بكري : الجماعات الإرهابية تقود حملة لتشويه اتحاد القبائل العربية    رئيس دفاع النواب يهنئ البابا تواضروس والأقباط بعيد القيامة المجيد    الغرف التجارية: مصر تستهلك 175 طنا من الرنجة يوميا.. وتراجع الفسيخ ببورسعيد ل190 جنيها    مراعاة للأغنياء.. الحكومة تؤجل ضريبة أرباح البورصة للسنة العاشرة    مجلس مدينة العريش يشن حملة لإزالة المباني المخالفة    نميرة نجم: أي قرار للمحاكم الدولية سيؤثر على الحراك بالولايات المتحدة    روسيا تعلن تدمير قاعدتين للمسلحين في سوريا    بعد التتويج ببطولة إفريقيا لسيدات الطائرة.. الزمالك يتأهل لمونديال الأندية    عمر وردة: تزوجت من فتاة جزائرية منذ شهور لكي استقر    صلوات وزغاريد وفرحة.. آلاف الأقباط يحتفلون بعيد القيامة بقنا| فيديو    مصرع سيدة صدمها قطار ب سوهاج    بعد شائعات الانفصال.. مها الصغير تستعيد ذكرياتها مع أحمد السقا في الجونة (فيديو)    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    عرض قطري.. أول تعليق من مستشار الرئيس على تأجير المستشفيات الحكومية    مختلف عليه..ما حكم أكل الفسيخ في الإسلام؟    محافظ القاهرة يشهد احتفال الطائفة الإنجيلية بعيد القيامة نائبا عن رئيس الوزراء    أسامة كمال يُحيي صحفيي غزة: المجد لمن دفعوا أعمارهم ثمنا لنقل الحقيقة    قرار من القضاء ضد ممرضة ووالدها بتهمة قتل عامل بالمقطم    قتل «طفل شبرا الخيمة».. أوراق القضية تكشف دور تاجر أعضاء في الواقعة    تعرف على شروط التقديم لمدرسة فريش الدولية للتكنولوجيا التطبيقية 2024-2025    وزير الخارجية الأسبق: نتنياهو لا يريد الوصول لاتفاق مع حماس    قصواء الخلالي: العرجاني وأسرته وأهل سيناء يتباهون بمشاركتهم في تنمية أرض الفيروز    71 مليار جنيه لقطاع التعليم المدرسي والجامعي خلال 24 /25    حكم الصلاة على الكرسي وضوابط الصلاة جالسًا.. اعرف الشروط والأحكام    بدء قداس الاحتفال بعيد القيامة المجيد في المنيا (صور)    لجين عبد الله تفوز بكأس أفضل سباحة في البطولة الإفريقية بأنجولا    أحمد موسى عن شم النسيم: «باكل فسيخ لحد ما يغمى عليا.. وأديها بصل وليمون»    طارق إمام للشروق: المعارض الأدبية شديدة الأهمية لصناعة النشر.. ونجيب محفوظ المعلم الأكبر    مطران إيبارشية أسيوط يترأس صلاة قداس عيد القيامة المجيد 2024    وكيل صحة القليوبية: استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل    تسويق مغلوط للأولويات سيكون له ما بعده..    بالصور.. أهالي قرية عبود بالفيوم يشيعون جثمان الحاجة عائشة    المقاولون 2005 يفوز على أسيوط بثلاثية في دوري الجمهورية للناشئين    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    القس أندريه زكي يكتب: القيامة وبناء الشخصية.. بطرس.. من الخوف والتخبط إلى القيادة والتأثير    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    لوبتيجي مرشح لتدريب بايرن ميونيخ    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد الاقتصادى لعام 2015

تشكل نهاية العام مناسبة لتقييم أداء الاقتصاد المصرى من خلال عرض وتحليل المؤشرات الأساسية المعبرة عن هذا الأداء. وهذا التقييم يشمل الأداء الكلى وسياسات الحكومة وأداءها وأداء القطاع الخاص أيضا. ولأغراض عدالة المقارنة بين الحكومات والأعوام المختلفة سيتم استخدام البيانات الرسمية أو البيانات التى سلمتها الحكومة للمؤسسات الدولية ونشرت فى مطبوعاتها حتى لو كانت هناك تحفظات على البعض منها. وهذا التقييم لابد أن يضع فى اعتباره مجمل الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بالاقتصاد المصرى خلال سنوات المقارنة، حتى يكون التقييم عادلا وليس بالمنطق الذى يجسده المثل المصرى «اللى على البر عوام».
ولأن العبرة فى أى سياسة اقتصادية هى بالنتائج القصيرة والطويلة الأجل التى تسفر عنها والتى تتجسد فى التغيرات فى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فإن هناك عددا من المؤشرات التى سيتم الاعتماد عليها فى تقييم الأداء الاقتصادى المصري. وأول تلك المؤشرات هو معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى وهو معدل ضرورى لكنه ليس كافيا لتحسين مستويات المعيشة للمواطنين. فهذا المعدل يعنى زيادة الناتج المحلى الإجمالى وارتفاع دخل الدولة ومتوسط نصيب الفرد من الدخل. لكن توزيع هذا الناتج وإعادة توزيعه من خلال نظم الأجور والضرائب والدعم والتحويلات الاجتماعية ودعم الصحة والتعليم والخدمات العامة يحدد مدى وصول نتائج النمو إلى مختلف فئات الشعب.
كما أن ارتباط النمو بالاستثمارات الجديدة أو التوسع فى استثمارات قائمة أو رفع معدل إنتاجيتها، يرتبط بمؤشرى الادخار والاستثمار اللذين يشكلان عاملا حاسما فى تغيير مسار ومصير أى اقتصاد. كما أن النمو يرتبط بخلق الوظائف الجديدة. وكلما كانت طبيعة النمو المتحقق مرتبطة بخلق عدد كبير من الوظائف الدائمة والمرتفعة الإنتاجية، فإن ذلك يساعد على معالجة مشكلة البطالة ويؤدى لتوسيع نطاق تمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة من خلال العمل. كما أن زيادة إنتاج السلع والخدمات على ضوء النمو الاقتصادى يؤدى إلى زيادة العرض منها وتهيئة الظروف لاستقرار الأسعار.
أما مؤشر التشغيل ومكافحة البطالة فإنه يعتبر مؤشرا اقتصاديا-اجتماعيا عميق الدلالة بشأن تحقيق الاستقرار الاجتماعى والسياسى وتوسيع نطاق المشاركة فى صناعة وثمار التنمية.
أما مؤشر ارتفاع أسعار المستهلكين أو مؤشر معدل التضخم، فإن دلالته الأساسية تتعلق باستقرار الاقتصاد. ومعروف أن ارتفاع معدلات التضخم يؤدى إلى ارتفاع سريع فى قيمة الأصول والممتلكات لصالح أصحاب حقوق الملكية، بينما تتحرك الأجور بسرعة أقل فى غير صالح أصحاب حقوق العمل. وبالنسبة لتوزيع الدخل بين أصحاب حقوق الملكية وأصحاب حقوق العمل فإنه مؤشر على مدى العدالة فى توزيع الدخل بين المالكين والعاملين.
أما مؤشرات الديون الداخلية والخارجية فهى تعبر عن اختلالات المالية العامة والموازين الخارجية. ونظرا لأن الديون الخارجية بالذات تؤثر على استقلالية القرار السياسى والاقتصادى لأى دولة، فإن تطورها ونسبتها للناتج القومى وتكاليف خدمتها تعتبر مؤشرات مهمة فى قياس استقلال الاقتصاد وحدود انكشافه.
تحسن النمو وضرورة مكافحة التضخم
تشير بيانات صندوق النقد الدولى فى تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمى (أكتوبر 2015)، إلى أن معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى سوف يسجل 4.2% فى العام الحالي، مقارنة بنحو 2.2% عام 2014، ونحو 2.1% عام 2013، ونحو 2.2% عام 2012، ونحو 1.8% عام 2011. وهكذا فإن هذا المؤشر يشير إلى تحسن جوهرى فى معدل النمو نحو مستوى متوسط للنمو. لكن لابد من ملاحظة أن هذا النمو تحقق بمستويات عالية من الاقتراض الداخلى والخارجى وهو ما يمكن إدراكه لدى عرض التغير فى الديون الداخلية والخارجية، وإن كانت السنوات السابقة قد شهدت أيضا زيادات كبيرة فى الديون الداخلية والخارجية أو استنزاف الاحتياطى دون أن تحقق مستويات مماثلة فى النمو.
