هل هناك من يسعى لمحاكمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما الحاصل على نوبل للسلام كمجرم حرب؟! فى مساء أحد أيام الأسبوع الأول من فبراير 2016 ظهر فيديو على جدران مبنى 29 فى شارع بولشوى برونوى بالعاصمة الروسية موسكو حيث يوجد مطعم "ماكدونالدز"، ثم ظهر على جدران مبنى سكنى بالقرب من السفارة البريطانية. ثم نشر الفيلم على موقع يوتيوب. كان الفيلم القصير المجهول المصدر يدعو إلى محاكمة الرئيس أوباما فى محكمة لاهاى. وأظهر الفيلم الرئيس الأمريكى يأكل أعلام سوريا، وأوكرانيا، وليبيا والعراق وأفغانستان قبل أن ينتهى الفيلم بعبارة "أوباما القاتل". كان بالإمكان إعتبار الواقعة شكلا من أشكال الإحتجاج على السياسات الأمريكية من قبل الروس أحد أبرز منافسى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى العالم بوجه عام وفى الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ولكن الأمر تطور فى يوم 8 فبراير 2016 عندما دعت عريضة نشرت على صفحة البيت الأبيض الإلكترونية إلى محاكمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما كمجرم حرب أمام محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى بهولندا! لقد أصبحت محاكمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما كمجرم حرب مطلبا لدى الأمريكيين حيث دعا التماس نشر على صفحة البيت الأبيض الإلكترونية إلى محاكمة الرئيس الأمريكى باراك أوباما كمجرم حرب، متضمنا أن المحاكمة يجب أن تجرى فى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى بهولندا. ويعتقد صاحب الالتماس أن أوباما مذنب بارتكاب جرائم فى حق مواطنين أمريكيين، وفى حق مواطنين من جميع أنحاء العالم أيضا. وأورد صاحب الالتماس أن معتقل جوانتانامو بكوبا والتدخل العسكرى فى ليبيا للإطاحة بالقذافى كحجتين من الحجج الرئيسية التى تؤيد ما جاء بالعريضة، حيث كتب: "جوانتانامو، أحد أسوأ السجون فى التاريخ ما زال مفتوحا، وليبيا تم تدميرها نتيجة عدوان أوباما". كما نبه صاحب العريضة إلى تصرفات الولاياتالمتحدة فى سوريا، وكتب حول هذا الأمر أن "عملاء أوباما يدربون ويمولون ويشكلون مجموعات إرهابية ثم يدعون كذبا أن تلك الجماعات ماهى إلا "معارضة معتدلة"، بينما هى، إلى جانب أمور أخرى، على علاقة بتنظيم "القاعدة " المتورط فى جرائم ضد الشعب الأمريكى". وتناولت العريضة أيضا عمليات جمع المخابرات الأمريكية لبيانات خاصة بالمواطنين على مدار 24 ساعة بحجة مكافحة الإرهاب، وإستخدام أدوات المتابعة الإلكترونية ضد السياسيين غير المرغوب فيهم وهو ما يمثل "الدهس" الفعال على حق الخصوصية الخاص بالأمريكيين. وقد تم نشر العريضة بدءا من يوم الثلاثاء 8 فبراير 2016 على الموقع الإلكترونى للبيت البيض مقر الرئاسة الأمريكية وجمعت حتى كتابة هذه السطور 7747 صوتا لصالح العريضة. ووفقا للقواعد المعمول بها تحتاج العريضة لجمع 100 ألف صوت حتى يوم 9 من مارس 2016 ليتم النظر فيها بشكل رسمى من قبل البيت الأبيض. وعلى الرغم من خطورة العريضة المطروحة ودلالتها العميقة فإن الإقبال على التصويت يبدو ضعيفا حتى الآن مقارنة بباقى العرائض الأخرى المطروحة. فعلى سبيل المثال لا الحصر حصلت عريضة «إرفعوا العقوبات عن السودان لأنها تقهر الفقراء وتقتل الأبرياء» التى تم تقديمها يوم 16 يناير الماضى على 78650 صوتا عند كتابة هذه السطور، وهناك عريضة حصلت على أكثر من 318ألف صوت وتم تمريرها بالفعل وتطالب أوباما بالظهور فى برنامج تليفزيونى يحمل إسم «ريال تايم» وذلك لتحية بيل ماهر مقدم البرنامج فى عيد ميلاده الستين! ويمكن إرجاع ضعف التصويت إلى عدة أسباب أولها أن أوباما سيخرج من السلطة بعد أقل من عام، وثانيا لأن التركيز الإعلامى والجماهيرى منصب حاليا على العملية الإنتخابية والرئيس القادم الذى سيتولى الحكم، وثالثا لأن قضايا سوريا وليبيا وجوانتانامو لاتمثل عبئا مباشرا على المواطن الأمريكى بينما يتردد كثير من الأمريكيين فى التذمر من عمليات المراقبة والمتابعة الإلكترونية بعد أن تم تبرير الأمر عبر الساسة ووسائل الإعلام بملاحقة الدولة للإرهاب الذى يمثل مصدر القلق الرئيسى لدى رجل الشارع هناك فى ظل تنامى حوادث القتل والعنف. وفيما يتعلق بجرائم الحرب بوجه عام فقد نظمت اتفاقيات جنيف التى عقدت على أربع مراحل من عام 1864 حتى 1949 الأعمال التى يتم تصنيفها كجرائم حرب. واعتبرت هذه الاتفاقيات المرجعية لتحديد ما إذا كانت الأعمال التى تجرى من قبل إحدى القوى التى تدخل فى حرب من جرائم الحرب. وتعتبر هذه الاتفاقية ملزمة بموجب القانون الدولى، وجرى على أساسها تعقب العديد من القادة العسكريين والسياسيين لمحاكمتهم إما محلياً أو فى المحكمة الجنائية الدولية التى تأسست عام 2002 وتختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية. وهناك أنواع رئيسية لجرائم الحرب هى : تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، الجرائم الموجهة ضد المدنيين كاغتصاب النساء والتعدى على الممتلكات الشخصية، التشغيل والتهجير القسرى، التعذيب والإبادة الجماعية. ومنذ نوفمبر 1970 دخلت اتفاقية "عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية" حيز النفاذ والتى تنص فى مادتها الأولى على مايلى : "لا يسرى أى تقادم على الجرائم التالية بصرف النظر عن وقت ارتكابها: (أ) جرائم الحرب الوارد تعريفها فى النظام الأساسى لمحكمة نورمبرج العسكرية الدولية الصادر فى 8 أغسطس 1945، والوارد تأكيدها فى قرارى الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ فى 13 فبراير 1946 و11 ديسمبر 1946، ولا سيما "الجرائم الخطيرة " المعددة فى اتفاقية جنيف المعقودة فى 12 أغسطس 1949 لحماية ضحايا الحرب. (ب) الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء فى زمن الحرب أو زمن السلم، ..، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصرى، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها فى اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالاً بالقانون الداخلى للبلد الذى ارتكبت فيه." وأشارت المادة الثانية إلى من تنطبق عليهم الإتفاقية : "إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة فى المادة الأولى، تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلى سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة فى ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلى سلطة الدولة الذين يتسامحون فى ارتكابها". وفيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية فقد تأسست عام 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الاعتداء. وهى لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائى ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهى بذلك تمثل المآل الأخير، فالمحكمة الجنائية الدولية هى أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمى الحرب ومرتكبى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشرى. ويقع المقر الرئيس للمحكمة فى هولاندا لكنها قادرة على تنفيذ إجراءاتها فى أى مكان. وقد بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة أكثر من 121 دولة، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها أمريكا وهى من الدول التى تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة. وهكذا طرحت تلك المبادرة الشعبية الأمريكية الغامضة سؤالا مهما حول مستقبل الرئيس الأمريكى باراك أوباما وتبعات سياساته ومدى تربصها به فى مرحلة ما بعد الخروج من السلطة عام 2017.