تعود نشأة وظهور روابط الألتراس فى مصر ما بين عامى 2006م و2007م بتشكيل الألتراس الأهلاوى أولاً وتبعه الألتراس الزملكاوى «الوايت نايتس» متزامناً مع حالة الاحتقان الشديدة التى أصابت الحياة السياسية وانسداد الأفق السياسى وشيوع حالة الإحباط واليأس من التغيير بعد صدور التعديلات الدستورية المفصلة من أجل استمرار نظام مبارك وتوريث الحكم لنجله وبقاء الأحزاب وقوى المعارضة كما هى على هامش الأحداث بعيداً عن التأثير فى الشارع وفى صناعة القرار. انسدت المسالك أمام الشباب المصرى الذى كان يطمح فى تلك المرحلة فى فرص مشاركة حقيقية وفاعلة فى المشهد السياسى والشأن العام، ولم تقنع الحركات السياسية الجديدة بدورها هؤلاء الشباب لتبنيها مطالب محدودة ظلت دون سقف طموحه فى التغيير، فلم تستوعب طاقتهم وحماستهم الزائدة وطموحاتهم غير التقليدية. مشكلات البطالة والفراغ السياسى وهامشية أحزاب المعارضة وديكورية العمل الحزبى وجفاف الساحة الثقافية من نشاط مجتمعى متكامل وحقيقى مرتبط بالجماهير.. جميعها أسباب جعلت شباب الألتراس يقودون أنفسهم بأنفسهم نحو ملء فراغهم السياسى والثقافى فى تنظيمات ذات خصوصية، وبسبب الحماسة الشديدة وتقاربهم مع غيرهم من التنظيمات والكيانات تبدلت أولوياتهم فصار تعاطى الشأن السياسى مقدماً على الرياضة وصار من السهل تبنيهم أى توجه سياسى فى أى وقت كما سهل اختراقهم من القوى المختلفة لعدم وجود حصانة ثقافية وفكرية ومعرفية تحول دون اختراقهم وتوظيفهم كأدوات فى تحقيق مصالح سياسية لقوى بعينها .. وصولاً لاختراق أعضاء من حازمون لتلك الروابط - وفق ما ذكره الباحث الصديق ماهر فرغلى على حسابه على الفيسبوك. سلوك وجهته الاختراقات والتوظيفات المتتالية للألتراس إلى منحى أكثر خطورة وتطرفاً فى مصلحة تدافع بعض التيارات والقوى السياسية فى مواجهة الجيش والمؤسسة العسكرية، فلم تعد الهتافات النابية والألفاظ البذيئة والشتائم المستفزة موجهة فقط للشرطة، إنما للمجلس العسكرى والجيش أيضاً، فانطلقت هتافات الألتراس خلال المباريات معبرة عن قوى سياسية وصلت خصومتها مع المؤسسة العسكرية إلى ذروتها مع انقضاء العام الأول للثورة.. مروراً بمشاركات متقطعة فى مواجهات مع الأمن كانت أعنفها اعتصامات الإسلاميين فى رابعة والنهضة. انحياز الألتراس لخيارات ومسارات ضارة فى مواجهة مؤسسات الدولة أدى إلى مآس دموية راح ضحيتها شباب فى عمر الزهور من أبناء الروابط الرياضية، وكان أول هذه المآسى الكبيرة ما حدث فى مدرجات استاد بورسعيد حيث سقط عشرات القتلى والجرحى من ألتراس أهلاوى، كانوا قد ذهبوا لتشجيع فريقهم أمام فريق المصرى البورسعيدى . التساؤلات دارت وقتها عمن وراء تدبير هذا الحادث البشع كوقود لاقتتال شعبى وحرب أهلية وفوضى شاملة تجبر الجيش والمجلس العسكرى على فرض الأحكام العرفية وإعاقة مسار تسليم السلطة للقوى المدنية وفق الإصلاحات السياسية المطلوبة ، حيث أتت المأساة ضمن أحداث متزامنة تهدف لنشر الفوضى فى البلاد بجر المصريين إلى الاقتتال ضمن مخطط مسبق، حيث انتشرت فى الوقت نفسه عمليات السطو على البنوك ومكاتب البريد وشركات الصرافة وحصار مديريات الأمن وقطع السكك الحديدية وتعطيل المنافذ الحيوية . وقد تكون مدبرة ومخطط لها من قوى خارجية لاستهداف الجيش المصرى الذى يمثل الهدف الرئيسى لأجهزة الاستخبارات الغربية وللموساد وللسى آى ايه لإضعاف الدولة المصرية والطرق على الحديد وهو ساخن قبل أن تسترد الدولة عافيتها وتمسكها، خاصة مع نجاح الداخلية فى ذلك الوقت فى إعادة الأمن للشارع، لإثبات أن الأمن لا يزال غير قادر على حماية الناس وحفظ الاستقرار وفرض هيبة الدولة . وهى ذاتها الأهداف والغايات التى ظلت تداعب خيال من وقفوا وراء مواصلة عنف الألتراس وإشراكهم فى معظم المواجهات العنيفة مع الأجهزة الأمنية وصولاً لما حدث من سقوط أكثر من عشرين من شباب «الوايت نايتس» فى حادثة استاد الدفاع الجوى . الآن تدرك مصر أهمية إنجازاتها على مستوى إفساد مخططات إسقاط الدولة والخروج من نفق الفوضى المظلم بتضحيات شهداء وطنيين مخلصين وبدولة تشرع فى استعادة كامل عافيتها وتماسكها السياسى والاجتماعى والأمنى ، فى مقابل كيانات وتنظيمات تتمسح بالإسلام توحشت فى التعرى من الوطنية والتسربل بالعنف وقد ظهر واضحاً ضعفها جماهيرياً مع الذكرى الخامسة لثورة يناير وتسعى لتعويض ذلك بالعنف والتخريب ، وهو ما نشطت فيه بالفعل تلك الخلايا متخذة الجيزة تحديداً مركزاً لعملياتها الإرهابية . نحن أمام المعادلة الأساسية ونقطة البداية من جديد وهى الإصلاح وتوسيع المشاركة السياسية واحتواء الشباب وتوظيف طاقاتهم فى مصلحة الوطن مع الحفاظ على الثوابت وحماية المؤسسات وتفويت الفرص على من يستغل حماسة الشباب لتعويض ضعفه وتقوية أجنحة الصدام والصراع الساخن فى مواجهة الدولة وعلى رأسها مؤسسة الجيش . مبادرة الرئيس خروج عن المألوف فى التعامل مع هذا الملف ، وهى بقدر ما فاجأت الروابط كما جاء فى بيان ألتراس أهلاوى «لم يكن متوقعًا من أعلى مؤسسة في الدولة ، ولم يكن متوقعًا أن تسعى أكبر مؤسسة في الدولة إلى النقاش مع الشباب بشكل عام، في حين أن الإعلام يحاربنا ويصفنا ليل نهار بالممولين والإرهابيين»، فقد أحزنت وأحبطت آمال الإرهابيين الفعليين المتربصين بالوطن ومؤسساته ممن يغيظهم سماع هذه الكلمات ممن وضعوا فيهم بقية آمالهم فى التخريب والفوضى : «ونحن الآن نمد أيدينا إلى الوطن لعودة الروح إلى المدرجات والاستقرار للبلاد». لمزيد من مقالات هشام النجار