لا شك في أن انتخابات عام2016 البرلمانية التي ستشهدها إيران يوم الجمعة المقبل تضعها علي أعتاب مفترق تاريخي بسبب العديد من العوامل المتداخلة والمختلفة عن سابقاتها التي تزيد من الوضع توترا واشتعالا. ولا يرجع هذا إلي الخلاف المعتاد بين التيارين الإصلاحي والمتشدد فقط في إيران, بل أيضا إلي سوء الوضع الاقتصادي, كما أنها أول انتخابات تعقد في إيران ما بعد الانفتاح علي الغرب وتوقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها. وتأتي هذه الانتخابات أيضا وسط أنباء تتردد بقوة حول صحة المرشد الأعلي علي خامنئي, وأن طهران قد تكون بصدد تحضير البلاد والعالم للانتقال لمرشد أعلي ثالث. ومع بدء محاولة جديدة للشعب الإيراني لقراءة مستقبل البلاد خلال السنوات العشر المقبلة من خلال هذه الانتخابات, فإن حلفاء الرئيس حسن روحاني, صاحب النهج البراجماتي الذي دعم موقفه الاتفاق النووي مع القوي العالمية, يأملون في اكتساب نفوذ جديد. وقد أدي الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه العام الماضي إلي رفع عقوبات دولية معوقة كانت مفروضة علي إيران, الأمر الذي أطلق الآمال في تحسن الوضع الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة لكثير من الإيرانيين. ورغم ذلك, فالإصلاحيون المعتدلون ما زالوا يلقون صعوبات بسبب تحركات المتشددين المعتادة لقطع الطريق علي المرشحين المعتدلين وعدم تحقيق ما وعد به روحاني نفسه من إصلاحات عند انتخابه رئيسا للبلاد عام2013. كما أن إمكانية الانفتاح علي العالم, وكذلك تزايد شعبية روحاني أزعج المتشددين من أنصار الزعيم الأعلي آية الله علي خامنئي وتصاعد الخلافات السياسية داخل هياكل السلطة في إيران, واستأنف المتشددون تحركاتهم من داخل مجلس صيانة الدستور الذي يتولي فحص المرشحين والقوانين, والذي شطب الآلاف ممن تقدموا بطلبات الترشح, وكان أغلب هؤلاء من المعتدلين, ومنعهم من خوض الانتخابات البرلمانية, كما منع ما يقرب من80% من المرشحين المتقدمين لخوض انتخابات مجلس الخبراء التي تجري في اليوم نفسه لانتخاب من سيتولي اختيار خليفة خامنئي البالغ من العمر76 عاما. وفي الوقت الذي تتركز فيه الأنظار علي ال290 مقعدا في مجلس الشوري, ممثل السلطة التشريعية في الجمهورية الإسلامية والذي يسيطر المحافظون المتشددون علي أغلب مقاعده منذ سنوات, يجري في الطرف المقابل, شن معركة أخري أكثر أهمية, وهي معركة علي ال88 مقعدا في مجلس الخبراء. ومجلس الخبراء, وهو هيئة دستورية من أبرز صلاحياتها تعيين المرشد الأعلي ومراقبة أدائه, ستتميز انتخاباته بأنه ستكون لها عواقب أكثر أهمية علي الطريق, حيث يظل أعضاؤه المنتخبون لمدة8 سنوات أي حتي عام2024. ومن المرجح أن يصبح خامنئي, وفق حالته الصحية, عاجزا, وربما يفارق الحياة, قبل نهاية هذه المدة, ولكن حتي إذا خسر حلفاء خامنئي من المتشددين في هذا السباق فسيظل الزعيم الأعلي صاحب السلطة المطلقة في الشئون التي تتعلق بالدولة, بينما يتغير الرؤساء والنواب طوال الوقت. وللزعيم الأعلي نفوذ كبير وسلطة دستورية علي الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية في نظام الحكم وكذلك الجيش والإعلام, لذلك يسعي المعتدلون إلي أن تكون لهم كلمة مسموعة أيضا في اختيار خليفة خامنئي من خلال الفوز بمزيد من المقاعد في مجلس الخبراء. وفي خطوة ربما كانت تهدف إلي الحفاظ علي هيمنة المتشددين علي مجلس الخبراء, وافق مجلس صيانة الدستور علي166 مرشحا فقط من بين801 تقدموا بأوراقهم. ومن بين من رفض ترشحهم لخوض انتخابات مجلس الخبراء حسن الخميني حليف روحاني وحفيد آية الله روح الله الخميني الزعيم الراحل لثورة1979 الإيرانية. ولذلك, يتوقع الكثير من الخبراء في هذا الشأن, أن تكون نتائج الانتخابات لصالح المتشددين علي الرغم من التأييد الساحق للمرشحين الإصلاحيين والمعتدلين, علي الرغم من الدعم الشعبي الكبير للاتفاق النووي والانفتاح علي الغرب, ناهيك عن أن المحافظين يرون أن استبعاد بعض المرشحين وتجميع الأصوات في بعض المناطق سوف يضمنان تحقيق الأغلبية لأنصارهم. ولا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي, حيث أدي انتخاب روحاني في يونيو2013 إلي برنامج إصلاح اجتماعي وسياسي واقتصادي يتعرض حاليا لمقاومة شديدة من الأجنحة المتشددة داخل المؤسسات الدينية والأمنية. ولا شك في أن الأيام القادمة ستكون علي درجة عالية من الأهمية بالنسبة لإيران, وأيضا بالنسبة إلي المنطقة والعالم. ولن يكون لنتيجة الانتخابات البرلمانية أثر كبير علي السياسة الخارجية في إيران, لكنها ستعزز نفوذ الفئة المنتصرة في الانتخابات الرئاسية التي تجري العام المقبل. وكما توقعت وكالة رويترز للأنباء, فإنه فمن الممكن أن يعزز البرلمان سلطة روحاني في تنفيذ إصلاحات اقتصادية لفتح البلاد أمام حركة التجارة والاستثمارات الخارجية. كما أن بوسعه مساعدة الحكومة في تنفيذ برنامج سياسي يهدف إلي توسيع نطاق الحريات الاجتماعية والاقتصادية كما وعد روحاني في حملته الانتخابية الرئاسية, ليحقق بذلك ما يأمل فيه المعتدلون في أن تترجم الفوائد الاقتصادية والسياسية للاتفاق النووي إلي أصوات لحلفاء روحاني في الانتخابات. لكن علي الجانب الآخر, فإن العديد من الناخبين, وبخاصة النساء والشباب ممن علقوا آمالهم علي روحاني في تحقيق تغيير اجتماعي وتوسيع نطاق الحريات, اكتشفوا, حسب تعبير رويترز' أن وعوده لم تتحقق حتي الآن'.. وربما يرفضون دعم مرشحيه!