وهذا النمو يحتاج إلى استمرار قوة الدفع من خلال العمل بصورة فعالة على استنهاض معدل الاستثمار المتدني. وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل الاستثمار بلغ 14% عام 2013/2014، مقارنة بنحو 14.2% عام 2012/2013، ونحو 16.4% عام 2011/2012. وهذا الاستنهاض للاستثمارات يحتاج لزيادة الدولة لاستثماراتها، وضخ تمويل كبير وفعال لتحديث كل مصانعها العامة المتداعية وإصلاحها بشكل فعال. كما يحتاج إلى استنهاض الاستثمارات الخاصة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والتعاونية بأساليب متعددة، وبتغيير السياسية المصرفية لتنحاز إلى تمويل الاستثمارات بدلا من الإقراض الآمن للحكومة. والأخيرة عليها أن تخفف ضغوط اقتراضها الكبير من الجهاز المصرفى من خلال معالجة العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة.
وقد شهد عام 2015 زيادة معدل التضخم إلى 11% وفقا للبيانات الرسمية، مقارنة بنحو 10,1% عام 2014، ونحو 6,9% عام 2013، ونحو 8,6% عام 2012، ونحو 11.1% عام 2011، ونحو 11,7% عام 2010، ونحو 16,2% عام 2009. ومن المؤكد أن نمو إنتاج السلع والخدمات بما يزيد عرض السلع والخدمات، يمكن ان يساعد فى السيطرة على التضخم. لكن مكافحة الاحتكارات الإنتاجية والتجارية ربما تكون أمرا أكثر أهمية فى كبح التضخم وربط اسعار السلع بتكلفة إنتاجها أو استيرادها مع السماح بمعدلات ربح معتدلة.
وعودة إلى معدل النمو الذى تحسن عام 2015، فإنه يؤخذ عليه أنه لم يترافق مع إيجاد أعداد كبيرة من الوظائف تسهم فى استيعاب العاطلين، فاستمر معدل البطالة عند مستويات مرتفعة. وللعلم فإن إحساس المواطنين بالتغير فى وضع الاقتصاد يبدأ من خلق الوظائف واستيعاب العاطلين فى أعمال حقيقية وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة.

معالجة البطالة.. المهمة الأكثر إلحاحا
بالنسبة لمعدل البطالة فإن البيانات الرسمية تشير إلى أن المعدل ارتفع من 9% فى العام المالى 2010/2011، إلى 12% عام 2011/2012، وارتفع إلى 12.7% عام 2012/2013، وارتفع إلى 13,2% عام 2013/2014، ثم تراجع قليلا إلى 13% عام 2014/2015. ومع هذه المعدلات المرتفعة للبطالة يصعب على المواطنين أن يشعروا بتحسن النمو الاقتصادى الذى تشير البيانات الرسمية وبيانات صندوق النقد الدولى إلى حدوثه عام 2015.
وإن كان من الضرورى الإشارة إلى البيانات الخاصة بمعدل البطالة تحتاج للمراجعة فى كل السنوات محل المقارنة، فالبيانات الرسمية تشير إلى أن السكان فى سن العمل نحو 56 مليون نسمة، بينما تشير إلى أن من يعتبرهم الجهاز الإحصائى ضمن قوة العمل هو 27.9 مليون شخص، وهى نسبة منخفضة للغاية، حتى إذا استبعدنا من هم فى مراحل الدراسة أو الخدمة العسكرية.
وقد بلغت قوة العمل 27,9 مليون شخص فى عام 2014، مقارنة بنحو 27.6 عام 2013، ونحو 27 عام 2012، ونحو 26.5 مليون عام 2011، ونحو 26.2 مليون عام 2010. وإذا كان خريجو النظام التعليمى الجامعى والمتوسط يزيد على 900 ألف سنويا، فضلا عن المتسربين من مراحل تعليمية أقل أو غير المتعلمين كليا بما مجموعه لكل المتعلمين وغير المتعلمين أكثر من 1.1 مليون شخص سنويا. وإذا طرحنا من هذا العدد من لا يرغبون فى العمل لأى سبب، والذين يخرجون من سوق العمل بالوفاة، فإن صافى الزيادة فى قوة العمل يتراوح بين 700، و 850 سنويا. ولو قارنا ذلك بالزيادات التى يتم تسجيلها فى قوة العمل سنجد أن هناك فجوة كبيرة تؤدى إلى تقدير معدل البطالة بأقل من البطالة الحقيقية بشكل كبير.
وهذه التقديرات المنخفضة للبطالة عن حجمها الأكبر كثيرا فى الواقع لا تفيد فى معالجة أزمة البطالة فى مصر والتى تحتاج لاحتشاد حكومى ومجتمعى لإيجاد حلول فعالة لها. وهذا الاحتشاد يبدأ من إدراك حجم المشكلة من خلال حصر حقيقى للعاطلين ومؤهلاتهم وتوزيعهم الجغرافى فى محافظات مصر وذلك لبناء قاعدة بيانات حقيقية يمكن الانطلاق منها لإدراك حجم المشكلة ومعالجتها. أما تشغيل العاطلين فإن هناك روافد عديدة لتحقيقه بشكل فعال من خلال تسهيل تأسيس الأعمال فعليا، والعمل على إعادة تشغيل الشركات العامة والخاصة المتعطلة
وعلى سبيل المثال فإن شركة طنطا للكتان المقامة على 83 فدانا فى منطقة ميت حبيش بطنطا على بعد 50 مترا من طريق القاهرة-الإسكندرية الزراعي، يمكن أن تستغل نحو 16 فدانا أى 67200 متر فى أنشطة عقارية ومعارض سلعية ومناطق ترفيهية وتحقق عائدا هائلا من ذلك يستخدم فى تطوير وتحديث الآلات والمصانع بصورة ملهمة. بل ويمكن نقل المصانع إلى مدينة صناعية جديدة مع بناء مساكن ومؤسسات خدمية تعليمية وصحية للعمال الذين سينتقلون إلى تلك المدينة وإخلاء مكان المصانع القديمة كليا واستغلاله فى مشروعات سكنية وتجارية وإدارية واستخدام العائد فى تمويل عملية التحديث والانتقال للمصانع. وينبغى التأكيد على أن تعمل وزارة الاستثمار بشكل سريع وفعال لتحديث واستنهاض وإصلاح القطاع العام وليس تصفيته أو إبقاؤه راكدا.
وهناك ضرورة حقيقية لإنشاء هيئة قومية تعمل كحضانة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية. ويجب أن تتمتع تلك الهيئة بدرجة عالية من الاستقلالية وحرية الحركة. ويتم تمويلها من العديد من المصادر: الأول هو ما يخصص لها من الموازنة العامة للدولة. والثانى هو ما تقوم هى بتعبئته من المجتمع من خلال التبرعات والزكاة. والثالث هو ما تستقطبه من منح من الدول الأجنبية وخاصة الأوروبية التى لها مصلحة فى استيعاب شباب مصر فى أنشطة اقتصادية فعالة داخل مصر بما يوقف تيار الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. والرابع هو أموال الصناديق الخاصة التى يتم جمع الأموال فيها بحكم السلطة السيادية للدولة.
وسوف تعمل هذه الهيئة أو الحضانة على إرشاد الراغبين فى إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة وتعاونية إلى المجالات التى يمكنهم العمل فيها. والتنسيق بينهم حتى لا ينشئوا مشروعات متشابهة تتنافس حتى الموت. وتوفير التمويل الميسر لتلك المشروعات من التمويل المتوافر لديها. والأكثر أهمية هو ربط تلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية بالمشروعات الكبيرة لإنتاج مكونات أو مدخلات لها وضمان التسويق المنتظم والطويل الأجل الذى يكفل لها الاستمرار والتطور. وربط تلك المشروعات أيضا بسلاسل المتاجر الكبرى لضمان تسويق إنتاجها بصورة منصفة. وتوفير رقابة حقيقية للجودة وللمعايير الصحية فى السلع التى تنتجها تلك المشروعات كى يمكن تسويقها فى الخارج أيضا باتفاقات مع سلاسل تجارية أجنبية.
