وصلت الأزمة السورية إلى مرحلة "المتاهة"، فالقوى الكبرى والإقليمية تسعى إلى تعقيد الموقف بحثاً عن إعادة رسم خريطة توازنات القوى على الأرض من أجل الحصول على نصيب أكبر على مائدة التفاوض بشأن مصير سوريا.. إن أزمة "المتاهة" السورية أن كل طرف دولى وإقليمى له أهداف واضحة تتقاطع مع أهداف حلفائه، فتركيا تسعى بقوة لمنع سيناريو استقواء الأكراد وانفصالهم وتشكيل دولة تمثل تهديداً لمسلمات الأمن القومى التركى تاريخياً وهو ما يتقاطع مع رغبة الحليف الأمريكى فى التعاون مع الأكراد لتأمين ظهير عسكرى قوى فى مواجهة "داعش" ومنع سقوط الثمرة الكردية كاملة فى "سلة" الروس الاستراتيجية. بالتوازي، فإن السعودية والحلفاء الخليجيين يسعون بوضوح للتدخل على الأرض من أجل منع دمشق من اكتساب المزيد من القوة على حساب فصائل المعارضة المسلحة بفضل الدعم الجوى الروسى ، وهو التدخل الذى قد ينتهى إلى خسارة الحليف المصرى فى المسألة السورية, وبالتالى تأثيره على جميع الملفات الأخرى للأمن القومى العربى الذى يقوده حلف الاعتدال الذى أعادت تشكيله ثورة 30 يونيو. ومن هنا جاء استهداف السعودية والخليج لحزب الله أولاً كقوة مؤثرة على الأرض فى سوريا بهدف الحفاظ على المشترك الرئيسى للحلف الراهن. وعلى الطرف الآخر، فإن إيران تسعى لزيادة نفوذها فى سوريا عبر ميليشيات الحرس الثورى و"حزب الله" إلى جانب دعم الجيش السوري، ولكن فى الوقت نفسه ترى أن الورقة السورية مهمة لاستخدامها فى التفاوض مع الولاياتالمتحدة والغرب بشأن مستقبل الاتفاق النووى وتطبيع العلاقات الاقتصادية، وهو ما يتقاطع مع الحسابات الروسية التى تعتبر سوريا ساحة قتال رئيسية لإعادة التوازن الدولى فى الشرق الأوسط الذى عصفت به ثورات "الربيع العربي" وخسارة دول مهمة فى المنطقة لصالح الولاياتالمتحدة. أما أمريكا فالأمور فى واشنطن أكثر تعقيداً، فهناك الغطاء الرئيسى للتدخل وهو "الحرب على الإرهاب" والقضاء على "داعش"، وهو الغطاء الذى يجعل أمريكا لا تستطيع الوقوف صراحة ضد القصف الروسى على مواقع التنظيم الإرهابي"، وفى نفس الوقت يجعلها حليفة للأكراد أعداء أنقرة ولا تستطيع الرهان على إسقاط فورى للنظام السورى الذى تدرك جيداً أنه الضمانة الوحيدة لعدم سيطرة "داعش" على مساحات أوسع من الأراضى السورية. وسط هذه "المتاهة" والتعقيدات تخرج مصر بموقف يقوم على أساس أن وحدة الكيان السورى هو "خط أحمر"، هذا الخطاب يستدعى العديد من التفسيرات أهمها أن مصر تسعى للتأكيد على رفضها لسيناريو التقسيم المطروح بقوة فى الوقت الراهن والذى يحظى بدعم مجموعات مؤثرة فى البيت الأبيض والكرملين وعدد من دول الخليج، وفى نفس الوقت تسعى القاهرة إلى التأكيد على مساحة التباين مع الحلفاء الخليجيين، فيما يرفض الخطاب تأكيد الدعم المطلق للنظام السورى الحاكم لمنع انهيار التوافق الراهن مع الحلفاء، مع عدم خسارة الحليف الروسي. إن الوضع فى سوريا، لا يحتاج فى اللحظة الراهنة تحديد الخطوط النهائية، بل التعامل مع تفاصيل "المتاهة" بهدف رئيسى هو فك تعقيدات وتشابك الأهداف بين الحلفاء على الجبهتين، فمفاوضات مارس المحتملة فى جنيف لن تأتى بجديد على الأرض، ولكنها ستظهر حجم التباينات والخيوط التى استغلالها من أجل وضع استراتيجية واضحة لمستقبل سوريا ضمن سياق دولة موحدة قادرة على البقاء وهو ما يتطلب تجسير الهوة بين السعودية وتركيا وإيران بشأن شكل النظام السياسى لهذه الدولة التى ستكون رغب البعض أم لم يرغب "دولة جديدة".