كان ابن فرناس عالمًا وشاعرًا وفيلسوفًا أندلسيًا، أُطلق عليه لقب "حكيم الأندلس"، وقد أدخل صناعة الزجاج الشفاف من الرمال إلى الأندلس، وصمم ساعة مائية جديدة، كما بنى في بيته قبة سماوية احتوت على تصوير للسماء بالشمس والنجوم والكواكب. لكن أهم ما اشتهر به هو محاولته للطيران بأجنحة صناعية من ريش الطيور. يقال أن أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني ولد عام 194 هجرية فى "تاكُرنّا" بالأندلس لأسرة أصولها من الأمازيغ من موالي بني أمية، ونشأ في قرطبة ودرس بها. عاصر بن فرناس الأمراء الحكم بن هشام وابنه عبد الرحمن وحفيده محمد، وكان مقربًا منهم حتى أن عبد الرحمن بن الحكم اتخذه معلمًا له لعلم الفلك كما كان من شعراء بلاط الخلافة، واشتهر بصناعة الآلات العلمية الدقيقة، واخترع آلة صنعها بنفسه تشبه "الإسطرلاب" واستخدمها في رصد الشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتهاوأسماها "ذات الحلق" أجمع المؤرخون على أن بن فرناس كان أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة والرمل في الأندلس فانتشرت صناعة الزجاج هناك، وقد درس بن فرناس الطب والصيدلة واهتم بتصنيف خصائص الأمراض وأعراضها وتشخيصها وطرق الوقاية منها، وقد اتخذه أمراء بني أمية في الأندلس طبيبًا خاصا لقصورهم لشهرته وحكمته فى إرشاداته الطبية الخاصة بالوقاية من الأمراض، كما درس ابن فرناس الطيور وراقب الحبوب والأوراق المتساقطة من الأشجار، وريش الطيور والخفافيش، وقضى مايزيد عن عشرين عامًا لبناء آلة ليطير بها عبارة عن أجنحة مخيطة من الحرير والخشب وريش الطيور، وبعد أن أتم بناءها، اصطحب عددًا من الأصدقاء إلى قمة جبل خارج قرطبة، ثم قفز من أعلى الجبل في الهواء بآلته، وظل محلقًا مدة بسيطة، لكنه سرعان ما سقط سقوطًا سريعًا واصطدم بالأرض بسرعة وقوة، ذلك أنه حين صمم تلك الأجنحة نسي إضافة الذيل، فتسبب سقوطه فى تكسير عظامه وكان فى أواخر الستينيات من عمره، وظل يعاني من الآلام بقية حياته التي استمرت ما يقرب من إثنى عشرة سنة بعد هذه الحادثة حتى وفاته عام 274هجرية الموافق 887 ميلادية في أواخر عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن الأموى الأندلسي. بعد أن ذاع صيت ابن فرناس باختراعاته التي سبقت عصره، اتهم ابن فرناس بالكفر والزندقة، وعقدت محاكمته بالمسجد الجامع أمام العامة، ويروى المؤرخ المصري محمّد عبدالله عنان في كتابه "تراجم إسلامية شرقية وأندلسية"، قصة محاكمة عباس بن فرناس بتهمة الزندقة والكفر، وكتب أنه نقل هذه القصة من قطعة مخطوطة من تاريخ ابن حيّان حصل على صورتها من مكتبة جامع القرويين بفاس. وجاء في هذه القصة "أن ابن فرناس قد اعتقل وقدّم للمحاكمة أمام قاضي قرطبة سليمان بن أسود الغافقي الذى تولى القضاء فى عهد الأمير محمد بن عبدالرحمن الأموى، وانعقدت جلسة المحاكمة بالمسجد الجامع، وهرع الناس لمشاهدتها، واجتمع حشدٌ من العامة للشهود عليه، ومن أقوال الشهود، قول أحدهم: سمعت ابن فرناس يقول "مفاعيل مفاعيل" أى أعمال سحر، ومنهم من قال "رأيت الدم تفور من قناة داره ليلة ينير" أى أنه رأى الدماء تسيل من مجارى منزله والقمر بدراً، إلى غير ذلك مما يصفه ابن حيّان "بأحموقات من اغتراء شهود عليه ذوي جهل وقدامة" وكان القاضي سليمان بن أسود، بالرغم من صرامته، ذهناً مستنيراً، فلم ترقه تلك الترّهات، ولم يجد فيها طائلاً فشاور جماعة الفقهاء، فيما قيّد منها، ولم يجد سبيلاً إلى مؤاخذة ابن فرناس، فقضى ببراءته وإطلاق سراحه. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود