الرحمة خير ونعمة.. وإحسان ورقة.. ببرها تفرح وترضى العيون.. وبفضلها تسعد وتطمئن القلوب.. وتعيش فى ظل الرفق والعطف والرأفة.. فى صلاح وأمان.. وبهجة وخلاص من العناء والشقاء والآلام.. ولجلال خيرها.. وعظمة مكارمها قال الله تعالى مخاطبا رسوله الأمين: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. إنه فضل كبير.. وكرم عظيم.. ظفرت به الإنسانية على يد الرسول الرءوف الرحيم.. فقد كانت قبل بعثته فى أشد الاحتياج إلى رحمة واسعة تخلصها من قسوة شنيعة بشعة.. يعوّل عليها الباطل والضلال.. ومعاناة شديدة مضنية.. يزيدها كل يوم الكفر والفحش والفسوق والطغيان.. وآلام كثيرة يحرص على استمرارها وفظاعتها أهل الشرك والفجور والبطوش والبغى والاستبداد. ومن العجيب أن هؤلاء الظالمين المجرمين أسرفوا فى تمجيد الضلال.. حتى صاروا أصناما تعبد الأصنام.. وأحجارا تقدس الأحجار.. ولا تعرف رأفة ولا شفقة ولا لينا.. فهى غرقى فى الضلال.. أسيرة للظلمات.. عدوة لكل المكارم والفضائل.. حبيبة لكل الشرور والآثام.. وظل الناس فى مشقة وهوان.. يتخبطون فى دياجير الفوضى والعنت والفساد والإرهاب.. ويتعثرون فى سوءات الجهل والقبح والخرافات والأوهام.. حتى أشرق على الكون سيد المرسلين.. فكان مولده أعظم حادث فى تاريخ الزمان.. وأكبر تحول فى حياة الإنسان.. وكانت بعثته رسالة هدى ورحمة.. ودعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. والحجج القاطعة.. والآيات الساطعة.. تأمر بالمعروف.. وتنهى عن المنكر.. وتؤمن بالله.. وترفض الشرك والجور والفساد.. وتتصدى لشناعة التمادى فى العدوان والبهتان. إنها تعتصم بالرحمة وهى إنعام وإفضال وإحسان.. وتتمسك بالرأفة يقودها الرسول لتفيض إيناسا وبرا.. وتتدفق لينا ويسرا.. وتنطلق علما وحلما.. وتسعى صفحا ونبلا.. لقد أرسله الله «شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا».. وهو فى ظلها الوارف.. وبرها السابغ ينشر التواد والتعاطف والتراحم والتكافل.. ومعه نفحات الشفقة تحتفل بخيراتها.. وتبتهج ببركاتها.. وتسعد بقول رب العالمين: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وسر السعادة أنها رحمة شاملة ترعى الناس والدواب وغيرهما.. وتقدم الأمن والأمان.. وتدعم الحرية والعزة والكرامة.. وتساند التوحيد والطهر والمساواة.. وتود أن تحظى بالإجلال والإخلاص والالتزام. يقول الهادى المختار: «من لا يرحم لا يرحمه الله»، ويؤكد أن «من لا يرحم من فى الأرض لا يرحمه من فى السماء». إن الرحمة طريق النجاة والفوز.. يقول سبحانه: «ونجنا برحمتك من القوم الكافرين»، ويقول أيضا: «قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين».. ولقد استطاعت الرحمة التى بثها رسول الإنسانية أن تنهى العبودية.. وتوقف الإيذاء والعنف والإرهاب.. وتقضى على التكبر المقيت.. والاستعلاء البغيض.. وتستمر فى مساندة التراحم والتضامن والتكافل.. والعناية بصلة الرحم.. وتكريم الوالدين.. كما توصى باليتامي.. فالرحمة بهم من أزكى القربات وأكرم الفضائل.. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك.. يلن قلبك.. وتدرك حاجتك»، ومواقفه فى الحث على الرفق بالحيوان كلها شرف ونبل وكرم.. ولا يتسع المجال لذكرها.. وحسبنا ما ذكره فى عقاب امرأة قست قسوة بشعة على هرة.. حيث يقول: «دخلت امرأة النار فى هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». إن ذكرى مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تدعونا إلى الاقتداء بخلقه العظيم.. ورحمته.. وبغضه للإرهاب والتخريب وقتل الأبرياء. لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان