لا تتعدى كونها ولاية ريفية صغيرة تقع فى الجزء الشمالى الغربى من وسط الولاياتالمتحدةالأمريكية, عدد سكانها لا يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة.. ورغم ذلك تتحكم «آيوا», أو» الأرض الجميلة» بلغة قبائل الهنود الحمر, بزمام الأمور لإحياء آمال المرشحين الطامحين فى الوصول إلى البيت الأبيض, أو إحباطها، ورغم أنه لا يمكن اعتبار هذه الولاية التى تتشكل من مجموعة من المدن الصغيرة المبعثرة بين سهول مترامية نموذجا مصغرا عن المجتمع الأمريكي، إلا أن ذلك لم يمنعها من لعب دور أساسى فى انتخاب الرئيس لأنها الولاية الأولى التى تفتتح عمليات الاقتراع لتعيين مرشح كل من الحزبين الجمهورى والديمقراطي, وهذا ما يجعل المرشحين يجوبون طرقات هذه الولاية الصغيرة, التى تسكنها غالبية ساحقة من البيض، قبل خمسين يوما فقط من بدء المؤتمرات الحزبية، ويضاعفون لقاءاتهم مع الناخبين فيها، متخلين بذلك عن سبل الراحة التى اعتادوها فى الطائرات الخاصة وأروقة السلطة فى واشنطن. ولطالما حملت نتائج الإنتخابات التمهيدية فى هذه الولاية الكثير من المفاجآت, والمفاجأة هذه المرة فى الهزيمة المذلة التى منى بها المرشح الجمهورى الصاخب «دونالد ترامب» من قبل سكان الولاية فى الإنتخابات التى جرت الأسبوع الماضي, ليخلقوا بذلك سباقا ثلاثيا من شأنه أن يزيح «ترامب» على أيدى منافسيه «تيد كروز» و«ماركو روبيو», بينما فى المعسكر الديمقراطى منحت «الأرض الجميلة» ثقتها للمرشحة هيلارى كلينتون (68 عاما) التى فازت على منافسها «بيرنى ساندرز» بفارق بسيط. وفى النهاية كانت المفاجأة أنه لم تكن هناك مفاجأة, فقد اختار سكان الولاية الجمهوريون ومعظمهم من المسيحيين الإنجيليين, مرشحهم المسيحى الإنجيلى «تيد كروز» عضو مجلس الشيوخ الأمريكى عن ولاية تكساس, وفى الوقت نفسه دفع ناخبو الولاية العاقلون نجما جديدا إلى الصف الأمامى هو الشاب الوسيم المعتدل نسبيا «ماركو روبيو» عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا, ونتيجة لذلك، يجد الجمهوريون أنفسهم فى سباق ثلاثى يحاول فيه شابان من أعضاء مجلس الشيوخ، لم ينهيا دورتهما الأولى بعد، سحق الملياردير البالغ من العمر 69 عاما بإعتبارهما ممثلين عن جيل جديد من الجمهوريين المحافظين. وهكذا يمكن القول أن «تيد كروز» إستفاد من الكتلة التصويتية الحاسمة للمسيحيين الإنجيليين فى «آيوا» بطريقة لم يسبق لها مثيل, فإستضاف المتطوعين فى مهاجع مخصصة وأرسل إخطارات تبدو رسمية للإنجيليين تذكرهم ب»واجبهم» فى التصويت، لصالح كروز نفسه بالتأكيد. ويبدو «كروز» بهذا الإسلوب وكأنه صورة طبق الأصل من باراك أوباما فى «آيوا» قبل 8 سنوات: الشاب الإنجيلى الصلب المناهض للحكومة عضو مجلس الشيوخ للمرة الأولى الذى يدير حملة مثالية التنظيم. «بوصلة للطامحين».. هكذا إذا وصف عدد من المراقبين والمحللين فى الشأن السياسى هذه الولاية, مؤكدين أن الإنتخابات التمهيدية فى آيوا والتى تعد المرحلة الأولى الفعلية فى السباق الرئاسي، تقدم إجابات للمرشحين كما توضح الرؤية لهم بخصوص الإستراتيجيات التى يتعين أن يتبنوها من أجل الإنطلاق بقوة فى المراحل المتبقية من المسار الإنتخابي. فقد أكد الصحفى جوش كلارك لصحيفة «ديلى نيوز» أن «مستوى الدعم الذى يتلقاه كل مرشح من ناخبى ولاية آيوا, التى تبلغ نسبة المسلمين بها حوالى 0.4% من إجمالى عدد السكان, يشكل مؤشرا معقولا حول أدائه المقبل أمام باقى الناخبين الأمريكيين بالولايات الأخرى, كما أن نتائجها بمثابة رصد لنقاط القوة أو مكامن الضعف فى إستراتيجيته، وهل يتعين عليه أن يواصل حملته على المرتكزات نفسها، أم يستحسن أن يغير من تكتيكاته. وفند كلارك أهمية نتائج هذه الولاية لدرجة أن العديد من المرشحين يقررون الانسحاب من سباق الحصول على ترشيح حزبهم فى حال فشلهم فى تحقيق «نتائج جيدة». ومن المعروف أن الانتخابات التمهيدية بولاية آيوا اكتسبت أهميتها خلال سنوات السبعينات حينما حقق المرشح الديموقراطى «جورج ستانلى ماكجوفرن» نتائج غير منتظرة بهذه الولاية ذات الإقتصاد القائم على النشاط الفلاحي, وبصمت الحملة الإنتخابية لهذا العضو السابق بالكونجرس، والذى خسر فى النهاية الإنتخابات الرئاسية عام 1972 فى مواجهة الجمهورى «ريتشارد نيكسون»، التاريخ, حينما فاز بالإنتخابات التمهيدية بهذه الولاية فى مفاجأة ألجمت كل المراقبين. ومنذ هذا الانتصار، صار الإعلام بكل أطيافه يولى أهمية خاصة لإقتراع ولاية آيوا، وهو العامل الذى منح لهذه الولاية دورا سياسيا رئيسيا ضمن حلبة الصراع الإنتخابى بالولاياتالمتحدة. وإزدادت أهمية هذه الولاية أيضا خلال الإنتخابات الرئاسية عام 1976 عندما منحت الرئيس السابق جيمى كارتر شعبية كبيرة كان يفتقدها وذلك بعد عام واحد فقط من اللقاءات والأنشطة فى مختلف مقاطعات وبلدات هذه الولاية, وهو ما مكنه من تحقيق «إنتصار مدو» حسب عدد من المراقبين. عامل أخر لا يمكن إغفاله ساعد كثيرا فى إعطاء آيوا أهمية كبيرة هو «الحضور الإعلامي», فقد أكد الخبير السياسى جوهان بيرجيناس أنه إذا إستطاع مرشح ما الحصول على ترشيح هذه الولاية, فإنه سيحظى بتغطية إعلامية واسعة دون شك. لكن رغم ذلك فإن لدى الجمهوريين فى هذه الولاية سجلا سيئا فى إختيار المرشح الفائز ببطاقة الترشيح فى نهاية المطاف, فقد كان من بين خياراتهم الخاسرة جورج بوش الأب فى عام 1980، ومايك هوكابى فى عام 2008 وريك سانتوروم فى عام 2012, ورغم إعتماد الأخيرين بشكل كبير على الناخبين الإنجيليين، إلا أنهما لم يتمكنا من التوسع إلى خارج تلك القاعدة الدينية للفوز بترشيح الحزب فى النهاية.