تبدو بعض الأشياء عديمة القيمة بالنسبة للكثيرين, لكنها قد تكون أعظم وأكبر فائدة من غيرها, إذا أحسن استخدامها.. هنا قد يتعجب البعض من كيفية الاستفادة من ناتج حفر قناة السويس الجديدة, الذي يقدر بمئات الملايين من الأطنان, في بناء مجتمعات عمرانية جديدة موفرة للطاقة.. ولكن.. لم لا؟ فمن رحم الأفكار الصغيرة, تولد الأحلام والطموحات الكبيرة!.. حيث توصلت التكنولوجيا الحديثة في كثير من المجتمعات لاستغلال الموارد البيئية مثل استخدام الرمال وناتج الحفر مع بعض المكونات في بناء المباني, والورش والمجتمعات العمرانية الجديدة, بتقنية البناء بالتربة المثبتة, والتي من مزاياها حسن استغلال البيئة, وتوفير الطاقة, وتقليل النفقات, وتوفير فرص العمل. تقوم الفكرة التي يطرحها دكتور مهندس معماري وائل محمد عادل توفيق ويعمل بالإدارة الهندسية في هيئة قناة السويس علي استخدام الرمال المشونة علي ضفاف القناة, والناتجة عن أعمال الحفر الجاف و الرطب لقناة السويس الجديدة, في إقامة منشآت, ومجتمعات موفرة للطاقة, وقليلة التكلفة, بطريقة البناء بالتربة المثبتة المضغوطة, في محاولة لإيجاد طريقة أكثر اقتصادية من طرق البناء التقليدية, بهدف الوصول لوحدة إنشائية بنائية( طوب بناء), وحوائط لها سمك قليل, وخواص هندسية جيدة, ومقاومة عالية للأحمال, ومقاومة عالية للتوصيل الحراري, هذا إلي جانب استخدام تقنيات العمارة البيئية, والمعالجات المعمارية, والتصميمية, التي توفر الطاقة في المبني, كما توفر بيئة حرارية معتدلة داخل المبني و الاستفادة من الإضاءة, والتهوية الطبيعية, ومصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية, ومن مزايا هذه المباني, حسن استغلال البيئة, وتوفير الطاقة, وتوفير المزيد من فرص العمل. تحليل العينات يقول الدكتور وائل عادل إنه تم اتخاذ بعض الخطوات العملية في هذه التجربة كمرحلة أولي, من خلال سحب عينات من ناتج حفر قناة السويس من منطقة الفردان بالشمال, وسرابيوم في الجنوب, ويجري تحليلها حاليا, لتحديد نسبة الإضافات المطلوبة, للوصول إلي وحدة إنشائية بنائية طوب بناء, وحساب مقاومة الأحمال, مشيرا إلي أن تلك التجربة سبقتها تجربة مماثلة في مركز بحوث الإسكان والبناء, علي تربة مختلفة, والجديد هنا هو استخدام ناتج حفر قناة السويس الجديد في البناء, عبر وسائل علمية وتكنولوجية, من خلال معالجة ناتج الحفر, والذي يحتوي علي كميات من الأملاح, وبدلا من تراكم مئات الملايين من الأمتار من ناتج الحفر علي ضفاف القناة, فإنه يمكن استخدام هذه الكميات من الرمال, ومعالجتها من خلال إضافات معينة, ففي العادة نضع مادة رابطة مثل الأسمنت علي التربة الرملية بمعدل يتراوح بين5-10%, بعدها يتم كبس هذا الخليط في صورة وحدات بناء, لكن عندما تكون هناك أملاح في التربة, تتم إضافة مادة مقاومة للأملاح, تناسب طبيعة ناتج حفر قناة السويس, فإذا كنا نضيف الأسمنت بنسبة5-10%, فإننا سنضع10% من كمية المادة الرابطة حسب نتائج تحليل العينات. يضيف الدكتور وائل عادل أنه سيتم البدء بإنشاء نموذج لمبني واحد, وهنا قد تكون التكلفة مرتفعة نسبيا, لكن لو اتجهنا فيما بعد لإقامة مدينة كاملة بنفس الطريقة, فستكون التكلفة أقل بطبيعة الحال, مطالبا في الوقت نفسه, بمزيد من المساعدة لشباب الباحثين في تنفيذ أفكارهم, وتوفير كل سبيل الدعم لهم, عبر تزويدهم بمزيد من الإمكانات المادية واللوجستية اللازمة. 