كل مصرى نابه وناجح فى مجاله وله حضوره الدولى أو الاقليمى اللافت والمؤثر، يمثل فى حد ذاته ثروة وكنزًا ثمينا لوطنه، حتى لو كان من عتاة المعارضين مادامت معارضته تنطلق من أرضية وطنية خالصة ، وحتى لو كانت مواقفه وآراؤه لا تعجب الأكثرية من الغوغائيين ومحترفى الصياح والتطبيل، فالذكاء والفطنة والكياسة تقتضى وتفرض حسن توظيفه واستثماره الاستثمار الأمثل بمعزل عن منظرى الخطوط الحمراء والزرقاء والصفراء، وصراخ وعويل التخوين، والتفتيش فى النيات والضمائر، بغية تمتين وتقوية سواعد الوطن وقت الشدائد والمحن. فكم من دليل وبرهان دامغ يؤكد عدم توفيقنا فى الاستفادة بشكل مثالى حتى الآن من طاقاتنا ومواردنا البشرية الموزعة على خريطة العالم، فأول خطوة على طريق الألف ميل المؤدى للتقدم والنهوض ترتبط بحسن إدارة الموارد البشرية داخليا وخارجيا، وسيكون خطأ جسيما دفن رءوسنا فى الرمال بانكار واقعنا الأليم على هذا الجانب. بياناتنا الرسمية تقول إن لدينا ثمانية ملايين مصرى بالخارج فكيف استثمرناهم وانتفعنا بهم؟ واقعيا وعمليا أهملناهم، ولا نأتى على ذكرهم سوى فى المناسبات الصاخبة الحائزة على أضواء الإعلام الكثيفة، مثل نيل أحدهم جائزة دولية رفيعة، كنوبل وغيرها، أو تقلد أحدهم منصبا مرموقا، أو لدى تعرضهم لاعتداء وحشى سافر هنا أو هناك ، أو عند سقوطهم قتلى بمناطق النزاعات الملتهبة التى ينزحون إليها طلبا للرزق وستر الحال. اختزلناهم فى كونهم « حصالة» تنعش مخزوننا من العملة الصعبة بما يرسلونه من تحويلات مالية لعائلاتهم وأقاربهم، وفى كيانات وهمية يؤسسها بعض الراغبين فى الاقتراب من دائرة الضوء، وأحيانا لاستغلالها كوسيلة للبيزنس مع الجهات الرسمية وغير الرسمية ليجنوا من ورائها ملايين الدولارات والامتيازات والتسهيلات، وأيضا للنصب والاحتيال باسمها أحيانا. لم أر آلية ولا تجمعا يظللهم ويحتويهم، ولا منظومة تسهم فى نقل خبراتهم وكفاءاتهم لبلدنا وتكون همزة الوصل بين الأجيال المتعاقبة، هذه الأجيال المفتقدة القدوة الحسنة، ولإكسير الأمل الذى يعينها على الصمود فى وجه المصاعب والتحديات. وإن أشرت إلى وزارة الهجرة وشئون العاملين بالخارج فاسمح لى أن اخبرك بأنها عديمة الجدوي، وجربناها مرارا وتكرارا, فمرة تكون ضمن تشكيلة الحكومة وتارة أخرى تلغي، وفى الحالتين فإن حدود اختصاصاتها غائمة وعلى تماس مع صلاحيات وزارات أخري. واتعجب كثيرا من اهدارنا ملايين الدولارات من أموال الشعب الكادح فى التعاقد مع شركات علاقات عامة فى الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية لتساعدنا فى التقارب والتفاهم مع مؤسسات صنع القرار فيها، والتأثير فيما تتخذه من قرارات تتعلق بنا، وقد تضر بمصالحنا، والمشكلة أن هذه النوعية من الشركات تبحث عن المكسب المادى وليست معنية ولا مهمومة بمصالحنا الحيوية والاستراتيجية، فنحن لسنا سوى متعاملين من بين عشرات ومئات الزبائن. وكان بالامكان توفير تلك الأموال وتوجيهها فيما يفيد مواطنينا، ويخفف عن ميزانية الدولة المثقلة بالأعباء إن نجحنا فى تكوين لوبى من المصريين النافذين فى أرجاء المعمورة الذين يشغلون مواقع مهمة فى الجامعات، والمراكز البحثية، والبرلمانات، والأوساط التجارية والمالية والاقتصادية، والوزارات السيادية كالدفاع والخارجية، فهؤلاء على دراية كاملة بفنون الاقناع، ويفهمون أقصر وأسرع السبل للنفاذ لعقول وقلوب المسئولين. لو كنا شكلنا «لوبى» فى أوروبا لكان من السهل علينا تلافى اتساع نطاق التداعيات السلبية الموجعة المترتبة على سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، وتأثيراتها المدمرة على صناعة السياحة فى شرم الشيخ والغردقة، وتصحيح الصورة المغلوطة لأوضاعنا التى تعمدت وسائل الإعلام الأوروبية والغربية ترويجها وكيل الاتهامات لمصر بالحق وبالباطل، والتشكيك فى استقرارها الأمنى بتحفيز وكيد من جماعة الإخوان الإرهابية وأعوانها. إن بعض المصريين القاطنين بعيدا عن المحروسة يمتلكون جاذبية وحضورا يجعلهم محط تركيز ومتابعة، ويمتلكون من أدوات التأثير الكثير، فقط ضع اسما من اسمائهم على محرك البحث جوجل لتتأكد بنفسك من تلك الحقيقة، والواحد منهم قد يسهم خلال زمن قياسى فى انجاز ما تعجز عن انجازه حملات الترويج وطرق الأبواب. عندك نموذج الدكتور مجدى يعقوب قبل أن يستقر قليلا فى مصر ردا لجميلها، رغم معاناته سابقا من صغائر وضغائن ضعاف النفوس من محطمى المبدعين والمبتكرين، فقد كان موضع تقدير وترحيب فى كل مكان يذهب إليه ولا يزال ، وتفتح له الأبواب الموصدة، ومعه الدكتور أحمد زويل. وقبل أيام وقف باسم يوسف على المسرح فى مدينة نيويوركالأمريكية ليقدم حفل توزيع جوائز «الايمى» التى يتابعها الملايين بأمريكا وخارجها، وبعدها توجه لمهرجان قرطاج بتونس لمهمة مماثلة، وفى الحدثين كان نجما وواجهة مشرفة وهو ما يجب الاعتراف به سواء كنت من محبيه، أو من منتقديه. لكن ولأسباب يطول شرحها فضلنا قطع الصلة به ورجمه بالحجارة لتبنيه موقفا اعتبره بعضنا غير مقبول، وفوتنا فرصة الاحتفاظ بشعرة معاوية معه وعدم اغلاق باب الحوار والنقاش المتحضر المتوازن، والنظر إليه ولغيره كاستثمار لا يجوز التفريط فيه. إزاء هذا الحال، قارن بين وضع جالياتنا بالخارج ومثيلاتها من الصين والهند ولبنان، فالجاليات الصينية مثلا أينما استقرت تعد اضافة حقيقية وفاعلة لقوة الصين، ولا يخفى أنها من بين العوامل الدافعة المساهمة بنصيب وافر فى تقدم التنين الصيني، ومارسوا أدوارا لا تنكر فى اعتلاء بلدهم الاصلى مرتبة متقدمة على السلم الاقتصادى والمالى والتكنولوجى بفضل تنظيمهم المتقن، واجادة استخدام ما تحت أيديهم من أوراق ضغط . إن عجزنا عن إدارة مواردنا البشرية الداخلية والخارجية يقود لفقدنا اياها بسهولة، وتقديمها على طبق من ذهب للآخرين الذين يعرفون ويجيدون استغلالها. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي