تجلس بإستكانة على كرسيها المتحرك .. نفس المكان ونفس الجلسة .. تلتقيها عيناى يومياً فى قيظ الصيف وبرودة الشتاء .. رغم تجاعيد وجهها ويديها التى تحكى رغماً عنها ما مر بها من شقاء فى سنوات عمرها التى قاربت السبعون.آثارت جلستها تلك فضولى عن اسبابها وصبرها .. وتحولت الى تحرى سرى اسأل فقد اجد الاجابة. كانت الحقيقة صادمة .. فهى بالفعل قعيدة يأتى بها ابنها كل يوم صباحاً ويتركها فى نفس المكان بجوار البنك تحمل زجاجة مياة وكسرة خبز ويذهب لعمله، فمن جهة فلا يوجد احد لرعايتها فى المنزل ومن جهة اخرى تساعد فى مصاريف الحياة ولو ببعض الجنيهات القليلة حيث يتكلف علاجها الشهرى ما ينؤ به كاهل الابن بجانب مصاريف ابنائه وتعليمهم. توجهت إليها احمل بداخلى كل الغضب لهذا الابن العاق وظهر جلياً فى كلماتى التى حاولت انتقائها قدر الامكان حتى لا ازيد جرحها وألمها .. فاجئتنى بابتسامة انارت وجها وردت بمنتهى العفوية والصدق " يا بنتى هو هيلاحق على مين ولا مين .. دة كفاية عليه مصاريف عياله ودروسهم .. وادينى بسلى نفسى اتفرج على الناس وقابله منهم احسانهم .. انا بعتبر كل اللى بيساعدونى اولادى وبعدين انا احسن من غيرى اللى مالوش اخر النهار حيطان بيت تلمه ويفضل بره نايم فى الشارع " . تركتها وقد ازدادت حيرتى .. هل هذا هو حال كل كبار السن ممن نقابلهم فى اشارات المرور فى كل مناطق قاهرة المعز وبالتأكيد مدن اخرى من المحروسة؟ هل وصل الضغط المادى عليهم للهرب الى الشوارع فهى بزائريها اكثر حناناً من مخالطيهم ؟ فلا معاش يكفى ولا مرتب الابناء يكفى . كانت وصية الله لنا بالاحسان لوالدينا صريحة فقد قال تعالى " وَوَصَّيْنَا 0لإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً". وقال ايضا "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا "، كما وصانا رسولنا الكريم ببر الوالدين بل وأكد ان مرتبته اعلى من الجهاد فى سبيل الله فقال عندما سأله عبد الله بن مسعود رضي الله ( أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثمّ أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، حدّثني بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولو استزدّته لزادنى ") إن عقوق الوالدين هو:" إغضابهما بترك الإحسان إليهما، وهو كلّ فعل يتأذَّى به الوالدان تأذياً ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة "وله العديد من المظاهر احداها أن يتخلى الابن عنهما عند كبرهما، وعجزهما، وحاجتهما إلى من يرعاهما، واهتمامه وانشغاله بأعماله الخاصّة بعيداً عن تحمّل مسؤوليتهما. ولكن هل الابناء هم المتهم الوحيد ام يشارك المجتمع بفئاته ( افراد ومسئولين) فى هذا الجرم ؟ سؤال يصعب الاجابة عليه وسنظل جميعاً متهمين . [email protected] لمزيد من مقالات فاطمة عمارة