كان المصريون منذ فجر التاريخ مضرب المثل والقدوة فى التمسك بالقيم النبيلة, والأخلاق السامية، وأدرك المصريون بفطرتهم النقية أن بقاء الدول واستمرارها مرهون بالتزام مواطنيها بالقيم الأخلاقية فى التعامل مع الآخرين، وأوجز أمير الشعراء احمد شوقى ذلك حين قال: ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت, فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا) . وفى ظل ما يعانيه المجتمع من انفلات أخلاقى وحالة الفوضى والعشوائية وانتشار ظواهر سلبية دخيلة على الشباب كالتراشق بالألفاظ النابية والجهل بالدين والتحرش والعنف والتدين المظهرى، والإدمان، وما نشهده من مشادات ومعارك وصلت إلى التعدى والتلاسن بألفاظ نابية عبر الفضائيات على مرأى ومسمع الجميع. تبدو الحاجة ملحة إلى استنهاض مؤسسات الفكر والثقافة والإعلام للتصدى لظاهرة الانفلات الأخلاقى التى يعانيها المجتمع. وطالب علماء الدين بمواجهة تلك الموجه الأخلاقية المتردية التى قد تعصف بالمجتمع إذا لم يتم تداركها، ومعالجتها سواء من المسئولين أو القائمين على وضع المناهج التعليمية من خلال إضافة مادة »الأخلاق« فى كل المراحل المختلفة ونشر الوعى وفرض مزيد من الرقابة الأسرية والتعليمية على سلوك الأبناء، مؤكدين أن معالجة هذا الانفلات الأخلاقى يحتاج إلى وقت وجهد من رجال الدين, والفكر , والمدرسة، والجامعة, ووسائل الإعلام, ومراكز الشباب، حتى لا تتوارثها الأجيال القادمة ويستشرى هذا الداء فى جسد الأمة بأكملها. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن حسن الخلق رغب فيه المولى تبارك وتعالى، بحسبانه سببا فى دخول صاحبه الجنة, وقرب موضعه فيها من النبى صلى الله عليه وسلم, فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: »إن من أحبكم إليّ وأقربكم منى منزلاً يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون«، ومما لا شك فيه أن برامج التعليم فى بلدنا ليس على خريطتها العتيقة منهجا لتدريس الأخلاق, ولا يظن ظان أن الدعوة إلى إدراج مادة بهذا المسمى, فهذا من السذاجة بمكان, ولكن الخلق تتنوع مادته بين النصوص الشرعية من الكتاب والسنة, التى تدرس ضمن مناهج التربية الدينية, وأحداث سير الأنبياء والرسل والصحابة ونحوهم من سلف الأمة, الذين جردوا أنفسهم للخير, وتفرغوا لتحقيقه. مكارم الأخلاق وشدد على ضرورة إعادة النظر فى مناهج التعليم كافة, لتتضمن برامجها ما يحض على مكارم الأخلاق، وعدم إغفال الشعر والنثر والأدب, الذى يتضمن الحض على مكارم الأخلاق, إلى غير ذلك من المصادر النظرية لتعلم الخلق الحسن, وما هو أهم من ذلك كله أن يكون حسن الخلق سلوكا يتشربه النشء من محيط الأسرة والشارع والمجتمع والإعلام, بالإضافة إلى السلوك الذى يمارس معهم فى محيط المدرسة أو المعهد الذى يتلقون فيه العلوم, وتلك منظومة كاملة, وأوضح أن دور الأسر تاه دورها الرقابى والتعليمى بالنسبة لأولادها, فى ظل اللهث وراء ماديات الحياة, ولذا فإنه فى ظل الانفلات الأخلاقى الذى فجعتنا مظاهرة من الصور الصادمة, التى رؤيت من سفهاء يشعلون النار فى لحية شيخ كبير, وآخر يبتهج بما صنعته يداه من تفاهات ليوزعها على حماة هذا المجتمع, الذى يدمى قلوبنا كل يوم ما يحدث لهم, وثالث .. ورابع .. فعالهم تنذر بانحدار أخلاقى شديد, والسؤال الذى يطرح نفسه, أليست برامج التعليم التى جعلت من مادة الدين التى تدعو إلى الخلق الكريم, مادة غير أساسية, وأنه لا ينبغى لأحد أن يهتم بتحصيلها, هى السبب الرئيسى فى ذلك؟ ويجب أن تكون هذه المادة وغيرها من المواد التى تغرس القيم والأخلاق والسلوك السوي, مواد أساسية يحرص على تحصيلها كل دارس, بحيث تتضمن مائدة شهية من نماذج الأخلاق الكريمة, وأن يختار لتدريسها صفوة المعلمين, لأن هذا النشء إذا لم يميز بين الخلق الكريم وغيره, فقد خسره المجتمع إلى الأبد, ولن يجدى فيه الإصلاح إذا بلغ مرحلة عمرية لا يجدى فيها ذلك. الأديان السماوية من جانبه أشار الدكتور رأفت عثمان عضو هيئة كبار علماء الأزهر، الى أن الأديان السماوية جاءت للتأكيد على الأخلاق الحميدة عند الفرد والجماعة والدولة، والشريعة الإسلامية ما هى إلا عقيدة ومعاملات وأخلاق فى الأساس، فالعقيدة فى مجملها هى حب الله واعتراف بالربوبية وحب الله الحقيقى يستدعى أن يكون الإنسان عاملا بما هداه الله إليه من تشريعات من أحكام سواء فى علاقته بالله أو مع سائر أفراد المجتمع لقوله تعالي: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). ولقد