سفر الصحافة فى عالمنا سفر دامٍ. صفحاته مكتوبة بالمعاناة التى لا تعرف حدودا أو سقفا، وبأنهار من الدموع وآهات التوجع والأسي. وإذا كانت الانقلابات العسكرية قد بدأت فى العراق، إلا أن الانقلابات السورية المتتالية للزعيم والحناوى والشيشكلى هى التى فتحت الباب لانقلابات حزب البعث فى كلتا الدولتين، ومع هذا البعث بدأ طريق الدماء والآلام وتأميم الكلمة لا فى الصحافة والإعلام فقط، بل فى المسرح والسينما وغيرهما. ولم أجد منصفا يخبرنا، لماذا تؤمم النظم الجمهورية الصحف فى حين أن النظم الملكية رفضت أن تخطو فوق هذا الطريق؟ وأهل الكلمة لم ينسوا بعد أن سليم اللوزى صاحب ورئيس تحرير مجلة الحوادث قد وضعت يده اليمنى التى يكتب بها فى حامض الكبريتيك ليذوق عذابا لم يذقه صاحب كلمة، بعدها تم قتله لمجرد أنه كتب ما أثار غضب أهل الحكم فى هذا الوطن العربي. ولم ينس أهل الكلمة اغتيال الصحفيين فى لبنان وعلى رأسهم سمير قصير وجبران توينى وغيرهما. وقد عالج صديقى الكاتب المبدع محمد العزبى قضيته فى كتابه الجميل الذى حمل عنوان «الصحافة والحكم» وقال إن ابنة جبران توينى ورئيسة تحرير جريدة النهار بعد اغتيال أبيها، قد قالت بعد موت جدها غسان توينى وهى تكتب لتودعه «جدى سلم لى على بابا». ومحمد العزبى الصحفى والكاتب ورئيس تحرير الاجيبشيان جازيت ومدير تحرير الجمهورية السابق من المثقفين أصحاب المعارف والخبرات الهائلة، فقد أمضى سنوات يدرس الطب،ثم هجره ودرس الصحافة، وبعد رحلة فى عدة مجلات وصحف استقر بجريدة الجمهورية التى أحبها جدا، ورأى فيها بيتا جميلا وزامل فيها أجيالا من الأصدقاء والتلاميذ والمريدين. والرجل صاحب الاسلوب العف الرقيق الذى يكتب لمسا ويتجنب تماما الكلمات التى تجرح أو حتى تؤذى فى حين يكتب آخرون بمشارط. والكتاب بانوراما للصحافة المصرية بكل أسرارها وحكاياتها عبر أكثر من نصف قرن من الزمان. وعندما تطرق إلى منع بعض المقالات، ضرب أمثلة بالأستاذين أحمد بهاء الدين وأسامة الغزالى حرب، وهناك غيرهما كثيرون تعرضوا لمثل ما تعرض له بهاء وحرب. ولأنه كاتب منصف ألقى الضوء على ما كتبه الأستاذ صلاح عيسى حول هذه القضية حيث أكد أنه رئيس تحرير وليس ساعى بريد، وقال إنه يمنع نشر بعض المقالات وأن الغزالى لو أصبح رئيسا للتحرير لمنع نشر مقالات. ومن الطريف أن بهاء الذى أثار جلبة لمنع نشر مقال له بجريدة الأهرام، سبق أن منع نشر مقال للأستاذ إحسان عبد القدوس فى الأهرام عندما كان مسئولا عن التحرير ولمن لا يعرفون، فإن إحسان كان رئيسا لتحرير مجلة روزاليوسف وابنا لروز اليوسف التى تملك الدار، وهو الذى فتح الباب أمام بهاء وعبد الرحمن الشرقاوى وفتحى غانم للانضمام لأسرة روز اليوسف، بعد أن كانوا يعملون بالشئون القانونية بإحدى الهيئات بمبنى مجمع التحرير، وقد مد يد المساعدة لهم جميعا خاصة بهاء، بل فتح أمامه الباب ليصبح أول رئيس تحرير لمجلة صباح الخير بالرغم من صغر سنه، وكانت صدمة غير متوقعة لاحسان عبد القدوس، ولكل من سمع بها من الزملاء بالاهرام وقتذاك. لمزيد من مقالات عبده مباشر