حلم تأخر تحقيقه لأكثر من 14عاماً منذ أول تصريح رسمى بإقامة متحف لحفريات الفيوم عام 2002 ، وبعد سنوات جاوزت العشر على ضم وادى الحيتان لقائمة التراث الطبيعى العالمى لمنظمة اليونسكو العالمية وافتتحه وزير البيئة الدكتور خالد فهمى. فقد سبق هذا التاريخ بعقود حلم راود خيال كبار علماء مصر والعاشقين لتراثها وحضارتها وحفرياتها الجيولوجية النادرة, أمثال العالم الراحل د. محمد القصاص ود. البهى عيسوى والراحل د. كمال البتانونى د. محمد عابد ود. فريال بديوي, ومن قبلهم الراحل د.يوسف شوقى أول مصرى يحصل على الدكتوراه فى الحفريات الفقارية فى خمسينيات القرن الماضي, وقد حصل عليها من الخارج وعانى ما عانى آنذاك ممن لم يدركوا معنى وقيمة وأهمية هذا العلم المتخصص فى واحد من أهم الكنوز التراثية التى تزخر بها صحارى هذا الوطن. فهجر شوقى العمل بتخصصه ليحترف العمل بالموسيقى فى إذاعة سلطنة عمان حتى وافته المنية الوادى العامر بالحيتان ووادى الحيتان هو المتفرد والأشهر عالمياً دون أقرانه من الأودية المماثلة المتناثرة فى أرجاء المعمورة، فهوالوادى العامر الزاخر بحفريات التنوع الأحيائى لعناصر عاشت فى أعماق وضفاف بحار تلك المنطقة التى جفت منذ ملايين السنين, وهي, على اختلاف أنواعها وأجناسها ورتبها وفصائلها وأشكالها, تشكل مع رتب حيوانات الفيوم المجاورة أعلى نسبة وجود بين جميع الرتب الحيوانية للحفريات على مستوى العالم والتى يبلغ عددها 28 رتبة. الفيوم ملهمة علماء الفقاريات ومن هنا كانت المنطقة بأكملها هدفاً لكبار ومشاهير وعظماء العالم فى كبرى الجامعات، وبالطبع يبرز اسم العالم الأشهر «فيليب كينجرش», الذى يعد مكتشف حوت «الباسيليو سورس» بوادى حيتان الفيوم ، و العالم الشهير «ألوين سيمون». ويمتاز وادى الحيتان بوجود أكثر من 400 حفرية, ومنها حفريات حيتان ا» «الأنكولايز سيمونيز» وحفرية حوت «دوردونت أوزوريس» وحفرية حوت «البيسلوسورس ايزيس» وعرائس البحر «سيرينا» وكذلك حفريات «أبقار البحر»، بالإضافة لحفريات السلاحف البحرية و«أسماك القرش» مصر وثراء الحفريات هذ ما يجعل مصر على قمة قمم دول العالم ثراء بالحفريات الفقارية التى عاشت على أرضها فى فترات عصور الجيولوجيا السحيقة الضاربة فى أعماق التاريخ منذ عصور الأيوسين والأليجوسين والعصر الطباشيري, خاصة الفترات الممتدة, حيث عاشت الحيتان منذ أكثر من 40 مليون سنة فى الواحات وما حولها, والديناصورات مثل «ايجيبتينو سورس» و«الكاراكاردونت سورس»، بل وحفريات مثل أنواع الأسماك ومنها الأسماك الضاحكة والقردة الدنيا, والفيل حيوان الفيوم القديم (مورينوثيريوم)، وحفرية القرد الشهير «ايجيبوبيسكس» التى تعد الأقدم عالميا. مدرسة يسرى عطية تشهد مصر طفرة هائلة فى البحث العلمى المتخصص فى علم الحفريات الفقارية, حيث زخر العقد الأخير بالعديد من الأبحاث العلمية الأكاديمية المتخصصة التى أثمرت عن أول مجموعة فى تاريخ مصر من رسائل الدكتوراة والماجستير لباحثين مصريين عشقوا تراث الوطن, لتحيى أمل البحث العلمى فى هذا التخصص النادر فى مصر، التى هى فى غاية الاحتياج له, بصفتها من أهم دول العالم ثراء بالحفريات الفقارية على اختلاف أنواعها, سواء كانت برية أو بحرية أو برمائية، وتحديدا مناطق الفيوم والواحات والمناطق الواعدة بصحراء الشيخ فضل بمحافظتى المنيا وبنى سويف، بل وجميع أرجاء الصحارى المصرية. ففى الواحات هناك وادى الديناصورات. ومؤسس المدرسة العلمية فى الحفريات الفقارية هو الجيولوجى الراحل يسرى عطية مدير المتحف الجيولوجى السابق الذى زامل جميع علماء العالم الذين حضروا