بالرغم من أن الكافيهات التى ملأت شوارعنا وإمتدت بكراسيها وزبائنها متجاوزة الرصيف إلى عرض الطريق، لم تكن موجودة على عهد النبوة. إلا أن قضية الجلوس فى الشارع للتسامر مع الأصحاب أو انتظار الرفاق، أوحل النزاعات وتصفية الخلافات، لم تفت على الإسلام، إذ أدرك النبى صلى الله عليه وسلم ماقد تحمله وهو أمر واقع نعانيه جميعا هذه الجلسات الميدانية من إزعاج أو مضايقات، فكان نهيه تماما عن الجلوس على الطرقات: كأمام المنازل والدكاكين والمقاهى والساحات، فلما وجد هناك حاجة لها وجاءه الرد التالى: مالنا بد، إنما هى مجالسنا نتحدث فيها.
فتغير الموقف وأصبح المبدأ هو الإباحة والجواز ولكن بشرط تنفيذ المطلوب الآتى: قال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أبيتم إلا المجالس، فاعطوا الطرق حقها " قالوا: وما حق الطريق ؟" قال : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) وفى بعض الروايات: ( وإرشاد الضال ) إلى هنا انتهى نص الحديث الشريف الذى نحفظه جميعا على ما أظن عن ظهر قلب لأننا درسناه ونحن صغار، ومنذ فترة طويلة وكلمات الحديث تتداعى على ذاكرتى كلما مررت برصيف اكتظ بكراسى الآكلين والشاربين والمدخنين، ولن أتطرق هنا للمخالفات والرشاوى والإكراميات التى لابد أن تدفع ليخرج المقهى بكل محتواه إلى الرصيف والشارع أيضا، ولكننى أتطرق لحق المارة وخاصة النساء والفتيات لأنهن بالطبع الأكثر تضررا من المرور ذهابا وإيابا أمام تجمعات الشباب والرجال، فهذه نظرة طويلة خارقة تفحص الفتاة من رأسيها حتى نعل الحذاء، وتلك كلمة غزل وقحة تصدر من فاه أحد أشباه الرجال، وربما غمزة عين أو إشارة بالإيدين، أو مراقبة سخيفة للسكان المجاورين، الشاب إذن أو الرجل ينزل إلى المقهى وهو لا يعلم أنه يعود محملا ليس فقط برائحة دخان الشيشة وإنما أيضا برائحة خفية لذنوب ومعاصى كثيرة، ربما لايدرك أنه ارتكبها، فهو فقط يجلس يبحلق فى حركة الشارع وهذا من وجهة نظره حق له!!
ولكن لأن أروع وأكمل الحقوق والواجبات لا تأتى من وجهات نظرنا الشخصية وإنما من التعليمات الدينية فتعالوا جميعا نعود لنص الحديث الذى تعلمناه قديما، ولتعلم كل أم أبنائها من قبل حتى أن يصيروا رجالا أو مراهقين، كيف يغضوا البصر إذا جلسوا مع رفاقهم على قارعة الطريق، وكيف يكف آذاه عن المارة فلا يؤذى أحدا بلسانه ولا بألفاظ السباب التى تخترق أسماعنا من هذه الكافيهات والتجمعات، وأن يرد السلام، وأن يأمر بالمعروف كأن يطعم جائع أو فقير يمر أمامه أو أن يدعو أصحابه للصلاة إذا سمعوا الآذان، وأن ينهى عن المنكر كأن يرى صغارا يعذبون حيوان، أو شخصا يضرب آخر مستضعف، وذلك طبعا فى حدود طاقته وسعته، وليتذكر الجميع أن أول الأمر النبوى هو النهى بمعنى إذا قدرنا أن نتجنب كافيهات الشوارع والأرصفة ونجلس فى أماكن لا تعترض طريق الذاهب والآتى فلنفعل، وأن الإباحة لم تأت إلا مع التقييد، بمعنى إذا لم تستطع الإلتزام بالشروط فجلوسك بالشارع غير صحيح. لمزيد من مقالات علا مصطفى عامر