أربكت العمليات الإرهابية المتتالية والمتصاعدة، كل الحكومات التى تعاقبت على السلطة بعد الثورة فى تونس، مما دعا الحكومة التونسية مؤخرا إلى الإسراع فى وضع خطة إستراتيجية لمقاومة الإرهاب،وتوالت الدعوات إلى ابتداع حلول جديدة، وعدم السقوط فى إعادة استنساخ حلول قديمة لأوضاع مستجدة، وعدم الاكتفاء بالتركيز على الجانب الأمنى فقط. وقد كان تفجير حافلة الثلاثاء الماضي، فى وسط العاصمة تونس، الذى أودى بحياة 14جنديا من عناصر الأمن الرئاسي، الحلقة الأحدث فى مسلسل التفجيرات الدموية، بعد مجزرة شاطيء سوسة، والهجوم على متحف باردو، وكأن من يقفون خلف هذا المسلسل مصممون على استمرار أعمال سفك الدماء، وحرمان الشعب التونسى من الأمن والاستقرار، عقابا له على تعايشه وتكاتفه، وتمسكه بمبدأ الحوار للوصول بالبلاد إلى الحد الأدنى من العيش الكريم. وقد تبنى تنظيم “داعش” التفجير الانتحارى الذى استهدف حافلة الأمن الرئاسي، ونشر التنظيم الإرهابى بيانا أعلن فيه مسئوليته عن التفجير، وقال إن أحد عناصره الذى نشر صورته ويدعى أبو عبد الله التونسي، اندس وسط أعوان الأمن الرئاسى فى الحافلة، ونفذ التفجير الدامي. وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، أن التفجير الإرهابي، نفذ باستعمال حزام ناسف أوحقيبة ظهر تحوى متفجرات عسكرية. وقال البيان إن “ العملية الإرهابية تمت باستعمال حقيبة ظهرأوحزام ناسف يحتوى على 10 كجم، من مادة متفجرة عسكرية “، لكنها عادت لتؤكد أن التفجير تم بحزام ناسف وباستخدام مادة متفجرة من نوع سام تاكس، وأكدت أن المادة نفسها التى استخدمت فى حزمة ناسفة تم حجزها منذ عام 2014، مهربة من ليبيا. فيما دعا الحبيب الصيد رئيس الحكومة، التونسيين إلى توخى الحيطة والحذر، والاستجابة للتعليمات الأمنية، وتفهم الإجراءات والتدابير الأمنية الاحترازية التى شرع فى تطبيقها، منذ، وقوع الحادث، وتعهد الصيد، بتطبيق القوانين بصرامة فيما يتصل بمكافحة الإرهاب، بينها أغلاق حركة السيارات إلى محيط المطار، ومنع أى شخص عدا المسافرين الحاملين لتذاكر السفر من الدخول إلى المطار. من جهتها، دعت “حركة النهضة”، لعقد مؤتمر وطنى لمواجهة الإرهاب، ينهى التجاذبات الإيديولوجية والسياسية الضيقة بشأن الإرهاب. وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي، إن المرحلة تتطلب توحيد صفوف جميع التونسيين، إسلاميين وعلمانيين، فى معركتهم ضد أعداء الشعب والوطن والثورة، وتستدعى اصطفاف الشعب التونسى وراء حكومته ورئيسه فى مواجهة الإرهاب الغادر. وطالب التونسيين بتعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة الجماعات الإرهابية التى وصفها ب “ الفئة الشيطانية التى تستهدف أمن تونس واستقرارها “. أعاد الهجوم الإرهابى على حافلة الأمن المركزي، جدل الوحدة الوطنية مرة أخري، بعد ما تنادى الجميع بها، من أجل التصدى للظاهرة الإرهابية، “ ورب ضارة نافعة “، فقد نجحت النخب السياسية التونسية، مدعومة بوعى شعبي، فى الخروج من عنق الزجاجة، وتجنب الوقوع فى الفوضى الدموية التى غرقت فيها معظم دول “الربيع العربي”، واستحق مجتمعها المدنى الممثل فى مؤسساته الاربع، الاتحاد التونسى العام للشغل، والاتحاد التونسى للصناعة والحرف والصناعية اليدوية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة المحامين، جائزة نوبل للسلام، لكن الإرهاب العدو الأكبر للنجاح، ويضع الألغام فى طريقه، لقتل الأمل فى نفوس المواطنين من خلال زرع بذورالفتنة، وتدمير الاقتصاد، وتوسيع دائرة البطالة. تمثل ذلك فى تصريحات كل الأطياف السياسية على أختلاف مشاربها وتوجهاتها. تونس بحاجة إلى التقاط الأنفاس، والحد الأدنى من الاستقرار، لمواصلة مسيرتها على درب التعافي، وحل أزماتها الاقتصادية المعقدة، وتوفير فرص العمل للشباب المتعلم المؤهل، ولكن هناك من يريد سفك الدماء، واغراقها فى الفوضى وتحويلها إلى دولة فاشلة. الشعب التونسى شعب واعي ، وأكثر الشعوب ايمانا بالتعايش، وقيم العمل والانتاج، سيتجاوز هذه المحنة حتما، مثلما تجاوز محنا كثيرة فى الماضي.