كما نعلم، الفقر أكثر انتشارا فى الريف عنه فى الحضر. وأول هذه القوانين التى تحتاج لمراجعة هو قانون ايجارالأرض الزراعية الذى صدر فى 1992 وبدأ تطبيقه عام 1997. وكان الغرض من هذا القانون هو رفع الظلم الذى وقع على ملاك الأرض الزراعية بناء على قوانين 1961 التى خفضت ايجار الأرض الزراعية الى 100 جنيه وأقل للفدان سنويا. وكان من المتوقع أن يتبع ذلك تغيير قانون ايجارات العقارات القديمة الذى خفض الايجارات تخفيضا كبيرا. ولكن هذا لم يتحقق. فالقوة السياسية والنفوذ السياسى فى التسعينيات كانا مع أصحاب الأرض الزراعية ومع مستأجرى (وليس ملاك) العقارات القديمة، وبالتالى كانت استفادة المجموعة الأولى فى تحرير إيجارات الأرض الزراعية بينما استفادة المجموعة الثانية كانت فى الإبقاء على قانون العقارات القديمة بإيجاراته المنخفضة كما هو؛ وهو ما حدث بالفعل. ويؤخذ على القانون الجديد لإيجارات الأرض الزراعية أنه لم يضع ضوابط لحماية الفلاح. فهذا القانون أعطى لمالك الأرض الزراعية الحق فى تجديد عقد ايجار الأرض الزراعية كل عام بما يتضمنه ذلك من زيادة إيجار الأرض الزراعية سنويا، وبدون وضع أية ضوابط. بناء عليه أصبحت إيجارات الأرض الزراعية ترتفع سنويا بدرجات كبيرة، والفلاح الذى يعانى من انخفاض الدخل والفقر وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية لا يملك إلا أن يقبل الإيجار الجديد أو يترك الأرض التى هى مصدر رزقه ورزق أولاده! هذا القانون يحتاج الى مراجعة إذا ما أردنا تخفيض الفقر وتحسين توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية فى الريف. ومن المقترحات التى نقدمها فى هذا الصدد هو تحديد حد أدنى لمدة إيجار الأرض الزراعية، ولتكن خمس سنوات مثلا، مع إعطاء صاحب الأرض الحق فى زيادة الايجار بنسبة معينة سنويا بالاتفاق مع المستأجر كما يحدث فى قانون إيجار العقارات الجديد. ففى هذه الحالة يطمئن الفلاح على مستقبله بخصوص الاحتفاظ بالأرض وزراعتها خلال المدة المحددة فى العقد مع معرفة الزيادة التى سيتحملها سنويا، ولا يفاجأ كل سنة بقيمة الإيجار الجديد الذى يضعه صاحب الأرض والذى عليه أن يقبله أو يترك الأرض. وفى هذه الحالة سنجد أن الفلاح سيهتم بأرضه أكثر حيث سيكون مطمئنا بانه سيحتفظ بها لمدة معينة مما يشجعه على رفع كفاءتها الإنتاجية لزيادة إنتاجيتها وزيادة دخله بالتالي. أما ما يحدث الآن، فالفلاح يفاجأ كل عام بزيادة إيجارية غير محددة مسبقا حسب رغبة صاحب الأرض، وعليه أن يقبلها أو أن يترك الأرض. أى يتعرض الفلاح فى ظل هذا القانون إلى مزيد من الاستغلال من جانب مالك الأرض، مما يؤدى إلى زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل فى الريف. أما القانون الثانى الواجب مراجعته والذى يؤدى إلى ظلم المالك، فهو قانون العقارات القديمة الذى صدر فى 1961 وخفض الإيجارات العقارية تخفيضا كبيرا فى ظل القوانين الاشتراكية التى صدرت وقتئذ. وكان الغرض من ذلك هو تخفيض الفقر وإعادة توزيع الدخل لصالح الطرف الأضعف اقتصاديا وهو المستأجر. ولكن ما يؤخذ على هذا القانون هو استمراره على ما هو عليه لأكثر من نصف قرن دون الأخذ فى الاعتبار التغيرات فى الأسعار وتكاليف المعيشة والأوضاع الاقتصادية عموما. الإجراء الوحيد الذى جاء به هذا القانون هو زيادة إيجار المحلات بمقدار 10% سنويا لعدة أعوام، ثم أوقف هذا الإجراء رغم ضآلة العائد للمالك. وجدير بالذكر أن النظام الاقتصادى المطبق الآن، وهو نظام اقتصاد السوق، مختلف تماما عما كان سائدا فى الستينيات؛ بالإضافة إلى أن آليات عمل نظام السوق لا تتفق مع محتوى قانون العقارات القديمة. ونتيجة استمرارية العمل بهذا القانون هى إفقار ملاك العقارات القديمة وإعادة توزيع الدخل لصالح المستأجرين الذين يتمتع بعضهم برغد فى المعيشة، خاصة مستأجرى الشقق فى الأحياء الراقية كالزمالك وجاردن سيتى والمعادي. ونجد أن كثيرا من هؤلاء يحتفظون بشققهم فى العقارات القديمة ذات الإيجارات المنخفضة للغاية مغلقة ويشترون شققا وفيلات فى مناطق أخري، مثل المدن الجديدة، للمعيشة فيها. أما ملاك المحلات فى العقارات القديمة، فيقع عليهم ظلم أكبر. فمستأجرو المحلات يبيعون السلع بأسعار اليوم المرتفعة ويدفعون إيجار المحلات بأسعار الستينيات المنخفضة، مما يؤدى إلى إفقار أصحاب هذه المحلات لصالح المستأجرين. ويلاحظ أيضا أنه بالإضافة إلى الإضرار بالعدالة الاجتماعية وسوء توزيع الدخل بالنسبة لأصحاب هذه العقارات، فإن من سلبيات الإبقاء على قانون العقارات القديمة أيضا تدهور هذه المبانى لعدم الإنفاق على صيانتها نتيجة لانخفاض دخل الملاك وعدم اهتمام المستأجرين بالصيانة. والنتيجة هى تهالك هذه العقارات وما أدى إليه ذلك من خسارة فى الثروة القومية. وبناء على ذلك نحتاج إلى إعادة نظر فى قانون إيجارات العقارات القديمة. وقد نبدأ بإلغائه بالنسبة لمستأجرى المحلات والشقق المغلقة. فمستأجرو المحلات يحصلون على دخول بناء على أسعار اليوم المرتفعة وبالتالى عليهم أن يدفعوا إيجارات اليوم بناء على القانون الجديد السائد حتى تتحقق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع. والشقق المغلقة تعنى عدم احتياج مستأجريها لها، وبالتالى يكون من حق ملاكها استردادها وتأجيرها حسب قانون الإيجارات الجديد. أما الشقق المؤجرة والساكنة، فيمكن إعطاء مستأجريها فترة 5 سنوات مع زيادة سنوية تدريجية قبل تطبيق القانون الجديد كما حدث للأرض الزراعية وذلك لإعطاء فرصة للمستأجر الحالى فى البحث عن بديل مناسب اذا ما كان موقع الشقة متوقعا أن يجعل الإيجار الجديد مرتفعا بالنسبة لظروفه الاقتصادية. وهكذا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية للمالك والمستأجر بالنسبة للأرض الزراعية والعقارات القديمة، وهو ما يتفق مع التوجه الحالى للمسئولين بأنه يجب أن يكون من أهدافنا الأساسية تخفيض الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية فيما بين فئات المجتمع المختلفة. لمزيد من مقالات د.كريمة كريم