عندما يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي، كوريا الجنوبية أواخر الأسبوع الحالي، ضمن جولته الآسيوية الحالية، سيجد فى انتظاره بعض الكنوز القيمة التى يمكنها تغيير أحوالنا للأحسن على عدة أصعدة، شريطة أن نختار من بينها ما يناسبنا، وينهض بمجتمعنا المتلهف للتطور، والتحديث، وتحسين أحواله المعيشية وما يقدم له من خدمات. فكوريا الجنوبية برعت فى بناء نموذج يحتذى به فى الاستثمار بالمستقبل عبر ثلاثة اضلاع يكمل بعضها بعضا، هى التعليم، والتجفيف المتواصل لمنابع الفساد، وصناعة السعادة، وغنى عن البيان والتفصيل أن النظام التعليمى يعد كلمة السر ولا يزال وراء النجاحات والقفزات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية الهائلة فى الشطر الجنوبى من شبه الجزيرة الكورية، وذلك بفضل الحرص الدائم على تجويده وتحديثه حتى لا يصاب بالجمود والترهل، والعناية الفائقة بعموده الفقري، ممثلا فى المعلم الذى يُعتبر عصب النظام التعليمى وقلبه النابض، ويوقره ويجله الجميع، وكلمته مسموعة، ورعاية المبدعين والواعدين من الطلاب النابهين، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة للتعليم حتى فى أحلك أوقات الضائقة الاقتصادية والمالية التى تعصف بالكيانات الاقتصادية الكبرى بين الحين والآخر، ولك أن تعلم عزيزى القارئ أن كوريا الجنوبية تخصص سنويا فى ميزانيتها 29 مليار دولار للتعليم، و23 مليارا للبحث العلمي. وتشكل محاربة الفساد الضلع الثانى فى الوصفة الكورية للمستقبل، ويتم التصدى له بحسم وصرامة ودون استثناءات، فلا موقع للمجاملات والحساسيات، فمن يثبت بالدليل القاطع تلوث يده بالفساد لا يُرحم ويُعامل بقسوة تليق بفداحة الجريمة. وخلال النصف الثانى من العام الماضى استقال «لى وان كوو» رئيس الوزراء اثر إتهامه بتلقى رشوة قدرها 27 ألف دولار من رجل اعمال، عندما كان يخوض الانتخابات البرلمانية فى ابريل 2013، وعرضت على الرأى العام القرائن الدالة على صحة الاتهام منها خطاب كتبه رجل الاعمال الذى انتحر فور تفجر الفضيحة، ولقطات سجلتها كاميرات على بوابات الطرق السريعة تؤكد أن «وان كوو» ، الذى استقال بعد شهرين فقط من توليه رئاسة الوزراء، قابل رجل الاعمال 23 مرة، وتبادل معه 210 مكالمات هاتفية. هنا لا عاصم ولا شفيع من العقاب والمحاسبة، فالغاية سامية وتستحق، فتماسك البلاد مرهون بحمايتها من الفساد وكل ما من شأنه تشجيعه، وألا يكون هناك مسئول فوق النقد والمراجعة، وأن يعى المسئول أن عليه المحافظة على المال العام بحياته، وإن فكر فى المساس به، أو استخدمه فى غير محله فليتحمل ما سيتعرض له قانونيا وشعبيا. الشاهد على ذلك «تشو يوون سون» مساعدة الرئيسة للشئون السياسية التى اخفقت العام الفائت فى تمرير مسودة خطة لإصلاح نظام المعاشات لموظفى الدولة، وحينها تم توجيه انتقادات للرئيسة لأنها لم تحسن انتقاء مساعديها مع أن «يوون سون» قدمت كوجه مثالى لما يمكن للمرأة الكورية إنجازه، وتعد أول سيدة تشغل هذا المنصب. الضلع الثالث والأخير فى خريطة الاستثمار الكورى فى المستقبل يتعلق بصناعة السعادة، نعم صناعة السعادة، فأولو الأمر فى كوريا الجنوبية يسعون قدر طاقتهم لإشاعة السعادة والبهجة بين مواطنيها، ولا تستغرب هذا التكنيك فله مفعول السحر. فالدولة تحاول إشعار المواطن بالراحة فى جزئيات حياتية بسيطة، وتهيئ له أسبابها بحيث لا ينشغل ذهنه بالتفكير فيها، وتوجيه كامل تركيزه للعمل والانتاج، فهو ليس مهموما بكيفية الحصول على رغيف الخبز، ووسيلة مواصلات عامة آدمية، وكوب ماء نظيف، وبيئة نقية خالية من عناصر التلوث والقمامة، وارتفاع الأسعار دون أن يطرأ تغيير فى راتبه. ما سلف بديهيات، لكنها ليست وحدها المشكلة لركائز صناعة السعادة إذ يتضافر معها تغلغل النفوذ الكورى الجنوبى فى المحيطين الإقليمى والعالمى بواسطة آليات وأدوات القوة الناعمة لها تجربة فريدة بمقدورنا الاستفادة منها التى رجحت كفة الميزان لقوتها فى قطاع الصناعات الثقيلة. فجودة المنتجات الصناعية الكورية يضاهيها جودة منتجاتها الثقافية، فالدراما الكورية أصبح لها مكانتها وتنافس نظيراتها الهندية والتركية، ولك أن تحسب العائد من استقبال كوريا الجنوبية سنويا أربعة ملايين سائح صينى فقط يأتى معظهم لالتقاط صور فى مواقع تصوير المسلسلات الكورية، علاوة على نجاح سول فى إقامة منتديات علمية واقتصادية وتكنولوجية باتت محط متابعة وحرص على المشاركة من العاملين فى تخصصات عديدة، وأن تتحول كوريا لعاصمة التجميل، حيث يزورها ملايين الآسيويين والغربيين لإجراء عمليات تجميل، فوق هذا فإن كوريا الجنوبية من أكثر الدول التى تفتتح فيها مكتبات جديدة، رغم انتشار القراءة الالكترونية، فالكتاب المطبوع لم يفقد بريقه ولا سحره فى هذا البلد الآسيوى العريق. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي