ما يميز مشاركة مصر فى القمة الإفريقية الأخيرة عما سبقها أنها شكلت محطة مهمة فى نقل العلاقات المصرية الأفريقية من مرحلة العودة الطبيعية إلى القارة بعد الشوائب التى أصابتها قبل ثورة 25 يناير والموقف الأفريقى من ثورة 30 يونيو، إلى مرحلة الانخراط فى العمل الأفريقى المشترك والمساهمة فى قيادته سواء على صعيد القارة أو على الصعيد الدولى. وتجسد الانخراط المصرى فى العمل الأفريقى في تمثيل مصر للقارة فى مؤتمر المناخ وترأسها لجنة رؤساء دول وحكومات الدول الإفريقية أمام مؤتمر باريس وتقديمها لمبادرتين مهمتين بشأن المناخ، وهما التوسع فى استخدام الطاقة المتجددة ومساعدة دول القارة على التكيف مع تداعيات التغير المناخى وأبرزها تزايد الانبعاثات الحرارية الضارة وضرورة مساعدة الدول المتقدمة لإفريقيا فى تقليل الآثار السلبية لها، كما حصلت مصر على عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقى، والذى يتزامن مع عضويتها غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، ويتيح لها ممارسة دور فاعل سواء فى الدفاع عن قضايا القارة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى المحافل الدولية، أو فى مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية المتزايدة أمام إفريقيا وعلى رأسها مشكلة الإرهاب المتنامى فى العديد من المناطق الإفريقية وتزايد نفوذ وتغلغل التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام فى نيجيريا وحركة شباب المجاهدين فى الصومال، وتزايد ثقافة التطرف الدينى، كذلك مشكلة استمرار الصراعات والحروب الأهلية فى العديد من دول القارة كالصومال وجنوب السودان وليبيا وبورندى وغيرها، وكلها تحديات تعيق انطلاق القارة صوب التنمية والتقدم وتحسين مستوى معيشة شعوبها، خاصة أنها من أغنى مناطق العالم فى الموارد البشرية والطبيعية الخام وهناك تسابق دولى محموم على إفريقيا فى العقد الأخيرة ويستهدف استنزاف موارد القارة أكثر منه مساعدتها فى تحقيق التنمية. وإذا كان الانخراط المصرى القوى فى إفريقيا قد ساهم فى توسيع دوائر السياسة الخارجية المصرية وإعادة ترتيب أولوياتها بحيث تكون الدائرة الأفريقية على رأس أولوياتها بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح والتحديات المشتركة، بعد الإهمال خلال عقود، فإن دفع العلاقات المصرية الإفريقية ينبغى أن يرتكز على أسس قوية ومتينة وتتمثل فى: أولا: أن ترتكز على مفهوم المصالح المتبادلة والنفع المشترك بينها فى جميع المجالات، وبعبارة أخرى ما الذى يمكن أن تقدمه مصر لإفريقيا وما الذى يمكن أن تستفيد منه مصر من القارة، فرغم أن العوامل التاريخية والجغرافية والثقافية تلعب دورا فى تقوية علاقات مصر بإفريقيا، إلا أن لغة المصالح هى الضامن لاستمرار وتطور تلك العلاقات، خاصة أن هناك مجالات واسعة من التعاون وتعظيم الفرص الاقتصادية والتنموية، فمن ناحية فإن إفريقيا تمثل سوق واعدة وواسعة، تبلغ المليار نسمة، للسلع والمنتجات المصرية والتى توائم مع مستويات دخول غالبية سكانها، فى ظل القيود الشديدة التى تفرضها الأسواق الأمريكية والأوروبية على تلك السلع لاعتبارات الجودة والملكية الفكرية، كما أن إفريقيا تمثل مصدرا مهما للمواد الخام الرخيصة التى يمكن الاستعانة بها فى مشروعات التنمية المصرية مثل محور التنمية فى قناة السويس، وكذلك اليورانيوم لاستخدامه سلميا فى المفاعل النووى المصرى المزمع انشاؤه فى الضبعة، إضافة لجذب الاستثمارات الإفريقية من جانب الدول الغنية كجنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال وكينيا، ولاشك أن زيادة التجارة والاستثمار يتطلب بدوره إنشاء شبكة طرق برية تربط بين مصر ودول القارة، ومن ناحية ثانية تستطيع مصر أن تساعد دول القارة فى تحقيق التنمية ودعم مجالات البنية الأساسية والصحة والتعليم والخبرات الفنية. ثانيا: مأسسة تلك العلاقات بحيث ترتكز على وجود مؤسسات متعددة تشمل الرئاسة وكل الوزارات المعنية، والمتابعة المستمرة من جانب جميع أجهزة الدولة لترجمة مشاركة الرئيس والاتفاقيات التى يبرمها مع القادة الأفارقة إلى خطوات ملموسة ومحددة على أرض الواقع، وإجراء عملية مراجعة دورية لمستوى تلك العلاقات والمشروعات ومعرفة ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه والتغلب على العقبات التى تواجهه أولا بأول، ولذلك تبرز أهمية إنشاء وزارة خاصة بإفريقيا وإنشاء لجان متخصصة فى التعاون مع إفريقيا للمتابعة والتنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة وكذلك مع القطاع الخاص، الذى يقع عليه دور كبير فى تفعيل التعاون الاقتصادى والتجارى بين الجانبين وإعطاء الأولوية للسلع الإفريقية مثل استيراد القمح واللحوم من أوغندا وأثيوبيا بدلا من استيرادها من مناطق أخرى، بما يوجد شبكة من المصالح المتبادلة. كما تبرز أهمية الجانب الشعبى والإعلامى والبرلمانى فى الترويج المصرى لفرص ومجالات الاستثمار الواعدة فى مصر أمام الاستثمارات الإفريقية وهنا يمكن إرسال وفود بشكل دورى من جانب البرلمان والإعلام ورجال الأعمال تحت مسمى «بعثة طرق الأبواب، لتعريف رجال الأعمال الإفارقة بفرص الاستثمار فى مصر، كذلك ضرورة أن يخصص الإعلام المصرى مساحات واسعة للشئون الإفريقية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لتغيير الصورة الذهنية التقليدية لدى المصريين عن إفريقيا. ثالثا: عدم التعامل مع القارة ككتلة واحدة، فأفريقيا تضم 54 دولة متباينة فى مستوياتها الاقتصادية والتنموية والسياسية، ولذلك ينبغى التعامل معها كخمسة مناطق رئيسية وتحديد أنماط التعامل التجارى والاقتصادى ومجالات الاستثمار وفقا لظروف وأوضاع كل منطقة. كذلك عدم اختزال العلاقة مع أفريقيا فى قضية مياه النيل وسد النهضة، بل تتجاوز ذلك إلى مجالات أوسع وأرحب. وإذا كانت مصر تلك رصيدا وأساسا قويا فى إفريقيا يعكسه دعم مصر فى تحرير دول القارة من الاستعمار، فإن مستقبل العلاقات المصرية الإفريقية يتطلب رؤى واستراتيجيات جديدة للبناء على الأساس وتحقيق المصالح المشتركة بين الجانبين. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد