حرائق متعمدة لبعض المساجد في الغرب وتحريض ضد المسلمين، وردات فعل عشوائية وغير مسئولة تؤجج مشاعر الكراهية وتلهب الصراع بين أطراف لا علاقة لهم بالأساس بالعمليات الإرهابية، وتنامي لموجات "الإسلاموفوبيا" والحركات العدائية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا بعد حادث باريس الإرهابي! وقعنا البروتوكولات، وعقدنا المؤتمرات وأصدرنا التوصيات، وأرسلنا القوافل الدعوية وتوالت الزيارات لتصحيح صورة الإسلام في الغرب، ولم تتحقق أية نتائج ملموسة علي ارض الواقع، وعلى الجانب الآخر نجح الإرهابيون في ترسيخ الصورة المشوهة حول الإسلام والمسلمين داخل الدول الغربية! كيف نصحح هذه الصورة المغلوطة؟ وما سبل إنقاذ المسلمين من التجاوزات التي تحدث ضدهم؟ وإذا كانت المؤسسات الفكرية والدينية في الدول العربية والإسلامية فشلت في ذلك فهل تبادر وزارات الخارجية الإسلامية أو جامعة الدول العربية بإطلاق مبادرة بالتعاون مع المؤسسات الدينية والمنظمات الدولية للتصدي لتلك الهجمات ضد المسلمين في الغرب؟! يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن ما عقد وما سيعقد من مؤتمرات أو ندوات معلوم سلفا نتيجتها وما تسفر عنه، وأن الذين عقدوا وشاركوا في المؤتمرات والندوات المتعددة في هذا البلد يعلمون النتيجة، وأنها لن تكون سوى شو إعلامي، ليبارك المغلوبون على أمرهم الجهود المبذولة، والدعاء لأصحاب الحناجر بالمزيد من الخطب والكلام المستهلك، وقد مضى عام أو يزيد على عقد هذه المؤتمرات والندوات في هذا السياق، كما مضى أكثر من ذلك على بعث القوافل في الداخل والخارج، لتكون النتيجة بعد ذلك كله: صفر لا شيء! وأضاف: إن البعض قد توهم من خلال أحلامه أنه بمستطيع - بقدراته المحدودة - أن يقضي على الإرهاب، ويقضي على بغض غير المسلمين للإسلام وأتباعه، ويبدو أن العاملين في هذا المجال قد غرر بهم مستشاروهم، وأوهموهم بالدخول في منزلق نتيجته الفشل المتيقن، فضلا عن أن هؤلاء الواهمين لا خبرة لهم ولا دراية بسبل مواجهة الفكر المنحرف، فثقافة العشوائية طاغية على تحركاتهم، والمجال لا يتسع لذكر نماذج هذه العشوائية، إلا أن المتيقن أنه لا أثر لصنيعهم في الواقع، فإن الإرهاب تزداد وتيرته، وصوت الضلال يعلو، والعنف الذي يمارس ضد المسلمين تزداد مساحته، وإيذاء المسلمين في رموزهم مستمر، والاضطراب والقلق الذي يجتاح بلاد الإسلام شرقا وغربا بسبب الفكر الضال دائم، فالصورة شديدة القتامة، لن يزيل قتامتها أو يخفف منها جهود جماعة محسوبة على الإسلام، أيا كانت الألقاب التي أطلق عليها. وأشار أن تصحيح صورة الإسلام لم تعد مهمة أفراد أو جماعات أو مؤسسات في دولة إسلامية، بل أصبحت دعوة عالمية، يجب أن تتبناها منظمة لها صفة العالمية، لها برنامج غير عاطفي، لا يتخذ من الشعارات والبيانات والتصريحات منهجا لمهمته، تجند للقيام بهذا العمل من صح فكرهم، ورسخ علمهم، وشُهِد لهم بالمقدرة على ما يناط بهم، وأن لا تتوقف هذه الدعوة البتة، بحسبان أن الخطر على الإسلام وأهله لا يأتي فقط من غير المسلمين، بل ربما كان أشده خطرا ما يصدر من المنتسبين إلى الإسلام، وأن هذا الخطر لا تتوقف مظاهره، بحسبانه يحقق غاية لدى ضعاف النفوس والمفسدين في الأرض، وأن يكون للقائمين بتصحيح صورة الإسلام تلاحم واختلاط بغير المسلمين، ليمكنهم انتزاع الصورة المغلوطة، التي استكنت