اللي كسبته وصرفته يجنن أي إنسان, وكل حب حبيته من طرف واحد وضاع.. كان يجنن أي حكيم, بس تعرف.. عشتها زي ماحبيتها, عمر النجومية ماحرمتني من حاجة, عشت بنفس روح البني آدم اللي جه لأول مرة من بلدهم للقاهرة, صاحبت كل الشوارع وكل الناس, لما أموت مش هبقي محروم من أي حاجة..) القاهرة2003.
8
قل خف بصره, أو ضاع في الساعات الأخيرة, قل كان يكتم ألمه ويطلب من الكاميرا أن تصور مشهدا في فيلم حليم, قل كان يهرب من جلسات الكيماوي ومن غرفته في مستشفي دار الفؤاد إلي الشوارع لكي يشعر بالبراح ويشم هواء الحياة بآخر مايملك من أنفاس لاهثة, قل بكي في صمت وكبرياء أو ضحك في هزل وسخرية, قل ماتشاء.. ولا تنسي أن رحيله ترك فراغا في السينما المصرية, وأن رصيده من الفن يسمح بالبقاء في الذاكرة مئات السنين, وأن حكايته مع الحياة تتسع لكي نكتبها ونحكيها في أي وقت ومهما كان الوقت.
قل: الله يرحمه.. كان مبدعا وكان بسيطا وكان جميلا.
قل: أحمد زكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.