تأخذ المجتمعات الإنسانية طبيعة البشر فى كل شيء، حتى عندما تدمى وتصاب بالجروح، فإذا لم يطبب الجرح جيدا، ويداوى بعناية فائقة، فلن يلتئم أبدا، وسيبقى دائما مفتوحا، وفى حال التهاب ونزف، تبلغ خطورتها القصوى حين يحدث ال«تقيح»، فيرمى ب «صديده» السام فى الجسد كله، منهكا قواه وجهاز مناعته. تعالج المجتمعات جراحها بدواء واحد ووحيد، هو المصارحة الكاملة، وعدم إخفاء الحقائق، مهما بلغت قسوتها ومرارتها، وقدر مَنْ تخفى وجوههم، فلا تترك فرصة أو مجالا للتشكيك، أو الاجتهادات التى قد تكون مغرضة، وتهدف إلى إثارة القلق والشبهات، و «نبش» المقابر لإعادة تشريح «جثة» الحقيقة، التى لا تهدأ ولا تستقر، وتظل ملقاة فى العراء، أو طافية فوق سطح الماء، رغم كل محاولات الطمس. لا تنجح المجتمعات فى تجاوز أزماتها، والقفز فوق جراحها، إلا عندما تتصارح بالحقائق، وحين تأتى أحكام العدالة، مطابقة لقاعدة «الحكم عنوان الحقيقة»، فترد حقوق الذين راحوا «غيلة»، وتواسى نفوسا، وتجبر خواطر، من فقدوا الفرحة والصحبة والشدو المشترك. تتعثر المجتمعات ولا تستقر أقدامها على الطريق، مادامت تركت الحقيقة، فى مهب رياح الشك، والدجل العام المنتشر، ولا تخرجها إلا عندما تصبح بلا قيمة، وبعد أن يدفع الجميع أثمانا باهظة. فليس هناك مبرر، ولا توجد قيمة أو حكمة، فى صمت من ساقتهم الأقدار، أن يشهدوا هبوب العاصفة منذ البداية، ووقفوا يواجهون بشجاعة آثارها المدمرة، ويتلقون الاتهامات بلا أدلة أو قرائن، وايضا بلا ردود حاسمة، تكشف وتفض أسرار، الأحداث والوقائع الخطيرة. هؤلاء يجب أن يتحدثوا الآن، ويصدعوا بالحقيقة، ليس من أجل تبرئة أنفسهم فقط، ونفى الشبهات التى تلاحقهم، وإنما من أجل أن تعرف مصر الحقيقة كاملة، ليس فى «مجزرة» استاد بورسعيد فقط، ولكن فى كل المجازر والمآسى والحرائق الأخرى، فتحدثوا يرحمكم الله والوطن. فى الختام.. يقول الإمبراطور الرومانى الفيلسوف ماركوس أوريليوس: «الحقيقة لم تضر أحدا، وإنما الضرر الحقيقى فى المعاناة والإصرار على الجهل، وخداع الذات». لمزيد من مقالات محمد حسين