الولايات المتحدةالأمريكية التي دفعت حلفاءها في الشرق الأوسط لخوض غمار صراعات المنطقة بأنفسهم لتخفيف العبء عليها وعدم تحميلها مسئوليات لم تعد بقادرة علي النهوض بها وحدها, تتلقي محاولة معاكسة حاليا من الحلفاء لجرها نحو الصراع المباشر وتبني ورعاية مغامرة اجتياح الشمال السوري بريا. وبينما يحرص الأتراك علي الإشارة إلي أن التحرك الأخير تحت مظلة الأطلسي وبمباركة التحالف الدولي, تحرص أمريكا التي لم تستطع تغيير النظام وإسقاطه وتصعيد موالين لها للسلطة علي مدي خمس سنوات علي النفي وعلي تأكيد شراكتها مع روسيا في مواجهة الإرهاب, لا شراكتها مع تركيا في مواجهة الأسد. الولاياتالمتحدةوروسيا تدركان جيدا أن فشل التسوية السياسية بعد التدخل الروسي ينذر بحرب بينهما بالوكالة دونما رؤية مشتركة للحل بالدخول في مفاوضات غير مشروطة في ظل تفوق نوعي لسورياوروسيا انطلاقا من صمود النظام وفشل إسقاطه عسكريا علي مدي سنوات, وهو ما أعطاه دعما معنويا وأوراقا للضغط خلال المفاوضات السياسية, ولذلك كان التفاوض بدءا من فيينا1 علي الفترة الإنتقالية ومداها الزمني والضغط من جانب أنقرة والرياض لتقصيرها, وليس علي مبدأ رحيل الأسد عن السلطة, ومع التفوق النوعي الميداني للجيش السوري في الجنوب والشمال تعزز موقف السلطة السورية وروسيا في المفاوضات وضعف موقف المعارضة. ومع التدخل التركي البري المتأخر لوقف هذا الانهيار طالبت موسكوواشنطن بلجم حليفها الذي يزعم أنه يتحرك بدعم أمريكي, وعندما تدعو الولاياتالمتحدةتركيا بالتوقف ولا تنصاع; فهي إذن بين احتمالين: إما أنها بالفعل تحت السيطرة الأمريكية وتقوم بخطة حرب متفق عليها يعلن خلالها الساسة خلاف ما يجري علي الأرض, وهو ما ينذر بمواجهات شبه كونية وحرب عالمية مدمرة وشاملة علي المدي المنظور, أو أن تكون تركيا تحت ضغط الإحباط والهزائم قد خرجت من السيطرة وتقوم بتحركات هائجة منفردة كمحاولة يائسة أخيرة لإحراز انتصار خيالي يحفظ ماء وجهها ويبقيها في المشهد فترة إضافية, في ظل التعاطي الغربي المختلف مع إيران والأكراد والسلطة السورية, ليندفع أردوغان منتقدا أمريكا إن سياستكم حولت المنطقة إلي بركة دماء, وهو السيناريو الذي يجعل المواجهات القادمة في حدود مناطق الحسم في الشمال السوري بين تركيا والجيش السوري مدعوما من روسيا في سبيل تحسين الوضع التفاوضي لا أكثر. مع تعاظم الخطر الإرهابي علي العالم لا يلتفت الكثيرون اليوم لخطورة تحركات إيران ومطامحها ويقل الإهتمام بإزاحة الرئيس السوري من السلطة, ليصبح الخطر الأكبر والعدو الذي يجب أن تتوحد ضده جميع الجبهات هو خطر داعش, مع ترسخ قناعة لدي الغرب بأن روسيا خلقت واقعا جديدا في سوريا كما قال السناتور الأمريكي جون مكين الذي يشارك في مؤتمر ميونخ الأخير: روسيا تمضي قدما في عملها العسكري وتخلق حقائق جديدة علي الأرض ثم تتفاوض علي اتفاق يضمن لها غنائم