عندما تولت منصب المستشار الثقافي للسفارة المصرية في فرنسا أثبتت أنها نموذج يحتذي به ليس فقط لمهارتها الفائقة في مجال الإدارة الثقافية لكن أيضا لنجاحها في إدارة الأزمات والمواقف الصعبة بحكمة وذكاء شديدين, فقد استطاعت أن تمثل مصر في عاصمة النور في مرحلة عصيبة من تاريخ الوطن, حيث تولت هذا المنصب الرفيع بعد مرور حوالي شهرين من فض اعتصام رابعة وسط محاولات مستمرة من جانب الإخوان لتشويه صورة مصر ونظامها الحاكم, لتواجه بقوة ثقافة التشويه ب ثقافة التصحيح من خلال برنامج ثري متكامل نجح أن يساهم في إبراز الصورة الحقيقية لمصر ودعم العلاقات الثقافية بين البلدين. والآن وبعد مرورحوالي5 شهور علي تولي الدكتورة أمل الصبان منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة وهو من أهم المؤسسات وأكثرها تأثيرا في وضع الاستراتيجية الثقافية لمصر, بات هنا لعدة أسئلة: كيف واجهت التحديات والمصاعب المتراكمة منذ سنوات طويلة داخل المجلس ؟ وكيف واجهتها حتي هذه اللحظة, وما هي أهم ملامح خطتها للوصول بالثقافة إلي مختلف فئات الشعب في كل مكان تعميقا للديمقراطية الثقافية ؟وهل ستنجح في تحقيق ذلك في ظل إطلاق لقبسيدة باريس وأنها ذات نكهة فرنسية في إشارة إلي اقامتها الطويلة خارج الوطن ؟!هل ستخرج بالمجلس من إطاره التقليدي كتاب وندوة إلي ما هو أكثر اتساعا ؟وكيف ستواصل مواجهة الإرهاب داخل مصر هذه المرة وما موقع الشباب خريطة اهتماماتها في سيطرة كبار السن علي الشعب المختلفة للمجلس ؟!... هذه الاسئلة وغيرها طرحناها علي الدكتورة أمل الصبان في حوارنا التالي معها: ............................................................... ربما يختلط الأمر في ذهن البعض حول مهام المجلس الأعلي للثقافة, فهل لك أن توضحي هذه المهام ؟. هذا صحيح للأسف وهو ما يترتب عليه الكثير من المغالطات المرتبطة بدوره والمجلس هو قمة الهرم الثقافي لمصر, يرأسه السيد وزير الثقافة, ومنوط به وضع السياسة الثقافية لمصر, وينقسم إلي3 شعب هي الآداب, الفنون, والعلوم الاجتماعية, ويتبع كل شعبة عدد من اللجان التي تضم خبراء كل في مجاله, ويجتمع هؤلاء الخبراء بصفة دورية, لوضع السياسات, ورفع التوصيات التي يتم دراستها ووضع الاستراتيجية الثقافية في ضوئها. لكننا تعودنا منه خاصة خلال السنوات القليلة الماضية غياب الرؤية الثقافية الواضحة, و إصدار الكثير من التوصيات والقرارات التي تظل حبيسة جدران قاعاته دون أن تخرج إلي حيز التنفيذ والتفعيل... ما تعليقك؟ هذا حقيقي وواقعي للغاية! ولا يمكن أن ألقي باللوم علي أحد, ولا أدعي أنه كان شيئا متعمدا, لكن علينا أن نسترجع الظروف التي مرت بها البلاد علي الأقل خلال السنوات الخمس السابقة, وتراجع الاستقرار,وغياب الاستمرارية داخل وزارة الثقافة لأي مسئول, بداية من الوزير ونزولا إلي الأمين العام للمجلس وإلي كافة المسئولين بشكل عام, والدليل علي ذلك أن الأماكن التي التي توافر لها استمرار المسئول حققت نجاحا ملحوظا مثل دار الأوبرا. وماذاعن غياب الاستقرار وتراكم المشاكل التي يضج بها المجلس من الداخل أيضا ؟. عندما توليت عملي فوجئت بكم المشاكل والتحديات الداخلية الهائلة, بداية من صورة المجلس