البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بلدياتي. وعندما قابلته فى لقاء عام وذكرت له اعتزازى به. باعتباره من أبناء البحيرة. قال إنه زار الضهرية قريتي. وإن كان هذا اللقاء العابر لم يعقبه لقاءات أخري. يومها قلت له إن المرحوم البابا شنودة رغم نشأته فى الصعيد. فإن الفترة التى قضاها فى دمنهور مع شقيقه الأكبر تُعد فترة تكوينه. لكن مفاجأتى بزيارته للقدس المحتلة عبر تل أبيب قلبت حساباتي. فمعروف موقف الكنيسة المصرية منذ حرب 1967 وحتى لحظة سفره. ما إن احتل العدو الإسرائيلى القدس حتى أعلن البابا كيرولس عدم زيارة القدس. وعندما جاء البابا شنودة بعده قال كلامه الذى أصبح قانوناللكنيسة المصرية. قال البابا شنودة إنهم لن يزوروا القدس إلا بتأشيرة من الدولة الفلسطينية عندما تقوم وعاصمتها القدس. بل سمعته بنفسى يردد أنهم سيكونون آخر من يضع قدمه فى القدسالمحتلة حتى لو ذهب إليها جميع الأشقاء العرب من المسلمين وحتى من المسيحيين. لا يعود هذا الموقف لأن البابا شنودة خدم فى القوات المسلحة المصرية كضابط احتياط. لكن لأن الرجل كانت لديه إحاطة بالروح المصرية والوجدان المصرى ومعرفة بما يمكن أن يريده المصريون ويحلموا به. وكان جزءاً من كيان الأمة. ولم يكن مجرد بابا للأقباط. قالوا فى مبررات الزيارة إن الأنبا أبرام مطران القدس مصرى من مواليد سوهاج 1942. وحصل على بكالوريوس الزراعة 1962، والدكتوراه فى العلوم الزراعية «النباتات الطبية» 1968. ثم حصل على بكالوريوس فى اللاهوت من الكلية الأكليريكية بالقاهرة وترهبن عام 1984 بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون. ورقى أسقفا باسم الأنبا إبرام عام 1991. ورسمه البابا شنودة الثالث مطراناً على القدس والشرق الأدنى فى 17 ديسمبر 1991. وتم تجليسه على كرسيه بالقدس فى 3 يناير 1992. ومن المعروف أن مطران الكرسى الأورشليمى هو الأقدم بين مطارنة الكنيسة. بغض النظر عن ترتيبه الفعلى وسط المطارنة أو الأساقفة الذين يسبقونه فى الرسامة. أطلت فى الكلام عن الأنبا أبرام لسبب بسيط أنه قيل ولست متأكداً مما قيل إن الرجل أوصى قبل موته بأن يدفن فى القدس. توجد سابقة عندما توفى أحد المطارنة فى زمن البابا شنودة. أمر بنقل جثمانه إلى القاهرة وتمت الصلاة عليه فى القاهرة. ودفن فيها. ووصية أبرام بضرورة الصلاة والدفن فى القدس كانت السبب فيما جري. عرفت من بعض المتصلين بالكنيسة أن البابا تواضروس استأذن الدولة المصرية قبل سفره. وأنه سأل من يعملون فى القدس: هل سيكون فى الجنازة أى إسرائيلي؟ فقيل له: لا. واشترط أن يكون وجوده فى القدسالمحتلة لا يوصف بزيارة وليست له أى دلالة سوى القيام بواجب دينى تجاه الأنبا أبرام. ويعود بعدها إلى مصر. عاصرنا جميعا بعد كامب ديفيد موقف البابا شنوده من فكرة سفر الإخوة المسيحيين إلى القدس. ورغم أن هذا السفر كان جزءا من وجدان المسيحى المصري. لدرجة أن المسيحى فى قريتى كانوا ينادونه بالمقدس. بمعنى أنه إما سافر إلى القدس أو سيسافر إليها. وأن هذه الرحلة لها أهمية دينية وروحية قبل أى أهمية أخري. لكن البابا شنودة حرَّم السفر. ومن سافروا فى زمنه تعرضوا للمساءلة وللحرمان الكنسى بسبب سفرهم. طبعا كان من رابع المستحيلات أن يتوجه أى مسيحى إلى الكنيسة للحصول على إذن بالسفر للقدس. وإن سافر من تلقاء نفسه تتخذ ضده الإجراءات القانونية التى تنص عليها لوائح الكنيسة. والذين سافروا فى زمن البابا شنودة أعدادهم قليلة لحد الندرة. عندما نعرف أن آلافا سافروا إلى القدس من الإخوة المسيحيين فى العام الماضي. وعندما ندرك أن العدو الإسرائيلى مستمر فى تعنته ضد الإخوة الفلسطينيين. بل نفاجأ بين فترة وأخرى بمذابح وإجراءات شديدة القسوة والدموية تتخذ ضدهم. أى أن العدو ما زال عدوا وممارساته ما زالت كما هى إن لم تزد. ثمة سبب يخص الكنيسة المصرية يمنع أى مسيحى من السفر إلى فلسطينالمحتلة. ألا وهو قضية دير السلطان. الذى يعد أهم الأماكن العربية المقدسة فى القدسالشرقية. وقد بناه الوالى المصرى منصور التلبانى عام 1092م فوق كنيسة القيامة التى تعد أقدم كنيسة فى العالم بترخيص من الوالى العثمانى جلال الدين شاه. وظل الدير منذ بنائه المدخل الوحيد لدخول الحجاج المسيحيين كنيسة القيامة. حيث يوجد قبر السيد المسيح. بعد حرب السابع والستين قام العدو الإسرائيلى بالاستيلاء على دير السلطان فى القدسالشرقية. وسلمه إلى الرهبان الأحباش بعد طرد الرهبان المصريين. مما دفع الكنيسة المصرية إلى أن رفعت أكثر من مائة دعوى قضائية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية. وكسبتها كلها ضد الحكومة الإسرائيلية. وأثبتت حقها فى الدير. ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلى رفضت تنفيذ هذه الأحكام. هذا الموقف المتعنت من العدو الإسرائيلى تسبب فى غضب المسلمين قبل المسيحيين. وحتى بعد حرب السادس من أكتوبر ومباحثات ما سمى السلام وعودة ما عاد لنا من الأراضى المحتلة لم تشمل المفاوضات دير السلطان ولا عودته للكنيسة المصرية ولا إنهاء الإجراء العدوانى الذى اتخذه العدو الصهيونى. فما الذى جدَّ حتى يتخذ الأنبا تواضروس قراره الخطير بهدم جدار رفض سفر المسيحيين إلى القدس دون أى مقابل من العدو الصهيوني؟ هل نحن أمام موقف مصرى جديد من قضية التطبيع مع العدو الصهيونى؟. لا أقحم موضوعا فى موضوع. لكنى أربط بين سفر البابا وموقف آخر. مع أنه قد لا تكون ثمة علاقة بينهما. فمازلت عاجزا عن استيعاب تصويت مصر فى الأممالمتحدة لمصلحة إسرائيل حتى تصبح عضوا فى إحدى لجان المنظمة الدولية. قيل إن التصويت سببه أن إسرائيل لم تدخل اللجنة وحدها. لكن كان معها ثلاث دول عربية. وقد نشر فيما بعد أن الدول العربية التى تدعى الدولة المصرية أنها جاملتها صوتت ضد القرار. فما هى المستجدات التى دفعت البابا تواضروس لاتخاذ قراره الخطير وتنفيذه؟. هل نحن بإزاء موقف مصرى جديد من التطبيع؟!. لمزيد من مقالات يوسف القعيد