الحرب. يبدو أن هذه المعطيات والمستجدات يستعصي علي الأتراك تفهمها وقبولها, وفي حين راهنت روسيا علي أن العرب ودول المنطقة قد وعوا دروس اللعب مع أمريكا منفردة, بل أمريكا ذاتها قد وعت الدرس, تسعي بعض دول المنطقة لتبدو كأنها قادرة علي تلقين الغرب عقاب التخلي عنها وفي نفس الوقت تأديب روسيا وإلحاق الهزيمة بالمحور الشرقي, وهذا بحسابات الواقع مجرد أضغاث أحلام. الأوضاع ميدانيا وسياسيا مؤخرا لم تكن في صالح حلفاء واشنطن حيث دعم الرئيس السوري سياسيا ودعم الجيش السوري عسكريا وميدانيا, وأيضا إنهاك داعش وهزيمته الذي يعتبره أردوغان أحد أهم أدواته في مواجهة الأسد والجيش السوري, وهو ما يعني تغيير موازين القوي وتوجيه الأهداف العامة إلي مسارات تقلل من قيمة اعتماد الولاياتالمتحدة وحلف الأطلسي علي تركيا, وأول تلك المسارات, وأهمها توحيد القوي الدولية والإقليمية للحرب علي الإرهاب ومباشرة ذلك بجدية وفعالية علي الأرض لينتج في النهاية واقع جديد يخصم كثيرا من دور تركيا في المنطقة, وتري المملكة السعودية أنها مدفوعة دفعا لتلك المواجهة للحد من النفوذ الإيراني. مصادر عسكرية وصحفية روسية نقلت لوكالة سبوتنيك أن هناك مفاجآت عسكرية روسية تنتظر تركيا علي الحدود السورية التركية, وأن هناك ترقبا لبدء إطلاق عملية واسعة النطاق باستخدام صواريخ إسكندر الشرير المرعبة بالتزامن مع عمليات إنزال بري وبإسهام مقاتلات سورية جوية تشترك للمرة الأولي في الحرب, وبحسب الخبير العسكري الروسي كونستانتين سيفكوف أنقرة تجهز لعمليات كوماندوز في حلب, تتخللها هجمات علي خطوط الوحدات العسكرية السورية وحلفائها, مشيرا إلي أن كل خطوط الإمداد للميليشيات المسلحة في سوريا المدعومة من تركيا باتت تحت السيطرة النارية الروسية, بينما تواترت معلومات صحفية روسية عن مسئولين في وزارة الدفاع الروسية تؤكد تلقيهم أوامر بقصف أهداف وبني تحتية حيوية داخل تركيا إذا ترجمت تهديدها بتنفيذ عملية عسكرية برية في سوريا, وأكد الناطق باسم أسطول الشمال الروسي أن العمليات العسكرية البرية والجوية القادمة في سوريا ستكون صادمة, فضلا عن أن إيران شغوفة بهذا التدخل السعودي لجر السعودية إلي حرب استنزاف تخسر معها ما حققته في اليمن حيث تظل كفة إيران وحلفائها راجحة في سوريا. المملكة العربية السعودية لم تكن بحاجة إلي هذا التحرك الأخير بجانب تركيا التي تبحث عن إنقاذ مشروعها مع الإسلام السياسي والغرب وثاراتها في مواجهة الأكراد بمهاجمة دولة عربية واستنزاف جيشها, وكان ما تحقق إقليميا في مواجهة النفوذ الإيراني كافيا لتعزيزه بالمناورات والمفاوضات السياسية قبل أن تحظي إيران في سوريا بفرصة ذهبية لمحاولة إضعاف المملكة إقليميا والإجهاز علي ما حققته طوال السنوات الماضية, بينما سيصب هذا التطاحن الشيعي السني الأيديولوجي في مصلحة الغرب وإسرائيل. لمزيد من مقالات هشام النجار