5 مراحل للبناء تتمثل مراحل البناء بالتربة المثبتة المضغوطة لإقامة منشآت موفرة للطاقة من نواتج الحفر في5 مراحل, ففي المرحلة الأولي, يتم تجهيز التربة, وتحديد نوعها, وخواصها الهندسية, ثم إضافة نسبة ضئيلة من مادة رابطة حسب نوع التربة مثل الاسمنت, لتحسين خواص التربة, ولعمل خليط البناء المستخدم في عملية إنتاج طوب البناء, وفي المرحلة الثانية, يتم صب الخليط في قوالب, ودمجها, ثم تتم معالجة الوحدات المنتجة في بناء المباني بالماء, وتحديد خواصها الهندسية, ومقاومتها الحرارية, كما إن مونة البناء سوف تكون من نفس خليط التربة, ومادة التثبيت, وفي المرحلة الثالثة يتم عمل التصميم المعماري, طبقا لمحددات تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني, وطبقا لمحددات تصميم الفراغات بوحدات التربة المثبتة المضغوطة, وتوفير بيئة حرارية معتدلة داخل المبني, والاستفادة من الإضاءة الطبيعة, ومصادر الطاقة المتجددة, وفي المرحلة الرابعة يتم عمل التصميم الإنشائي للمبني المكون من وحدات البناء بالتربة المثبتة المضغوطة بما يتضمن أمانها وكفاءتها, ومراعاة الاشتراطات, والمتطلبات الإنشائية الخاصة بتصميم هذا النوع من المنشآت, تحت تأثير الأنواع المختلفة من الأحمال شاملة حالة التعرض للزلازل, وفي المرحلة الخامسة يتم البدء في التنفيذ طبقا للمواصفات المصرية, لتنفيذ الأعمال, وأصول الصناعة لتحقيق متطلبات الأمان, والتشغيل, والصيانة. مزايا عديدة ومن مزايا هذا الاتجاه, إنشاء مجتمعات عمرانية خضراء قليلة التكلفة, وصديقة للبيئة, ويمكن البناء بهذه الطريقة حتي عدة أدوار, من خلال الاستفادة من ناتج الحفر المشون حيث إن إزالته تعطي مساحة لتشوين كميات أخري ناتجة عن التكريك بدلا من أن تؤدي إلي مشكلات بيئية, وللحصول علي مبان سكنية مريحة حراريا, يجب أن يكون غلاف المبني الخارجي ذا مقاومة حرارية عالية ليحد من الانتقال الحراري عبر غلاف المبني بحيث يتوفر بيئة مريحة حراريا حتي في المناخ الصحراوي القاحل, مع الاهتمام بالتهوية الطبيعية, وتوفير إضاءة طبيعية داخل المبني بحيث لا تقل عن المعدلات المطلوبة التي تحتاجها الدورة البيولوجية, والنظام البصري للإنسان, للعمل بكفاءة وتوفير الطاقة مما يقلل من فاتورة الدعم التي يتم صرفها علي بند الطاقة في الموازنة العامة للدولة, وتدعيم الاقتصاد المصري, وكذلك المساهمة في حل مشكلة الإسكان من خلال توفير مساكن منخفضة التكلفة نظرا لانخفاض تكلفة الأرض في المناطق الصحراوية وانخفاض تكاليف البناء, زيادة الاعتماد علي استخدام المواد المحلية وإنتاج مادة البناء بالموقع, أو بالقرب منه, ما تؤدي إلي توفير تكلفة النقل, كما أن البناء بالحوائط الحاملة يخفض نحو20% من تكلفة المنشأة, ويوفر60% من استهلاك الحديد, والمساهمة في حل مشكلة الازدحام المروري داخل المدن, والحد من مشكلة البطالة, عبر خلق مجتمعات إنتاجية جديدة, وإمكانية البناء في الأراضي الصحراوية النائية و يتم الاعتماد علي مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء, كما أن الطاقة المستغلة في إنتاج وحدات البناء بهذه الطريقة يوازي10% من الطاقة المستخدمة في إنتاج الطوب الأسمنتي, بالإضافة إلي أن إنتاج وحدات البناء المستخدمة في البناء بطريقة التربة المثبتة المضغوطة لا يحتاج إلي عمالة ماهرة, حيث يتم إنتاج الطوب علي3 مراحل هي: إعداد التربة, وضغط المزيج, والمعالجة, كما أن مخلفات البناء يمكن إعادة تدويرها, وهي لا تؤدي إلي أي مشكلات بيئية, لأن مواد البناء هي أصلا مواد من الطبيعة.