نصت استراتيجية العلوم والتكنولوجيا اليابانية خلال القرن الحادى والعشرين على أهمية إعداد المواطن القادر على التفكير بصورة فردية مستقلة. ويتصف هذا المواطن بالرحمة، وبامتلاكه عددا كبيرا متنوعا من القدرات ومن القيم الخلقية، وبقدرته على التقويم النقدى للسياسات فى ضوء معايير الحضارة اليابانية والحضارة الإنسانية. وتنظر هذه الاستراتيجية إلى العلوم والتكنولوجيا باعتبارها أداة فعالة لتحقيق أهداف الأمة اليابانية. وبالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الاستراتيجية إلى بناء أمة عظيمة تكسب ثقة الدول الآسيوية . وبهذا تركز هذه الاستراتيجية على الشخصية القومية من خلال تعلم الفنون اليابانية والعلوم الحديثة وأهمية الاهتمام بالبيئة وبالإنسان، وبناء مجتمع يقوم على هذا الطابع القومى . وبعبارة أخري، فإن هدف هذه السياسات هو بناء أمة نموذجية تقتدى بها الأمم الأخرى وفى نفس الوقت تلبى احتياجات البيئة والاقتصاد. ويعتبر التصنيع أحد العوامل الرئيسة لازدهار الاقتصاد اليابانى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . وقد شكل القطاع الصناعى 21% من الناتج المحلى الإجمالى اليابانى فى عام 2004. و وبلغت الصادرات الصناعية اليابانية ما يعادل 510 مليارات دولار أمريكى فى عام 2006. وفى حين كان يوجد 470 ألف مؤسسة صناعية فى اليابان فى عام 2005، كان هناك أكثر من 350 ألف مؤسسة صناعية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى عام 2002. وتتضح قوة الإنجازات اليابانية عندما نعود بالذاكرة إلى عام 1945 فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث عبر أحد التربويين عن التالى نظراً للعجز فى أعداد المعلمين فى مقاطعة أواتى ظلت إحدى المدارس مغلقة. وتبعد المدرسة المفتوحة مسافة 36 كيلو متراً عن أقرب محطة للحافلات ويعنى ذلك أنه فى غياب الحافلات يجب أن يمشى التلاميذ لمدة يوم كامل للوصول إلى المدرسة. وبالإضافة إلى العجز فى المعلمين لا يوجد أى أطباء فى القرية. ومن ثم، لا يوجد من يرعى صحة التلاميذ. وحتى إذا تم توفير المعلمين فلا يوجد سكن للمعلمين فى القرية، وأهل القرية ليسوا مستعدين لتوفير سكن للمعلمين. ونظراً لوقوع المدرسة فى واد عميق فإن أشعة الشمس لا تصل إلى مبنى المدرسة من شهر ديسمبر إلى شهر مارس. ونظراً لقدم المدرسة وصغر حجم النوافذ بها، فلا يمكن ممارسة أية أنشطة بعد انتهاء اليوم الدراسي. وعلى الرغم من احتياج المدرسة إلى الوقود لإنارة مصابيح المدرسة، فإن هناك عجزا كبيرا فى الوقود. ومن ثم، لا تسمح مصابيح المدرسة القليلة بقراءة الصحف بعد غروب الشمس. ومن بين 10 معلمين يعملون فى القرية لا يمتلك سوى الناظر مؤهلاً تربوياً. وقد تخرج المعلمون التسعة المتبقون من المرحلة الابتدائية فقط. ويوضح هذا الوصف الأوضاع الصعبة التى كانت عليها المدارس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من كل هذه الصعوبات فقد ازدهر الاقتصاد اليابانى وتفوق على غيره. ويرجع هذا التفوق الصناعى إلى الاهتمام بجودة التعليم وخاصة فى مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الثانوية. ولعل من أبرز عناصر القوة فى نظام التعليم اليابانى مرحلة رياض الأطفال. ويطلق التربويون اليابانيون على فلسفة التعليم فى مرحلة رياض الأطفال النظرية الموجهة لرعاية الأطفال أو مدخل الرعاية الحرة للأطفال وتعليمهم. وقد نص التعديل الذى تم فى عام 1989 على فلسفة التعليم فى مرحلة الطفولة المبكرة: وترتكز هذه الفلسفة على المبادئ التالية: أن يستفيد الأطفال الاستفادة القصوى من إمكاناتهم، وأن ينمو الأطفال فى ظل إحساسهم بالحرية. أن ينمو الأطفال من خلال تفاعلهم مع الأشياء ومع الأفراد الموجودين فى بيئة رياض الأطفال. أهمية التفاعل الحر للأطفال مع البيئة المحيطة بهم؛ وهو ما يطلق التعلم القائم على البيئة. أن يكرس المعلم نفسه لخدمة تلاميذه من خلال تهيئة البيئة لتسهيل حدوث التعلم، ومن خلال مساعدة التلاميذ بصورة مباشرة. أن العلاقة القائمة على المودة والتعاطف بين التلميذ والمعلم هى أساس التعلم. تدريب الأطفال على العمل والتعلم فى جماعات صغيرة العدد تتراوح بين طفلين أو ثلاثة أطفال. يتم تعلم الأدوار والعلاقات المختلفة وفقاً لأهميتها فى الحياة العملية الواقعية. ويعمل المعلم على تسهيل اكتساب الأطفال القيم الموجودة فى الكتب الدراسية. ويركز التعليم فى مرحلة الطفولة المبكرة على التعلم من خلال ممارسة الأنشطة. وتقوم الأنشطة على لعب الأدوار والتعلم من خلال اللعب. وتكون هذه الألعاب مشتقة من الحياة اليومية المعيشة. وبالإضافة إلى التعلم من خلال اللعب، تركز المناهج الدراسية على الأنشطة التعليمية المنتظمة التى تتناول موضوعات مثل: الطبيعة، ومفاهيم الأرقام، والأحجام، والهندسة، واللغة اليابانية، والرسم، والموسيقي. وتنمو شخصية الطفل من خلال التعلم من خلال اللعب وكذلك من خلال الأنشطة التعليمية المنتظمة. وإذا نظرنا إلى التعليم الثانوى اليابانى نجد أن 98% من التلاميذ مقيدون بالمرحلة الثانوية، وأن 94% من هؤلاء التلاميذ يدرسون بدوام كامل. وتعتبر معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوى فى اليابان من أعلى المعدلات العالمية. ولا يسبق اليابان فى هذا الصدد سوى كوريا الجنوبية التى تبلغ معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوى بها 99.9%. ويعنى هذا أن اليابان تتفوق على ألمانيا وفرنسا وأمريكا والمملكة المتحدة التى تبلغ معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوى بها 96% و95% و90% و89% على الترتيب. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 99% من الشعب اليابانى يستطيعون القراءة والكتابة بتمكن؛ وهو إنجاز لا يمكن إنكاره خاصة فى ظل الصعوبة البالغة للغة اليابانية. ويقدر الخبراء التربويون مستوى خريجى المدارس الثانوية اليابانية بنفس مستوى خريجى المعاهد فوق المتوسطة الأمريكية. أى أن الطالب اليابانى يسبق نظيره الأمريكى بعامين دراسيين كاملين. وترجع كل هذه الإنجازات إلى ارتفاع جودة النظام التعليمى اليابانى الذى يحفز جميع التلاميذ على التعلم، وجودة المناهج الدراسية، والعلاقات الحميمية القوية بين المعلمين والتلاميذ، وتأكيد أهمية بذل الجهد، والمشاركة الإيجابية لأولياء الأمور فى رعاية التلاميذ. إن أهم درس يمكن أن نتعلمه من النظام التعليمى اليابانى هو: أن الفقر وندرة الموارد المالية ليست عائقاً يحول دون تحقيق التنمية البشرية إذا توافرت الإرادة والتصميم والإصرار والمثابرة والعمل الدءوب.