تزايد الديون الداخلية والخارجية
شهدت السنوات الماضية زيادة سريعة فى الديون الداخلية. كما بدأت الديون الخارجية منذ عام 2012/2013 فى الزيادة بشكل سريع. ووفقا لبيانات البنك المركزى المصرى تبلغ الديون الخارجية لمصر فى الوقت الراهن نحو 48.1 مليار دولار، مقارنة بنحو 46.1 مليار دولار فى نهاية عام 2014، ونحو 43.2 مليار دولار فى نهاية عام 2013، ونحو 34,4 مليار دولار نهاية عام 2012، ونحو 34.9 مليار دولار فى نهاية عام 2011. واقترن هذا التزايد للديون الخارجية باستنزاف الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى تراجع من نحو 35 مليار دولار فى يناير 2011 إلى قرابة 22 مليارا فقط قبل نهاية عام 2011. وصحيح أن الحكومة لم تقترض من الخارج فى ذلك الحين، لكنها لم تدر الاقتصاد باعتباره فى حالة أزمة أو أقرب لاقتصاد حرب، مما سمح باستنزاف الاحتياطى وإدخال مصر فى دائرة جهنمية من الاقتراض أو الحصول على منح وضخها فى الاحتياطى ثم استنزافها والعودة للبحث عن قروض أو منح جديدة. وهذا الأمر لن ينتهى إلا إذا تم علاج مشكلة العجز فى الموازين الخارجية، وفى الموازنة العامة للدولة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن عجز الميزان التجارى بلغ 38.8 مليار دولار فى العام المالى 2014/2015، مقارنة بنحو 34.1 مليار دولار عام 2013/2014، ونحو 30.7 مليار دولار عام 2012/2013، ونحو 34,1 مليار دولار عام 2011/2012، ونحو 27.1 مليار دولار عام 2010/2011.
أما ميزان الحساب الجارى الذى يشكل مجمع الميزان التجارى وميزان تجارة الخدمات والتحويلات فإنه من المتوقع أن يسفر عن عجز يبلغ 3.7% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام الحالي، مقارنة بنحو 0,8% فى العام 2014، ونحو 2.4% عام 2013، ونحو 3.9% عام 2012، ونحو 2.6% عام 2011، ونحو 2% عام 2010، ونحو 2.4% عام 2009.
وهذا العجز يحتاج إلى وقفة وإجراءات يتم التوافق عليها حتى ولو كانت مرة. وبما أن الواردات السلعية تبلغ 65 مليار دولار، فإن تخفيضها بنسبة 10% يمكن أن يوفر نصف عجز ميزان الحساب الجاري، وذلك من خلال ترشيد استيراد السلع غير الضرورية، بمنطق أن مصر فى حالة أزمة وتحتاج إلى إدارة اقتصادها ولو لمدة ثلاث سنوات كاقتصاد حرب. وفضلا عن ترشيد الواردات فإن ضمان المعايير الصحية فى الإنتاج الزراعى والتوسع فى حفظه وتعليبه يمكن أن يسهم فى زيادة كبيرة للصادرات المصرية وبخاصة للسوق الروسية بعد توقفها عن استيراد الخضر والفاكهة التركية.
أما الديون الداخلية فبلغت 2116.3 مليار جنيه مصرى فى منتصف عام 2015، مقارنة بنحو 1816.6 مليار جنيه فى منتصف عام 2014، ونحو 1527,4 مليار جنيه فى منتصف عام 2013، ونحو 1238.1 مليار جنيه فى منتصف عام 2012، ونحو 1044.9 مليار جنيه فى منتصف عام 2011، ونحو 888.7 مليار جنيه فى منتصف عام 2010. وهى أيضا دورة جهنمية من الاقتراض وتكبيل الأجيال القادمة بأعباء هذه الديون.
معالجة عجز الموازنة قضية قومية
لابد للحكومة من وقفة حقيقية بالتوافق مع الخبراء الاقتصاديين المستقلين والمنتمين إلى كل الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للوصول إلى أفضل معالجة لهذا العجز بصورة يتحمل الجميع مسئوليتها اجتماعيا. فهذه القضية القومية لن يحلها إلا توافق وطنى على الكيفية التى ينبغى حلها من خلالها، من خلال تنشيط الإيرادات العامة وترشيد النفقات كلما كان ذلك ممكنا.
وبالنسبة لتنشيط الإيرادات يمكن على سبيل المثال تطوير النظام الضريبي، حيث إن معدل الضريبة على الشريحة العليا للدخل يبلغ بعد التراجع مؤخرا 22.5% فقط وهو معدل منخفض بالقياس لكل البلدان المتقدمة والنامية تقريبا بما فى ذلك البلدان الأكثر جذبا للاستثمارات الخارجية. ويصل المتوسط العالمى للشريحة العليا للضرائب على دخل الشريحة العليا للدخل إلى قرابة 40%. (45% فى الصين، 43% فى الولايات المتحدة، 40% فى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، 57% فى السويد، 62% فى الدانمارك، 50% فى اليابان، 40% فى كوريا الجنوبية، 40% فى جنوب إفريقيا، 37% فى تايلاند، 35% فى تركيا).
ولا بد من التفكير مرة أخرى فى إعادة فرض بعض الضرائب مثل الضريبة على أرباح البورصة كما هو مطبق فى الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية. وإعادة ضريبة الدمغة على التعاملات فى البورصة باعتبارها آلية كانت موجودة من قبل وهى أكثر ضمانا للإيراد العام، فضلا عن كونها عامل استقرار فى أى بورصة لأنها تهدئ سخونة المضاربات غير المطلوبة فى البورصة. وينبغى أن تكون الحكومة أكثر صلابة فى مواجهة اعتراضات السماسرة والمضاربين فى البورصة ومندوبيهم فى الإعلام. والغالبية الساحقة من العمليات التى تجرى فى البورصة حاليا هى عمليات إتجار بأسهم شركات قائمة ولن يضير الدولة أن ترتفع أسعارها أو تنخفض، طالما أن الشركات الحقيقية التى يتم تداول أسهمها تعمل بالفعل، ولم يتم إغلاقها. وفى إطار تنشيط الإيرادات ينبغى التفكير فى فرض ضرائب على استنزاف الموارد الطبيعية، حيث إن عائدات الدولة محدودة للغاية ولا تتناسب مع الأرباح التى يحققها المنتجون المحليون والأجانب الذين يستخرجون تلك الموارد المعدنية والمحجرية.
وفى جانب الإنفاق لابد للدولة من تقليص دعم الطاقة إلى اقصى حد، وقصره حصريا على الفقراء. وصحيح أن التراجع الكبير فى أسعار النفط والغاز قد قلص دعم الطاقة كثيرا، لكن ذلك لا ينبغى أن يوقف مسيرة الإصلاح الكامل لمنظومة دعم الطاقة بإنهائه فعليا، ما عدا الدعم المقدم للفقراء. وحتى بالنسبة للنقل يمكن أن يتم ترشيد الدعم بتقديمه لسيارة واحدة للفرد، وللكمية الضرورية لتأدية العمل، وما زاد على ذلك يكون بأسعار التكلفة. وهذا الأمر يمكن ضبطه من خلال نظام الكوبونات الذى تم تجميده.
ويمكن القول إجمالا إن التطور الإيجابى المهم كان هو زيادة معدل النمو عام 2015، والبدء فى الخروج من حالة التباطؤ والمراوحة على حافة الركود التى استمرت لمدة أربعة أعوام. وهذا التطور الإيجابى ينبغى تعزيزه. أما باقى جوانب الأداء الاقتصادي، والسياسات الاقتصادية الاجتماعية، التى تحقق العدالة الاجتماعية والتى شهدت تراجعا بتخفيض الضريبة على الشريحة العليا للدخل، والسماح بالاستثناءات من الحد الأقصى للأجر رغم أنه كان من الممكن رفع الحد الأدنى ليرتفع الحد الأقصى تلقائيا ونحافظ على قيمة العدالة، وإلغاء الضريبة على أرباح البورصة، وتخفيض نسبة الإنفاق العام على التعليم من الناتج المحلى الإجمالي، فتحتاج إلى تطوير كبير حتى يكون من شأنها تحقيق آمال الشعب المصري. وينبغى أن نعتاد على أن يكون اختيار استراتيجيات التنمية وخططها قائما على التوافق بين الخبراء الحقيقيين سواء كانوا مستقلين أو منتمين للحكومة أو للمعارضة، لأن القضايا القومية الكبرى تحل فقط بهذه الطريقة وبتحمل الجميع لمسئولياتهم إزاء حلها.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.