في نفوس المسلمين وغيرهم من الإعلام المغرض في الدول الإسلامية وغيرها. وطالب بضرورة ان تكون في الشرق والغرب لقاءات مشتركة بين علماء دين مسلمين وغير مسلمين، وإفساح المجال لعلماء الدين السماوي غير الإسلامي بالتحدث في هذه اللقاءات، فإن بين الديانات السماوية مساحات مشتركة، لتأكيد أن الإسلام لا يعرف العنصرية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذه الأمور المشتركة بين الديانات السماوية، إذ قال: (الأنبياء أخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد)، ومعنى: بنو العلات: بنو الرجل الواحد من أمهات شتى، بما يعبر عن وحدة الأديان التي جاءت بها الرسل، ومن ثم فإن من عوامل تصحيح صورة الإسلام إفساح المجال لغير المسلمين في التحدث عن الإسلام وسائر الديانات بمحضر من المسلمين، لتصحيح الفكر المغلوط في نفوس غير المسلمين عن الإسلام، بل إن من المنتسبين إلى الإسلام الذين لا تَزورُّ عنهم عدسات الفضائيات، من لا يعرف عن الإسلام إلا قشوره. المؤسسات الدينية منقسمة: من جانبه يرى الدكتور احمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ان المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي منقسمة علي نفسها والعرب المسلمون في الغرب منقسمون علي أنفسهم أيضا، وهو السبب الجوهري في تعرض المسلمون في الدول الغربية للهجمات إبان كل حادث إرهابي، كما ان الأنشطة والفعاليات التي تعقد بمثابة رد فعل بعد حصول كل أزمة أو كارثة، وهذه الإجراءات خاطئة ولابد بالأخذ بزمام المبادرة من خلال التدابير الوقائية بمعني إفهام الأخر بجواهر الإسلام لأن الإسلام ليس متهما فيدافع عنة ولا مدان فيعتذر عنة ولكن الإسلام دعوة سمحة قال الله تعالي: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وطالب بإعداد الكوادر المؤهلة علي خطاب الغير وتحديد الموضوعات الملائمة وليس الخطب والمواعظ إنما تحديد ومعرفة قضايا العلم والبيئة وحقوق الإنسان والتعايش وقبول الأخر ومدي واقعية الدين والحياة في العصر الحديث بالإضافة إلي كيفية التواصل مع ثقافات وحضارات الغرب لأن هذه الأمور غائبة عن الحناجر التي تدير المؤسسات الدينية لأنهم يديرونها بمنطق الخطابة الوعظية والتصريحات الوردية والرنانة، ولقد اقترحت علي رئاسة الجمهورية إنشاء هيئة قومية للوعي الإسلامي ليست بديلا عن الأزهر ولكن تكون بمثابة مركز قومي لجمع الجذور المنعزلة في كيان واحد لانتقاء الكوادر من شباب الباحثين مع خبرات كبار العلماء يقوموا علي التواصل فيما بينهم وتعينهم كمستشارين ثقافيين في سفارات الدول الإسلامية بالغرب وذلك يكون الهدف قد تحقق هو توصيل رسالة الإسلام الصحيحة للغرب. الإرهاب لا دين ولا وطن له: من جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، أن السبيل الوحيد للخروج من تلك الأزمة هي أن تفعل الحكومات في الدول الغربية القوانين التي تعاقب على نشر الكراهية في المجتمع ضد أي من الديانات، ومن الاعتداءات التي تقع على المسلمين هناك من بعض المتطرفين بعد أحداث باريس المأساوية، خاصة وأن المسلمين الأوروبيين جزء لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، وليس من مصلحة دول الغرب ما يحدث من اضرابات داخل المجتمع. كما أنه على المسلمين في الغرب أن يندمجوا بشكل إيجابي وفعال في مجتمعهم الغربي أو الأوروبي، وأن يظهروا