فى طفولتى كنت أسمع من أقران الدراسة جمل من نوعية: يابختك أنت شاطرة أوى فى الإنجليزى، مع أن من يحدثنى هو عبقرى فى الرياضيات، وأنا بالكاد أفك شفرة المسائل والمعادلات، فكنت أستغرب لماذا يرى زميلى أو زميلتى جوانب التميز عندى ويتجاهل أن لدى بالمثل "عثرات " وعندما كبرت فهمت أن المقارنة الساذجة فى قاعة الفصل الدراسى هى نفس المقارنة الحاقدة فى كل أوجه الحياة، وأن هناك دائما من يحزن لأنك تملك شيئا لا يملكه، يرى نعم الله وفضله فى خلقه ولا يراها فى نفسه، قد تتساءلون هنا وماهى المشكلة ؟ الحقيقة أن شرر هذه الشخصيات التى تربت وترعرعت على منهج " المقارنة " لا يقل عن شرر الوحوش الكاسرة والحيوانات الغادرة، فهم يحملون بداخلهم نارا موقدة تتأجج كلما واتتك نعمة حتى ولو كانت "لقمة هنية" أو زوجة راضية مرضية، و زوجا خلوقا مهديا، أو ابنا بارا وليس عصيا، حقد هؤلاء لا يقتصر فقط على هذه النعم الحياتية، بل لربما حسدوك إن كنت لربك طائعا وتقيا، وإن كنت عن الحرام متعففا، مع أن هذه أمور مكتسبة تحصلها بالصبر والاجتهاد، لأن الأسهل هو إطلاق عنان النفس للشهوات، إلا أنهم يحسدون إردتك وإصرارك على الطاعات، لا تظن أن من أتحدث عنهم وهم كثر مساكين محرومين من أنعم الله، فعلى العكس منهم من يحصد النعم حصدا، ويحمل فى جسده وعياله مالايعد ولا يحصى من الخير، ولكن مشكلة هؤلاء أنهم يحملون نفوسا حاقدة لا تعرف للرضا سبيلا،لذا فجبال النعم لن تغنيهم عن النظر إلى مافى أيدى غيرهم، والحقيقة التى يتجاهلها هؤلاء أن لا أحد يمتلك كل شئ على أكمل وجه، ولا أحد يأتيه كل شئ فى نفس الوقت، وأنه لا داعى أن أشغل نفسى بغيرى ولو لبعض الوقت، وأقول لمن يقرأ سطورى من المصابين بداء المقارنة: تذكر أنك تهدر طاقتك وتخسر فى دنياك وآخرتك، ونهايتك ستكون فى النار لأنك من الحاقدين الحاسدين الذين ستكون جهنم مثوى لهم، ليتك تهدأ وترضى وتعلم أنك تطلع فقط على الجزء الظاهر لدى غيرك من النعم فلربما من تتمنى أن تكون مثله يكون فى حياته مالا تطيق من النقم، أما المبتلين بدوائر متعددة فى السكن والعمل من المقارنين والمقارنات فأقول لهم تحصنوا من شر حاسد إذا حسد وانتبهوا جيدا وأنتم تربون أطفالكم على أن توأدوا لديهم من المهد بذور المقارنة، وأخيرا لا حرمنا الله وإياكم من نعمة القلب الممتلئ قناعة ورضا . لمزيد من مقالات علا مصطفى عامر