بين العلماء الارتباط الوثيق بين الإيمان والأخلاق كما أشار ابن القيم إلى أن النبى جمع بين تقوى الله وحسن الخلق وعلل هذا بأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وربه وحسن الخلق يصلح بينه وبين خلقه فتقوى الله تستوجب محبة الله وحسن الخلق يستدعى الناس إلى محبته، والأخلاق هى الآداب العامة الفاضلة التى يجب إن تحكم سلوك الجماعات والأمم والإفراد. وطالب بضرورة وضع مادة الثقافة الإسلامية من الابتدائى إلى الجامعة لبيان الأحكام التى تحض على مكارم الأخلاق والتى لها تأثير كبير فى تنشئة الأجيال على أساس متين وقوى يساعد على نشر الفضيلة والبعد عن الأخلاق السيئة والعنف والإرهاب والتطرف. كما طالب بتضافر جهود جميع الجهات من البيت والأسرة والمعلمين فى المدارس والجامعات لتوجيه سلوك الطلبة والبعد عن سوء الأخلاق وذلك للعمل على تقويم الأخلاق لقول الرسول الكريم:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). دور الإعلام وقال أن الإعلام بكل صورة المقروءة والمسموعة والمرئية له دور هام وحيوى فى تقويم سلوك الفرد وإصلاح حال المجتمع من خلال البرامج الهادفة والبعد عن الإسفاف، وكذلك فإن أئمة المساجد لهم تأثير هام وحيوى فى التأثير وإصلاح وتقويم الأفراد من خلال الخطب الهادفة والندوات النافعة، كما أننا بحاجة ضرورية وملحة إلى تدريس مادة الثقافة الإسلامية فى كل مراحل التعليم وذلك للقضاء على وقوع الشباب فى براثن الإرهاب والتطرف وسوء الأخلاق مع مراعاة وضع مناهج قوية وصالحة ونافعة وتنقيح القائمين على تدريس هذه المادة مع مراعاة أن يكونوا قدوة لتلاميذهم. ميثاق للأخلاق وحول ملامح هذه المناهج والمعايير التى يجب أن تقوم عليها، أوضح الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، أنه يجب أن تستمد هذه المناهج من القيم الإسلامية النبيلة، وسيرة النبى صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام التى وردت فى كتب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وعرض نماذج من الشخصيات التى تمثل القدوة للطلاب، وعن طريق سيرهم التى تحض على مكارم الأخلاق، كذلك إبراز النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى تدعو لكل خلق حسن، وتنهى عن كل خلق دني، خاصة السلوكيات السيئة مثل التنابذ بالألقاب والسباب والسخرية من الناس التى أصبحت سمة العصر، فقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: »إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق«، وقال كذلك: » ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء». من جانبه أوضح الدكتور احمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، انه سبق أن طالب منذ عدة سنوات بتدريس مادة الأخلاق فى المراحل الابتدائية والإعدادية بالإضافة إلى التركيز على الأخلاق فى السلوكيات العملية والحياتية فى المجتمع مع مراعاة فقه الواقع والمصالح، ومثال ذلك آداب الطريق وآداب المتعلم مع المعلم والانتماء للوطن والإخوة فى الله والإحسان إلى الجار. كما طالب بضرورة وضع ميثاق للأخلاق لأن ذلك يساعد بالضرورة على معالجة التطرف الفكرى والإرهاب فى بدايته من خلال أسلوب مبسط، وهذه المقررات المتدرجة فى علم الأخلاق تساعد على بناء مواطن صالح ومجتمع امن مصداقا لقول الرسول الكريم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وأن يكون المكون العلمى لمادة الأخلاق من خبراء أكاديميين وتربويين ذوى خبرة فى توصيف مواد تعليمية متوازنة لأن المجتمع أصبح الآن فى حاجة إلى انضباط أخلاقى وخاصة فى ظل الانفلات السلوكى الذى انتشر بصورة مفزعة نتيجة غياب الرقابة سواء بالبيت أو المدرسة. التربية الدينية ويلفت الدكتور محمد إسماعيل البحيرى، إمام وخطيب مسجد الزهراء بمدينة نصر، الانتباه إلى ضرورة أن تكون التربية الدينية مادة أساسية رسوب وناجح ولا تكون مادة فرعية لأنها أساس الأخلاق وتطوير مستوى مدرس المادة وان يكون قدوة للطلاب، وعدم استبدالها بحصص أكثر أهمية كما يرى بعض المدرسين مثل الرياضيات أو اللغات وذلك على العكس تماماً فمن المفترض أن مادة الدين من أهم المواد التى تعلم الأخلاق الحميدة والمعاملة الحسنة، لأنها تؤسس قيم وشخصية الفرد خاصة فى المرحلة الابتدائية حيث يتم غرس أما القيم الفاضلة أو السيئة فى الأطفال، لذلك فيجب على المدرس الذى يقوم بتدريس تلك المادة أن يؤسس أولاً على الأخلاق حتى يقوم بنقلها إلى تلاميذه.