نفسه من مباني, وصيانة ونظافة ووصولا إلي العنصر البشري,وكان لابد من إعادة ترتيب البيت من الداخل بالتوازي مع أداء مهامه, لم يكن الأمر سهلا علي الإطلاق فثمة تراكمات علي مدي سنوات طويلة زادها سوءا تعيين أعداد ضخمة غير مؤهلة من الموظفين بعد الثورة, فقمت بإعادة الهيكلة الإدارية, ووضع برنامج متكامل لتدريب العاملين من خلال الدورات المتخصصة وورش العمل والمحاضرات, والآن بعد مرور عدة شهور استطيع القول أن العاملين يسيرون علي الطريق الصحيح الأمر الذي سيؤثر حتما بالإيجاب علي أداء المجلس لمهامه في مصر والخارج. وماذا عن رفض البعض لسيطرة كبار السن علي اللجان إلي حد وصفه ب مجلس العواجيز؟ عند إعادة تشكيل اللجان كانت هناك مراعاة لتمثيل الجميع, الكبار, جيل الوسط, الشباب والمرأة, والإدعاء أنه مجلس العواجيز مرفوض تماما, إن طبيعة مهامه تتطلب ضرورة وجود شخصيات تتمتع بالصقل الثقافي والخبرة والنضج والرؤي العميقة, ولذلك لن أستغني عن هؤلاء العواجيز مع تحفظي علي الكلمة التي يرددها البعض دون وعي ومع تقديري للأهمية القصوي للدماء الجديدة وهو ما أتمسك به أيضا. ما أهم أولويات الدكتورة أمل الصبان؟. تحقيق العدالة الثقافية من خلال الوصول إلي مختلف فئات الشعب في كل مكان بمصر, نريد نشر الثقافة, تنمية الوعي والفخربهوية هذا الوطن العريق الذي يمتلك ثروات بشرية تاريخية, حضارية, مكانية لا يمتلكها الغير, فمن لديه كل هذا الثراء والهوية المتفردة ؟!, لدينا الكثير لنوقظه ونعيد إحياءه وتوظيفه, وانطلاقا من ذلك كله أعمل علي التواصل مع الجميع خاصة الشباب والنشء لأنهم المستقبل. لكن البعض يري أن المجلس مجرد كتاب ومؤتمر وتوصية للنخبة دون احتكاك حقيقي بالشارع والجمهور العادي فهل لديك آليات جديدة تستندين إليها لتحقيق رؤيتك ؟ المجلس ليس للنخبة ولا ينحصر دوره في التوصيات, أهتم كثيرا بالنزول إلي الشارع والمدرسة والجامعة ومراكز الشباب والنوادي,ونقيم المسابقات والندوات وورش العمل ونصل بالكتب إلي القري والأقاليم وننظم المعارض الفنية والحرفية التراثية,وعلي سبيل المثال أقمنا مجموعة من اللقاءات مع الشباب داخل جامعات عين شمس وحلوان والقاهرة والمنيا, وذهبنا للأطفال في الحدائق والمدارس والمستشفيات ومؤسسات ذووي الاحتياجات الخاصة, ودعمنا مبادرة رغيف وكتاب بمعرض الكتاب, نحن نسعي أن نقدم للمجتمع هذه الثقافة ونساعده أن يقرأ ويستمع ويشارك, استطيع القول نحن موجودون في كل مكان وسنتواجد أكثر. هناك من يشكك في قدرتك علي التواصل مع كافة فئات الشعب, وأنت صاحبة لقب سيدة بنكهة فرنسية لإقامتك الطويلة في الخارج؟ أنا مصرية حتي النخاع, عشت طفولتي في منفلوط وتنقلت بين الكثير من مدن وقري الصعيد بحكم عمل والدي, كما أنني كنت كثيرة السفر بين محافظات مصر للمشاركة في بطولات الجمهورية لكرة السلة, وساعدني عملي كأستاذة في كلية الألسن جامعة عين شمس علي التعرف اكثر علي مختلف فئات المجتمع والاتجاهات المختلفة و التواصل مع الشباب لسنوات طويلة, أفهم كيف يفكر, ماذا يريد, كيف نستطيع التأثير فيه دون أن يتطرق إليه الملل ؟ كما أن إقامتي بفرنسا كانت كمستشار ثقافي لمصر بالسفارة المصرية, أي أنني كنت أعمل علي تقديم الثقافة المصرية أيضا, وفي مرحلة حرجة للغاية عقب فض اعتصام رابعة والهجوم الدولي علينا, وأرفض لقب سيدة باريس وسيدة بنكهة فرنسيةالذي يطلقه علي البعض. كيف ستواجهين الإرهاب داخل مصر بعد مواجهتك له في الخارج ؟ علينا أن ندرك أولا أن الإرهاب ليس فقط تفجير قنبلة أو قتل وتهديد لكنه أيضا رفض الآخر والاعتقاد أنه عدو لك طالما كان مختلفا أو رافضا لأفكارك, وقد انتهي عصر الكلام, وعلينا مواجهة الإرهاب بآليات فعالة, تستند إلي صلابة الثقافة المصرية, ومن ذلك نشر ثقافة احترام الاخر والانتماء وربط كل ما هو وطني وتراثي بالتنمية المستدامة والنهوض بالصناعات الثقافية, وسننظم في الفترة من9 الي11 مايو القادم مؤتمرا دوليا موسعا تحت عنوان تجديد الخطاب الثقافي بمشاركة نخبة من المفكرين والإعلاميين والنقاد ورجال الصناعة المصريين, العرب والأجانب وسيتم التعرف علي تجارب الشعوب في الوصول إلي مردود اقتصادي للمنتج الثقافي. ومن ذلك بريطانياوفرنسا, الصين, روسيا والهند. كما سيتم تنظيم مؤتمر دولي لأدب شكسبير في إبريل لمزيد من التواصل مع الآداب الأوروبية باعتباره رمزا لها. وماذا عن دور المجلس في دعم مكانة مصر عربيا وافريقيا ؟. نحرص علي ذلك, وستشهد الفاعليات الدولية التي يقيمها المجلس علي الحضور العربي الموسع, كما سنقيم في إبريل القادم ندوة حول الثقافة الإفريقية, سيشارك فيها رموز من القارة السمراء, أيضا نعد لمؤتمر دولي كبير عن إفريقيا في2017. كيف سيواجه المجلس الإساءة للغة العربية والاستهانة بها ؟. هوية الإنسان تكمن في لغته, وأنا شديدة الانحياز للغة العربية, وأقف بشدة ضد استخدام العامية والفرانكوعربية, وسيقيم المجلس العديد من الفاعليات التي تحتفي بالعربية وتدعو إلي احترامها والاعتزاز بها, بالتعاون مع وزارة التعليم في إطار بروتوكول التعاون بيننا, بالإضافة إلي الجامعات ووسائل الإعلام. افتقدت الثقافة المصرية الموجهة للطفل أحد أهم فعالياته ونقصد معرض الكتاب الدولي للطفل. فمتي يعود؟ بالفعل انتبهنا إلي ذلك فهو حلقة وصل بين القاريء الصغير ومنابع المعرفة في كل المجالات, الثقافات واللغات, وسيعود في دورة جديدة في نوفمبر القادم. كيف ترين نجاح المرأة المصرية في مجال الثقافة ؟ أثبتت المرأة المصرية نجاحها في كل المجالات وأنها ليست لمجرد التمثيل الشكلي, وهناك الكثير من القيادات النسائية التي تتميز بالكفاءة النادرة, والتي تستطيع أن تغير وتساهم في بناء الوطن من خلال قيادتها بجانب دورها كأم ومسئولياتها تجاه أسرتها. وماذا عن مستقبل الثقافة المصرية ؟ أشعر بالتفاؤل الشديد, لدينا موروث ثقافي وحضاري عظيم, كنا مصدر المعرفة والعلم للإنسانية, ونمتلك ثروة بشرية عظيمة, فإذا استطعنا العمل و استثمار ذلك كله ونجحنا في تنسيق و تضافر الجهود, فإننا حتما سنحققق نهضة ثقافية, لكن علينا ان نعي أن إحياء الثقافة لايتم بعصا سحرية, فهي بالفعل كما يطلق عليها قوة ناعمة تدخل العقول والوجدان ببطء وسلاسة, وقد شهد العقل المصري تجريفا علي مدي عقود طويلة ساهم فيه عوامل كثيرة منها الأسرة, المدرسة, الإعلام وغيره, ولكي نصلح هذا العقل من جديد لابد أن نعمل علي إصلاح كل تلك العوامل معا وإعدادها وتأهيلها لكي تشارك في إعادة