جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع ال12    «التضامن الاجتماعي» تقرر قيد جمعيتين بمحافظتي القاهرة والشرقية    الذهب يرتفع من أدنى مستوى في أسبوعين.. والأونصة تسجل 2342.73 دولار    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 27 -5-2024 في الدقهلية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    وزير الإسكان: تنفيذ حملات لإزالة مخالفات البناء في 4 مدن جديدة    ألمانيا: ندعم إعادة تفعيل بعثة الاتحاد الأوروبي في معبر رفح    مصر تدين القصف الإسرائيلي المتعمد لخيام النازحين فى رفح الفلسطينية    الليلة.. الاتحاد يواجه النصر في قمة الدوري السعودي    فيديو.. الأرصاد تُعدل توقعاتها لطقس اليوم: العظمى على القاهرة لن تصل إلى 40 درجة    «للوجه القبلي».. «السكة الحديد» تعلن مواعيد حجز قطارات عيد الأضحى المبارك    موعد وقفة عرفات 2024 وأهمية صيام يوم عرفة    عاجل:- توقعات بزيادة أسعار الأدوية قريبًا ومخاوف من نقص الدواء    خالد عبدالغفار : ندعم تشكيل لجنة عربية لدراسة وتقييم الوضع الصحي في قطاع غزة    الجزائر: نعتزم إعادة طرح ملف عضوية فلسطين أمام مجلس الأمن    فاتن حمامة تمثل باللغة العربية الفصحى أمام يوسف وهبي فى 7 صور نادرة    الزمالك أمام الاتحاد وختام الدوري السعودي.. تعرف على مواعيد مباريات اليوم    500 ألف جنيه مكافأة لكل لاعب بالأهلي بعد التتويج بدورى أبطال أفريقيا للمرة ال 12    مقتل وإصابة العشرات في 4 ولايات أمريكية جراء عواصف شديدة    طلاب الدبلومات الفنية يؤدون امتحان اللغة الفرنسية والحاسب الآلي بكفر الشيخ    500 متر من النيران.. حالتا اختناق في حريق مخزن خردة بإمبابة    "أوفر دوس" تكشف لغز جثة شاب في العجوزة    وزير الري يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مركز التدريب الإقليمى وجامعة بنها    جامعة القاهرة تحتضن ختام فعاليات مهرجان «إبداع 12»    مهرجان كان السينمائى 77 .. مصر تتصدر المشاركات العربية    عدا هذه السلعة.. هبوط حاد في أسعار السلع الأساسية اليوم 27-5-2024    بيان رسمي.. البترول تكشف: هل سحبت إيني سفينة الحفر من حقل ظهر؟    ميناء دمياط توقع مذكرة تفاهم مع "علوم الملاحة" ببني سويف لتعزيز التعاون    أول صورة لإحدى ضحاياه.. اعترافات جديدة صادمة ل"سفاح التجمع"    صباحك أوروبي.. موعد رحيل جوارديولا.. دياز مطلوب في إسبانيا.. وبديل كونتي    ستولتنبرج: الناتو يستعد للعب دورا أكبر بكثير في دعم أمن أوكرانيا    تعليق مفاجئ من وزير الكهرباء على تخفيف الأحمال    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 27-5-2024 في البنوك    بعد قليل، نظر استئناف باقي المتهمين بقضية التوكيلات الشعبية المزورة    «كولر vs جوميز».. كيف ظهر الثنائي عقب التتويج الأفريقي؟    راهول كوهلي يكشف عن خضوعه لتجارب أداء فيلم The Fantastic Four    صحة الاسماعيلية تحيل عدداً من العاملين بوحدة أبو جريش للتحقيق ( صور)    هل حج الزوج من مال زوجته جائز؟.. دار الإفتاء تجيب (فيديو)    ميدو: دونجا لاعب متميز وسيكون له دور مع المنتخب في الوقت القادم    الأزهر للفتوى يوضح سِن الأضحية    هبوط فروزينوني.. وإنتر ينهي موسمه بالتعادل مع فيرونا في الدوري الإيطالي    إحباط مخطط تاجر أسلحة لغسل 31 مليون جنيه بأسيوط    كولر: التحضير لمواجهة الترجي كان صعبا.. ولم أكن أعرف أن كريم فؤاد يستطيع تعويض معلول    أهمية ممارسة الرياضة اليومية.. لجسم وعقل أقوى وصحة أفضل    جيش الاحتلال يعلن اغتيال قياديين فى حركة حماس خلال هجوم على رفح الفلسطينية    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    علي جمعة يوضح معنى العمرة وحكمها وشروط وجوبها: آثارها عظيمة    «القاهرة الإخبارية»: دخول 123 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبر كرم أبو سالم    خبيرة: اللاجئون يكلفون الدولة اقتصاديا ونحتاج قواعد بيانات لهم دقيقة ومحدثة    بالتفاصيل.. تعرف على خطوات أداء مناسك الحج    رئيس جامعة المنصورة: أجرينا 1100 عملية بمركز زراعة الكبد ونسبة النجاح تصل ل98%    ماكرون: لم يكن لدى أوروبا هذا العدد من الأعداء كما هو الحال الآن    أوراق مزورة.. نقابة المحامين تكشف سر تأجيل القيد بالفترة الحالية    قطاع المتاحف: طريقة عرض الآثار بمعارض الخارج تتم من خلال لجان مشتركة    مفاجأة..أطعمة تغنيك عن تناول البيض واللحوم للحصول على البروتين    تعاون مشترك بين «قضايا الدولة» ومحافظة جنوب سيناء    "تطوير مناهج التعليم": تدريس 4 لغات أجنبية جديدة في المرحلة الإعدادية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن كل أحمد إبراهيم القاطن بِدِير النَحَّاسْ!