إلى مصر للتنقيب واكتشاف حفرياتها من الحيتان والأسماك والديناصورات، وشارك أعظم علماء العالم فى 24 بحثاً علمياً متخصصاً عن الحفريات الفقارية المصرية كلها تمثل اكتشافات مذهلة نشرت فى دورات ومجلات علمية شهيرة. كوكبة باحثين بعد حصول الدكتور يوسف شوقى فى خمسينيات القرن العشرين على الدكتوراه المصرية الوحيدة فى هذا التخصص من لندن, لم تفكر جامعة مصرية ولا مركز بحثى واحد فى تأسيس هذا التخصص, وظل هذا الوضع الغريب لأكثر من 60 عاما حتى بدأ التفكير من جانب يسرى عطية فى تأصيل علمه الرائد. ويُحسب لجامعتى المنصورةوالزقازيق أنهما فى طليعة الجامعات المصرية التى أخذت بزمام المبادرة فأنشأتا قسماً متخصصاً وأثمرت هذه المدرسة العلمية الرائدة تخرج أكثر من عشرة باحثين, منهم أربعة حصلوا بالفعل على درجة الدكتوراه, مثل محمد سامح الذى حصل عليها من جامعة الزقازيق, و هشام سلام الذى حصل عليها من جامعة اكسفورد ببريطانيا، وتعد ايناس عبد الهادى أول فتاة مصرية تحصل على دكتوراه فى هذا التخصص، ثم جبيلى عبد المقصود. وعن أهمية متحف وادى الحيتان يقول الدكتور محمد سامح مدير المحمية والموقع: بمصر تراث عظيم شاهد على تعاقب العصور والأزمان وتغير أشكال الحياة على الأرض وتأقلمها مع التغيرات المناخية التى تطرأ لتستمرالحياة وعن خطوات تنفيذ المتحف أضاف: الفيوم هى موطن أفضل موقع للتراث الطبيعى العالمي. وذلك الموقع يثبت للعالم أن مصرهى مهد التاريخ الطبيعي. وتقدم تلك القطعة الجيولوجية النادرة من أرض مصر للعالم الفرصة ليرى ويتعلم كيف بدأ الخلق, وينظر بتمعن الى تغيرالمناخ وتأثيره على الكائنات الحية. فمصر التى علمت العالم منذ عهد الفراعنة, تعود لتعلم العالم اليوم درساً عمره 40 مليون سنة. فإنشاء أول متحف من نوعه فى الشرق الأوسط يعد قصة نجاح للإدارة المصرية بتعاون حقيقى بين جهات الدولة وأجهزتها المختلفة والجهات المعنية والبرنامج البيئى للتعاون المصرى الإيطالى ومشروع دعم المحميات الطبيعية بمصر والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة والمجتمع المحلى بالفيوم . وعن تفاصيل المعروضات يقول: يعد هذا المتحف هو الأول من نوعه من حيث مقتنياته النادرة. ويمتاز بتصميمه المعمارى المتماشى مع طبيعة وادى الحيتان. ومن خلال نوافذ العرض المتحفية يسافر زائر المتحف عبرالعصور والأزمنة ليرى تغير أشكال الحياة على مدار ملايين السنين تبعاً لتغير المناخ على كوكب الأرض منذ نشأته وصولاً لعصرنا الحديث الذى يشهد الكثير من قضايا تغيرالمناخ وتحديات نواجهها حديثاً ومشكلات سيؤول إليها العالم مستقبلاً، وسيبحر زائر المتحف فى رحلة عبر الماضى السحيق عندما كان منخفض الفيوم مغطى بالبحرالأبيض المتوسط القديم خلال العصرالأيوسينى (40 مليون سنة) عندما كانت درجةالحرارة مرتفعة بكوكب الأرض, وكانت تسبح فى هذاالبحر كائنات بدائية منها ما اندثر ومنها ماتطور إلى كائنات حديثة مشابهة، أشهرها حيتان الباسيلوسورس والدوردون والعديد من الأسماك (مثل أسماك القرش والمنشار والجيتار) وعرائس البحر. وتظهر وللمرة الأولى فى المتحف الأطراف الخلفية (أرجل) لحوت الباسيلوسورس التى تعود أهميتها إلى إعطاء الدليل القاطع على تطورالحيتان وانتقالها من كائنات أرضية تعيش على اليابس إلى كائنات بحرية تعيش فى مياه البحار والمحيطات، وهى السبب الرئيسى لإعلان الموقع كتراث طبيعى عالمى (لاحتوائه على همزة الوصل بين الحيتان البدائية والحالية). أيضا مشاهدة أكبر اكتشاف علمى فى العالم: وهو أضخم هيكل متكامل لحوت الباسيلوسورس, حيث يصل طوله إلى 18 مترا.