لاشك أن الإسلام السياسي قد أخافنا في الآونة الأخيرة, وكاد يبتلع أي احتفاء بالتغيير بعد الثورة, وذلك بعد أن حاولت الأحزاب الإسلامية مصادرة كل المحافل السياسية وهرولت إلي الاستفراد بالسلطة بما يضرب الأسس التي ينبغي أن تحكم المسار الديمقراطي المقبل. . كان السلوك السياسي الذي اتبعه الإخوان المسلمون منذ بداية الثورة وحتي الآن هو سلوك غير طبيعي, وهو ما أثار الكثير من عتب أصدقاء الجماعة ودهشتهم,, وكثيرا من الشك والريبة لدي خصومها بل إن البعض ممن ينتمون ومن كانوا ينتمون إلي الإخوان راودتهم إزاء السلوك السياسي للجماعة بعد الثورة مشاعر وشكوك تشبه التهمة التي راجت منذ فترة ليست بالقصيرة وهي أن الإخوان متضامون مع المجلس العسكري لضبط إيقاع الثورة وتوجهاتها بما يخدم مصلحة كل منهما! عزز هذه التهمة استقالة القيادي السابق في الجماعة هيثم أبوخليل من منصبه احتجاجا- كما يقول- علي عدم اتخاذ إجراء صارم وحاسم ضد أعضاء مكتب الإرشاد الذين اجتمعوا في السر مع عمر سليمان أيام الثورة للتفاوض معهم لإنهاء مشاركتهم فيها مقابل الموافقة علي تأسيس حزب لهم وبعض الامتيازات الأخري وبدا لكثيرين أن الإخوان لايتعاملون مع الجميع بصدق وشفافية يقتضيها الالتزام الديني والأخلاقي للجماعة, وجاءت وعود الجماعة ثم تراجعها عنها لتزيد الشكوك ولتضع الإخوان في صدام مع كل القوي السياسية تقريبا ووعدت الجماعة بأنها لن تسعي في الانتخابات البرلمانية للحصول علي أكثر من03% من المقاعد ورفعت شعار( مشاركة لامغالبة), ثم ترشحت للحصول علي ما هو أكثر من05% ووعدت بأنها لن ترشح أحدا من أعضائها في الانتخابات الرئاسية وفصلت عبدالمنعم أبوالفتوح عندما أصر علي الترشح ثم تراجعت مرة أخري ورشحت نائب المرشد خيرت الشاطر ثم حاولوا السيطرة علي اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور حينئذ أصر شباب مصر برجاله ونسائه علي رفض الانصياع لهم وبالتالي تم إلحاق أكبر هزيمة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين علي أيدي قوي الليبرالية والمدنية واليسارية التي صممت علي منع التيار الإسلامي من الهيمنة علي الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور فصدر حكم قضائي تاريخي يوقف تشكيل التأسيسية, وأحبط الحكم مشاريع الهيمنة والاستفراد بصياغة الدستور, وتأكد بذلك أن الثورة قامت لكي تؤكد أن مصر أكبر من أن ينفرد بها فصيل معين أو عائلة أو مجموعة من المنتفعين. قارن موقف إخوان مصر مع نظرائهم في تونس( حزب النهضة) الذين كانوا في الموقف السياسي نفسه, فبعد ساعات من وصوله إلي تونس عقب هرب الرئيس زين العابدين بن علي أعلن راشد الغنوش أنه لن يترشح للإنتخابات الرئاسية ولن يكون هناك أي مرشح من حزب النهضة وهذا ماحدث بالفعل, والأهم من ذلك الفرق الواضح بين موقف الإخوان في مصر من مسألة الشريعة في الدستور وموقف حزب النهضة فالاخوان في مصر قاوموا كثيرا قبل موافقتهم علي مدنية الدولة وأصروا في المقابل علي مبدأ الشريعة مصدر أساسي للتشريع, أما في تونس فقد عبر الإسلاميون عن موقف متقدم يجمع بين روح الديمقراطية وروح الإسلام بطريقة حضارية وغير مسبوقة عربيا فقد جدد راشد الغنوش موقف النهضة تحت شعار إن الشريعة تقسم التونسيين والإسلام يجمعهم شارحا موقف حزبه بأن الجميع يقبلون تونس دولة إسلامية لغتها العربية ودينها الإسلام أما موضوع الشريعة فهو ملتبس فالتطبيقات التي حدثت في أكثر من بلد إسلامي جعلت مفهوم الشريعة ملتبسا وذلك بالجور علي حقوق النساء وعلي الفنون الجميلة وعلي حقوق غير المسلم وعلي الحريات العامة والخاصة ولذلك لم نرد أن نشق المجتمع التونسي إلي شقين شق الشريعة وشق الإسلام فالإسلام يوحد الجميع. إن مانراه اليوم من القوي الإسلامية.. التي قطفت انتخابيا ثمار سقوط النظام السابق لأسباب كثيرة, وليس فقط لضعف القوي المدنية والليبرالية والديمقراطية.. يشير ويؤكد سلوكهم السياسي المرتبك إلي أن هدفهم هو الاستحواذ علي الحكم إما لغاية الحكم للحكم ذاته وإما الحكم من أجل إعادة تشكيل الدولة وفقا لرؤيته وفي تلك الحالتين تكون رؤية الاخوان رؤية إقصائية بشكل واضح ولا أعتقد إننا كمصريين سنقبل بدكتاتورية أخري بعد دكتاتورية الحزب الوطني وعائلة مبارك حتي لو كانت دكتاتورية الإسلام السياسي. المشكلة أن الإخوان ظلوا يراوحون بين قطبي الماضي والمستقبل ولم يحسموا أمرهم أمام تبعات التغيير الذي فرضته ثورة52 يناير, ولايمكن القول إن لهذا الموقف المتردد علاقة بأن فكر الإخوان هو فكر إسلامي, والدليل أن حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا بخلفياتهما الإسلامية يتصرفان علي نحو يستشرف مستقبل بلادهم, ومن ثم يختلفان تماما مع تصرف جماعة الإخوان في مصر. د. عماد إسماعيل