بأخلاقهم وقيمهم المعاني السمحة للإسلام، وبذلك يكونون بمثابة حائط صد أمام موجات التطرف والتي تجتاح الغرب الآن. ونحن في دار الإفتاء المصرية مستعدون لمد يد العون لكل المؤسسات والحكومات في الدول الغربية في إطار التعاون الدولي من أجل مواجهة التطرف والإرهاب، ولتحصين الشباب هناك من الأفكار المنحرفة والمتطرفة التي تستغلها داعش وأمثالها للتأثير على الشباب. لأن المؤسسات الدينية الوسطية جزء من الحل في هذه الأزمة. التوصيات عبر علي ورق: من جانبه أكد الدكتور عادل المراغي إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية إن التوصيات والمؤتمرات حبر علي ورق ولم تؤد القوافل الدور المطلوب فلابد من تضافر الجهود بين المؤسسة الدينية والخارجية الجامعة الدول العربية بعد أن نجحت داعش ونجح الفكر المتطرف في تشويه صورة المسلمين. إذا أردنا تصحيح هذه الصورة فلا بد من قيام وسائل الإعلام المختلفة بدورها ولا نلقي بالتبعية علي المؤسسة الدينية فحسب لان ما تبنية المؤسسة الدينية في عام تهدمه داعش في لحظة. وطالب بان يكون لمؤسسات الدولة الحكومية والخارجية المصرية دور واضح وملموس بالتعاون مع المؤسسات الدينية في مصر والعالم الإسلامي للتصدي للهجمة الشرسة ضد المسلمين في الغرب مع فتح قنوات اتصال بين المؤسسات الدينية في الدول الغربية والإفريقية لتصحيح صورة الإسلام بشكل فعال وقوي بعيد عن الشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع مع ضرورة تفعيل البعثات الخارجية بشكل صحيح والاستعانة بخريجي كلية اللغات والترجمة في الخارج. دور وسائل الإعلام ضعيف: وفي سياق متصل طالبت الدكتورة أماني محمود عبدالصمد باحثة في أصول الفقه بكلية دار العلوم بضرورة تصحيح صورة الإسلام علي أن تكون لأهل الداخل في البلد المسلم، مثل ما تكون لغيرهم، ومن ثم فإن العبء ثقيل على من يقوم بمهمة تصحيح صورة الإسلام في الداخل والخارج، ومن الأهمية بمكان أن يكون لما يلقى ويكتب في وسائل الإعلام ضوابط، تتبنى مراعاتها جهة رقابية سيادية في الدول الإسلامية، حتى لا تكون هناك جهة بناء، وجهات هي معاول هدم لهذا البناء، حتى لا تتبعثر الجهود، وتحدث انتكاسة لما يبذل في هذا السبيل. بالإضافة إلي تحقيق التوازن في القيم الإنسانية الأساسية المشتركة بين ثقافة المسلمين وهويتهم الإسلامية والجوانب الإيجابية في ثقافة الغرب، بما يضمن الاحترام المتبادل والعيش الكريم المشترك بعيدا عن التعصب الديني، وذلك بغرض تعليم المسلمين لغة الدولة التي يستقرون فيها، للقيام بدورهم في التعريف بالإسلام وتحسين صورتهم لدى الغرب من خلال اتصالهم وتواصلهم مع أفراد ومؤسسات المجتمع، وإقامة الندوات لترسيخ معنى المواطنة لديهم والتأكيد على أهمية "فقه الواقع" وبخاصة القضايا التي قد تعوق تحقيق الاندماج الإيجابي في المجتمع. وطالبت بإعداد الأئمة والمفتين المرسلين إلى بلاد الغرب ليكونوا على معرفة تامة بلغة وثقافة الغرب، وخطابهم الديني الذي يتماشى مع عوامل الزمان والمكان، حتى يسهل حل القضايا الدينية والفكرية المستجدة في الغرب، وبخاصة تواصلهم مع الأجيال الجديدة، وإرسال رسائل سياسية قوية من الحكومات الإسلامية وجامعة الدول العربية تفيد بأن: الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في أوروبا ولا يمكن اعتبار أن المسلمين أقليات، فيجب دمجهم في المجتمعات الغربية.