منذ أيام قررت وزيرة التضامن حجب الوظيفة المعلن عنها لشغل منصب رئيس صندوق التأمين على العاملين بالقطاع العام والخاص حيث إن المتقدمين ليسوا على مستوى الخبرة والكفاءة المطلوبة ، وفى ظنى أن الموضوع يحمل أبعادا أكبر من مجرد شغل وظيفة طالما كنا نتحدث عن قضية تمس الملايين وهى أموال المعاشات. مازلت أذكر ذلك اليوم منذ سنوات قليلة حين تشرفت بعضوية لجنة متابعة استثمار أموال التأمينات والتابعة لوزارة التضامن والتى تتولى مهام المتابعة وأفضل سبل الاستثمار لما يقوم به الصندوقان المنوط بهما ذلك ، وتسلمنا ملف أول اجتماع لها وقد أثار أمامى عددا من الحقائق المثيرة. أولها عدم انتظام اجتماعات اللجان السابقة رغم أهمية وخطورة متابعة استثمارات أموال التأمينات والملاحظة الثانية يدير أموال التأمينات مجموعة من موظفى الحكومة وهذا لا يقلل من شأنهم أو قدراتهم وكفاءتهم بحق إنما المعنى هنا هو تلك القيود والمخاوف التى تحد من قراراتهم وضعف العائد المادى لهم والذى لا يتناسب على الإطلاق مع جسامة المهمة التى يقومون بها لإدارة مئات من المليارات وهنا كان يجب إنشاء جهاز مستقل لاستثمار أموال التأمينات. والملاحظة الثالثة هى أن جزءا من أموال التأمينات نحو مليار وربع مليار جنيه يستثمر فى البورصة بواسطة شركتين فقط من شركات الوساطة المالية وقد مضى على قيامهما بهذا العمل نحو عشر سنوات دون أن ينتبه أحد وينبه إلى أهمية كسر هذا الاحتكار وتنويع وزيادة عدد الشركات التى تتولى هذا العمل مما يشعل المنافسة فيما بينها لتحقيق أعلى عائد لأموال التأمينات المستثمرة فى البورصة, وكان اقتراحى المحدد والذى تم تنفيذه بحرفية عالية هو زيادة عدد تلك الشركات. أما أخطر الملاحظات فهى استيلاء وزارة المالية على مليارات من أموال التأمينات دون أن يعرف أحد حجمها على وجه الدقة وكيف تعترف بها وزارة المالية والأهم كيفية استردادها, ولذلك أمام هذا الموقف كان يجب العمل على تحديد واضح لديون المالية للتأمينات ثم مفاوضة وزير المالية للاعتراف بها ثم الاتفاق على كيفية استعادتها وبعائد عادل غير أن المالية أصرت على الأقل وهذه القضية تحتاج إلى مزيد من التصحيح بأن يتم الاسترداد فى صورة أذون خزانة تعطى المرونة والضمان لحصول التأمينات على أموالها والتصرف فيها وزيادة إيراداتها لمصلحة أصحاب المعاشات ولكن السؤال هل العائد الذى يحققه استثمار أموال التأمينات مجز أم لا ؟ حيث يبلغ فى المتوسط ثمانية ونصف فى المائة ويمكن زيادته إلى 11 ونصف فى المائة وبالتالى ما هى أفضل الوسائل لتحقيق أعلى ربحيه من استثمار تلك الأموال ؟ ويعقب هذا سؤال آخرا : هل الطريقة التى تدار بها أموال التأمينات حاليا هى الطريقة المثلى أم أن هناك أساليب أخرى أفضل وتحقق ربحية أعلى كما يحدث فى دول كثيرة ؟ ولهذا تصبح قضية إدارة أموال التأمينات ليست اختيار الشخص المناسب ولكنها إنشاء الكيان المناسب لتحقيق أعلى عائد يعود بالنفع على الملايين من أصحاب المعاشات ويكون كيانا مستقلا بنظام قانونى خاص يديره مدير محترف ذو خبرة ودراية وتاريخ محترم ومعه خبرات استثمارية عالية الكفاءة تقوم بوضع إستراتيجية واضحة للاستثمار تتضمن مجموعة من الافتراضات والسيناريوهات حول المخاطر والعوائد المتوقعة ووضع سياسة استثمارية لتغطية احتياجات هيئة التأمينات والعائد المطلوب لتلبية التزاماتها مع وجود لجنة متخصصة من الوزارة لمتابعة الأداء دوريا وفق تعريف محدد لمعايير النجاح وهذا مع إصلاح نظام المعاشات وتعديل هيكل الاشتراكات ووضع آلية للمحافظة على القيمة الحقيقية للمعاشات. لمزيد من مقالات عصام رفعت