واحدٌ وستون عاماً مضت من عمر القاهرة، غير أن ديسمبر من كل عام يُذَكِّرُ (صناع السينما) و صائغى وعى الوطن، ومعهم عموم الخلق، أن مصرياً مبدعاً من أبناء مصر هو المخرج كمال الشيخ، التقط حادثة قرأها فى صحيفة، وأوجز حولها فكرة لينقلها إلى الكاتب الراحل على الزرقانى الذى نسج من الفكرة قصة، صاغ لها السيناريو والحوار كمال الشيخ وبدأ مشاوراته مع المنتجين حتى تحمست الراحلة آسيا للعمل، وبدأ تصوير الفيلم ليشهد شهر ديسمبر 1954 ميلاده الأول (حياة أو موت).
واحدٌ وستون عاماً من عمر مصر وعاصمتها، لكن ذاكرة هذا العمر لم يسقط منها ذاك النداء الذى انطلق مدوياً (من حكمدار العاصمة إلى المواطن أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس، لا تشرب الدواء الذى أرسلت ابنتك فى طلبه، الدواء فيه سم قاتل، عند سماعك هذه النشرة بلغ الحكمدارية، وعلى من يعرف أحمد إبراهيم المذكور المبادرة بتحذيره، إذا كان قريباً منه أو إخطار الحكمدارية فوراً).وبعد عدة أشهر كان الفيلم يعرض فى مهرجان (كان السينمائى الدولي)، حيث دوى تصفيق نجوم العالم وكبار نقاده مع نهاية الفيلم وإنقاذ الشرطة المصرية ل (المواطن أحمد إبراهيم)، صفقوا تحية للإنسان المصرى الذى يدرك قيمة الحياة، ولإنسانية جهاز الشرطة الذى قرر أن يسخر كل طاقاته لإنقاذ (مواطنه الإنسان)، واستسلموا لواقعية سحرية صنعتها عدسة المبدع كمال الشيخ فأحالت شوارع القاهرة وأزقتها إلى استديو تصوير مفتوح. صفق العالم للفيلم عندما تكامل إبداعه مع واقعه ليرسم لوحة إنسانية لدولة يصنفونها ضمن (العالم الثالث)، استطاعت أن تقدم لهم دفئاً إنسانياً تأكله برد ماديتهم التى كانت تزحف قبل أن تستلب منهم كل شيء اخيرا.
تفرض هذه الذكرى السينمائية حضورها على واقعنا، لتحتم علينا إعادة النظر فى مكوناته، التى بدلت أسئلة عصور الفساد والإفساد ملامحه، حتى تحولت مصر التى جسدها (الشيخ) فى (بين الحياة والموت)، والتى صفق العالم لها احتراماً وانبهاراً، إلى حلبات فوضى تتسع بعدما اكتشف مواطنها (أحمد إبراهيم) القاطن فى كل شارع أو حارة أو نجع، أنه غير آمن على وصول دواء لعلله، وغير واثق من أن هذا الدواء ليس فيه سم قاتل، أو أن حكمدار العاصمة يعبأ بأوجاعه، هذا علاوة على غياب (كمال الشيخ) الفنان الحالم بنموذج الوطن الذى ينبغى أن يكون، ويسعى لتجسيد حلمه شريطاً سينمائياً يوقظ ضمير كل (حكمدار)، ويعيد الثقة إلى كل (أحمد إبراهيم)، ويترجم دور الدولة الراعية فى أداءات تتفاعل كلها من أجل حماية المواطن الإنسان.
