يأتى الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف هذا العام خلال سلسلة من الأحداث الجسام التى تشهدها الأمة فى الأيام الحالية.. تفجيرات هنا، ومحاولات اغتيال هناك.. شهداء وضحايا تغتالهم يد الإرهاب الغاشمة.. ومن أسف أن تفخر بعض الجماعات المنتسبة زورا وبهتانا للإسلام. وحين نحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فى هذه الأيام، فإننا يجب علينا أن نهتدى بهديه ونتحلى بأخلاقه الكريمة التى نحن فى أمس الحاجة إليها اليوم، ونستلهم من سيرته العطرة ما يعيننا على العبور بسلام من تلك المرحلة الدقيقة فى تاريخنا، ونتلمس من سبل الهداية فى منهجه الحكيم ما يعالج مشكلات واقعنا وقضايانا المعاصرة، وبيان موقف الإسلام من الجرائم التى ترتكب من بعض أتباعه، وبراءته من كل ما يهدد أمن وأمان البشرية جمعاء وليس المسلمين فقط. ويؤكد علماء الدين أن الاحتفال بالمولد النبوى له فوائد كثيرة منها: التعريف بسيرته العطرة، ومعجزاته، واجتماع الناس على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث والسيرة النبوية، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف، وصلة الأرحام، وإطعام الفقراء والمساكين. ونحن على موعد قريب مع ذكرى إطلالة الرحمة الإلهية على البشرية، انتشرت سرادقات حلوى المولد النبوى الشريف، وتهادى بها الأقارب والأحباء والأصدقاء، واستعدت الطرق الصوفية لتنظيم مواكب الاحتفال وحلقات الذكر، خرجت علينا فتاوى متشددة تحرم الاحتفاء بمولد نبينا الكريم. ونحن بدورنا سألنا علماء الدين عن حكم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف؟ وما هى ضوابط وكيفية هذا الاحتفال؟ فى البداية تؤكد دار الإفتاء أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، يعد تعبيرا عن الفرح والحب للنبي، ومن أصول الإيمان، استنادا إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ ووَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين) رواه البخارى. والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة، وقد درج سلفنا الصالح منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين على الاحتفال بمولد الرسول صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح. وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الإثنين، ويقول: ذلك يوم ولدت فيه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام. وما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف أمر جائز فى ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته فى وقت دون وقت، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام فإنه يكون حينئذ أمرا مستحبا ومطلوبا يثيب الشرع على مثله والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم. كما أن تسيير المواكب والتغنى بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية لا حرج فيه مادام خلا عما ينافى الشرع من الاختلاط المذموم أو تعطيل المصالح العامة. ما ينبغى فعله يوم مولده ويقول الدكتور عبدالفتاح محمود إدريس، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله فى يوم مولده أنه كان يصوم أيام الإثنين «فسئل عن صومه؟، قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل على فيه» والصوم عبادة، وكل ما كان عبادة فهو من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، كما أن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم نعمة أنعم الله بها عليه وعلى المسلمين، إذ اختصه واصطفاه من بين سائر خلقه، ليكلفه بأمر الرسالة، وهو شرف عظيم استكثره عليه المعاندون فى بداية الدعوة، وشكر النعم إنما يكون بعبادة المنعم، والصوم عبادة محضة. وما ينبغى فعله يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم أن نتأسى به خاصة أن الله تعالى أمرنا بالتأسى به، بأن نفعل مثل ما فعل، فنصوم فى هذا اليوم شكرا لله تعالى على ما أنعم به علينا، من أنا أدركنا زمان هذا النبى وهدانا الله تعالى به، وأنعم علينا برسالته، بحسبان أن مولده وبعثته نعمة على كل من بعث إليهم، ومن ثم فإن ما يفعله بعض الدهماء الآن، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، من التفنن فى أنواع الأطعمة، وملء المعدة بها، أو التمايل يمنة ويسرة، أو إحداث البدع المنكرة البعيدة كل البعد عن شكر المنعم، ليست من الإسلام فى شيء، ويجب على المسلمين أن يقدروا لصاحب الذكرى العطرة حق قدره، وأن يشكروا الله تعالى على أن أرسله إلى البشرية هاديا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وأن يجددوا العهد مع الله تعالى فى الالتزام برسالته وما أنزله على هذا النبى من هدى ونور، ومعرفة هديه والانتهاج بنهجه، والتأسى بسلوكه ونبراسه، ليصدق علينا قول الحق سبحانه: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». العفو والصفح من جانبه يقول الشيخ إبراهيم حافظ، من علماء الأزهر، إن هذا اليوم له أهمية كبيرة فى نفوس المسلمين وعلينا أن نعلم أبنائنا فضائل النبي، ومحبته لأمته، وأن النبى فى دعائه المفضل (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا)، وهذا يعلمنا الصفح والتسامح مع سائر المسلمين، أما عن شراء الحلوى والقول بأنها بدعة، فإن البدعة تكون فى أمر من أمور الدين فقط، والنصف فى الحديث الوارد هو: زمن أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردس وهل ركوبنا للطائرات الآن بدعة؟ وهل استخدامنا للميكرفون فى الآذان بدعة؟ فكل الأمور الحياتية الأخرى التى نحتاجها فى أيامنا لا يقال عنها أنها بدعة، وعلى ضوء هذا فإننا نقول إنه لا مانع من أن يشترى الآباء والأمهات الحلوى لتوزيعها على أولادهم وأقاربهم ، وأن يجلس الوالد فيعلم أولاده فضائل ومكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشرح لهم سيرة النبى العطرة، فعندئذ تكون أوقع لمسامع الأولاد وارتباطهم بمولد الحبيب صلى الله عليه وسلم ونأمل من الجميع فى هذه المناسبة التأدب التام والكامل بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم ولا يكون ذلك إلا باتباع ما جاء به النبي، صلى الله عليه وسلم، والتى من أهمها الدعوة إلى الوسطية، وعدم التشتت والمغالاة، والدين يُسر، ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون». ... وصوم بنجاة موسى وفى سياق متصل أكد الدكتور د. رمضان عبدالعزيز عطا الله، أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن، بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، أن الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم يمكن أن نقره ونعتبره نافعاً للمسلمين، ونحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالهجرة النبوية ولا بغزوة بدر، ويتساءل الدكتور رمضان لماذا لم يحتفل الصحابة بكل هذه المناسبات؟، وأجاب قائلاً: لأن هذه الأيام عاشوها بالفعل، وكانوا يحيون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً فى ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم، ثم جاءت بعد ذلك عصور نسى الناس هذه الأحداث وأصبحت غائبة عن وعيهم، وغائبة عن عقولهم وضمائرهم، فاحتاج الناس إلى إحياء هذه المعانى التى ماتت والتذكير بهذه المآثر التى نُسيت، فعندما نحتفل بمولد الرسول فإننا نحتفل بمولد الرسالة، فإننا نذكِّر الناس برسالة رسول الله وبسيرة رسول الله. وأضاف: إن الاحتفال بالمولد النبوى له فوائد كثيرة منها: إن الاحتفال به يشتمل على ذكرى مولده الكريم، ومعجزاته، وسيرته والتعريف به صلى الله عليه وسلم، واجتماع الناس على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث والسيرة النبوية، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف، وصلة الأرحام وذلك من خلال تقديم الهدايا لهم، وإطعام الفقراء والمساكين، فنحن فى حاجة إذا إلى هذا الاحتفال الذى يذكرنا بالتودد والتراحم بيننا. حلوى المولد وردا على بعض الفتاوى المتشددة التى تحرم شراء الحلوى يقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه لابد أن يفرق فى العمل العلمى السليم بين العادات والعبادات، وحلوى المولد النبوى الشريف وأطعمة فى المناسبات سواء الدينية أو غير الدينية، تدخل فى قبيل العادات المباحة، والأصل فى ذلك قول الله تعالى: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق» وقال تعالى: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون». وأضاف: إن العرف الاجتماعى يعمل به طالما لم يصادم نصا شرعيا، وعليه فقد تعارف المصريون لصادق حبهم للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، وآل البيت رضى الله عنهم، وللصحابة وأولياء الله الصالحين، رضى الله عنهم على أن يحتفلوا فى المواسم الدينية بأطعمة محببة إلى الناس، ففى رمضان يصنعون الكنافة والقطايف، وذى الحجة يصنعون الثريد، وفى عاشوراء يصنعون طبق عاشورا من القمح والحليب والمكسرات والسكر، وفى المولد النبوى الشريف تكون الحلوى لإظهار الفرحة بمولد النبي، صلى الله عليه وسلم، وهذا كله جائز.