إن الحديث عن فيلم (حياة أو موت) فى هذا التوقيت الفارق من حياة أمتنا، يتجاوز محاولة التأريخ لعمل فني، إلى كونه شعار مرحلة، فكل مواطن على ظهر المحروسة هو (أحمد إبراهيم)، وكل مسئول فى هذا الوطن هو (حكمدار العاصمة)، وكل عالم دين أو سياسى أو إعلامى أو مبدع أو متصدر للمشهد بأى طريقة، هو الصيدلانى الذى أخطأ فى إعداد الدواء وعليه أن يصلح خطأه.
مصر الآن تحيا واقع (حياة أو موت)، وحجم الأدوية المسمومة الواردة إليها، فى منشطات دينية أو أقراص سياسية أو حقن ثقافية أو حتى (لبوس) سياسي، كلها يتجاوز قدرة كل حكمدار، ويعلو فوق وعى كل مواطن، الأمر الذى ينذر بتعاظم التهديد المحدق بالوطن، ويصبح الخيار المطروح على كل أبناء هذا الوطن هو (حياة أو موت).
وبالتأكيد يحتم هذا الخيار المصيرى على كل راعٍ حكمدار- دعم حِمَاهُ بأقصى طاقته، على أن يكون أول إجراءات هذا الدعم، أن يملك جسارة الاعتراف بعوار أصاب طاقته خلال عصر الفساد والإفساد، وأحال كل راعٍ إلى موظف، آمن على كرسيه، روتينى فى طرحه، مُتَّكِلٌ على كل الأدوات التى لا علاقة لها بصميم عمله. وهذا الاعتراف الحتمى ينبغى أن يتم أول ما يتم بين يدى ضميره الشخصي، حتى يتحول إلى طاقة قادرة على صياغة وعى مرءوسيه الذين أصابهم ما أصابه.
(حياة أو موت) إنه الواقع والخيار الذى يتجلى فى بناية تسقط على رءوس قاطنيها، بعدما تجاوزتها قوانين عصر الفساد والإفساد، والذى نراه فى جند يجتث أرواحهم المرابطة تكليف أعمى بالموت أصدره أمير وهمى جاءه الوحى من لندن أو واشنطون. والذى نعاينه كلما تابعنا خبراً عن تجاوز لضابط -أو أمين شرطة أو حتى عسكري- ممن غير زمن الفساد والإفساد عقيدتهم الأمنية فتحولوا من خدمة الشعب وتأمينه إلى استعباده. وهو كذلك الخيار المصرى الذى يلمسه كل مواطن فى دوائره، حيث تسهدفه خطة (إنهاك ثم إرباك ثم إفشال للدولة المصرية)، وضعها التنظيم الدولى وينفذها المغيبون بفعل دين التنظيم وبيانات الكُره والدم والثأر، فينشرون الشائعات ويخربون الشبكات ويصنعون ثم يضخمون الأزمات، سعياً لتسقط مصر وليحيا التنظيم بعد ممات.
(حياة أو موت) خيار يحتاج إلى راعٍ حكمدار-، وخاصة فى دوائر الأمن، يزيح علل الفساد والإفساد من فوق شخصية رجل الأمن المصري، ويعيده إلى أصل مهمته (خدمة الشعب وحمايته)، ويرسخ فى صفوف جنده، أن وطنيتهم التى تفرض عليهم فى هذا التوقيت حمل أرواحهم أكفهم كلما خرجوا من دورهم، تؤهلهم بالتبعية للإيمان بأنهم فى ساحة (جهاد وطنى صرف)، ليأمن كل مواطن على حياته، وليكون هذا المواطن بين يدى القانون الذى يمثله كل حكمدار أكثر أماناً. ولا يُعد حصر الخيارات المطروحة على مصر والمصريين فى (حياة أو موت)، ضرباً من ضروب المبالغة، وعلى من يتشكك أن يراجع الصورة التى يتم تصديرها (أنجلو أمريكاً) ويسوق لها الإخوان عن مصر، أو يتابع العلاقة بين وسائل الإعلام الأمريكية والإخوانية والداعشية، ليتأكد أننا نحيا زمنا كلنا فيه أحمد إبراهيم، وكل مصر دير النحاس، وكل فرد فى الجيش أوالشرطة حكمدار، وكلنا شاركنا فى صناعة الدواء المسموم وتجرعنا بعضه، وعلى الجميع أن يتشاركوا فى الإغاثة.
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.