جاء قرار جامعة بنى سويف هذا الأسبوع، بفصل 6 طلاب لمدة عام دراسى لحيازة وتعاطى المخدرات داخل الحرم الجامعي، ليفجر قضية انتشار المخدرات بين طلاب الجامعات المصرية. فقد بلغت معدلات إدمان المخدرات والكحوليات - حسب مركز أبحاث أمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة 6 % من الطلاب، بينما ثبت أن 60% من طلاب الجامعات تعاملوا مع المخدرات لمرة واحدة أومرات محدودة، وجاء الحشيش الأكثر انتشارا بين الطلاب فى المحافظات ثم الترامادول فى المركز الثانى فى الاستخدام بين المدمنين ثم الأفيون، وقد وجد أن 23.4 % من الشباب المتعاطين يعتمدون على الترامادول لسهولة الحصول عليه، رغم إدراجه على قوائم المخدرات بالإضافة إلى انتشار المعتقدات الخاطئة حوله، و30% تعاطوا مخدر الحشيش ومخدرات متنوعة بالأفراح الشعبية، وأن نسبة من تعاطى الحشيش والبانجو بلغت 27% بينهم ، ومن يتعاطون الكحول 12%، أما نسبة من يفضل «الكلة» المنتشرة فى الأوساط الأكثر فقراً وثقافة فى المجتمع المصرى وصلت إلى 8%. المخدرات المدمرة تؤكد الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ البحوث الجنائية أن تزايد أنواع المخدرات بأشكالها كافة منها الطبيعية والصناعية المدمرة والقاتلة مثل الهيروين والكوكايين والحبوب المهدئة والمنشطة التى يستخدمها الشباب خاصة فى الجامعات، تشكل خطورة على المجتمع مثل المشكلات الاجتماعية والأسرية والسرقة والقتل والاغتصاب، فالمخدرات تنتشر فى مختلف الطبقات الاجتماعية، ولا ترتبط بالمستوى المادى، وتتزايد فى مرحلة المراهقة والشباب خاصة بالجامعات وهى المرحلة التى تعتمد عليها الدولة فى إنتاج أبنائها وهم عماد المستقبل، فإذا فسدوا سقط الوطن وانهار وهم يمثلون نسبة كبيرة فى المجتمع. ومع غياب دور الأسرة فى رعاية الأبناء ومراقبتهم وإرشادهم، يكون من السهل على الأبناء السقوط بتأثير رفاق السوء، ويكون الدافع غالبا أن الأسرة غائبة أو سفر الوالد أو انصراف الوالدين للعمل وتدبيرالمال، بينما يتصرف الطالب كما يشاء مع حصوله على مصروفه ودون رقابة، فيجد فرصته مع رفاق الشر من المنحرفين والضَّائعين ممن يزينون له الانحرافات وعلى رأسها تعاطى المخدرات، ومنه يتجه للإدمان ثم السرقة من البيت ثم ينضم بعد ذلك للعصابات ويتحول لمجرم لأنه يكون فاقدا للوعى والتركيز ويكون عبدا للمتاجرين بتلك السموم ، الذين يحققون مكاسب هائلة على حساب جثث ضحاياهم من الشباب، فبعض الشباب يقبل على تعاطى المخدرات فى السهرات والأفراح والجلسات الشبابية من قبيل المفاخرة والإحساس بالرجولة والمجاملة، وهو ما يدفع ضعاف الشخصية إلى قبول هدية الأصدقاء من المخدرات من باب الحرج الاجتماعى أحيانا، والاحساس بالاستقلالية والتحرر من قيود العائلة فى أحيان أخرى . وأضافت أن الشباب فى هذه المرحلة يكون ضحية أحيانا لعدم رعايته فهو يحتاج من أسرته الحب والرعاية والتفاهم، فإذا افتقدها فى محيط أسرته وقعت الكارثة مع الأبناء، لذلك ينبغى على الوالدين أنْ يعاملا أبناءهما بالود والحب حتى يكونوا أسوياء، فالحب خير وقاية للشباب من الدخول فى دائرة الانحراف والإدمان، فمن الممكن أن يتعاطى الشباب المخدرات لمجرد التقليد، خصوصًا إذا ما كان المتعاطى ذا جاه أو مركز، أو شهرة فيصادقه، ويتشبه به دون وعى أو تمييز، ودون معرفة حقيقة بهذا الخطر، فهو يعتقد أن تناول المخدر مع أصحابه وتقاسمها نوعا من الترفيه، ولو بقدر صغير من مخدر البانجو، فيتحول لمدمن مع تعاطى هذا المخدر بشكل شبه يومى، فإذا حاول التوقف أكثر من مرة، وجد أصدقاء السوء يغرونه ويوفرون له المخدرات، وبالتالى يفشل من الخروج من دائرة الإدمان، التى يظهر أثرها السلبى، ليطال المجتمع بأسره، ويكون لدى الشباب حالة من اللامبالاة والسلبية، والتأخر الدراسى، والاكتئاب والعزلة عن الآخرين، والانحراف السلوكى كالسرقة والقتل وغيرها فى سبيل الحصول على المخدرات . آفة العصر ويضيف الدكتور محمد عبد الظاهر أستاذ الصحة النفسية بجامعة طنطا أن المخدرات بكافة أنواعها تعتبر آفة العصر ومشكلة تستهدف الشباب خاصة شباب الجامعات، وتستنزف الاقتصاد الوطنى وتدمر صحة المجتمع، ويتفق الجميع على ضررها البالغ على الحياة الاجتماعية والصحية والاقتصادية، وضرورة العمل لمنع انتشارها بالتصدى للمهربين وتشديد التشريعات والعقوبات، وفى نفس الوقت فإن الرقابة الأسرية من الأب والأم هى الأساس ومن المهم التعرف على أصدقاء الأبناء، »فكما يقول الرسول الكريم :»المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل«، مشيرا إلى أن تعاطى أحد أفراد الأسرة للمخدرات تبدأ من انشغال الوالدين سواء بسبب الأعمال أو لظروف المرض أو السفر الطويل، مع التدليل الزائد فى المعاملة، وغياب الرقابة الكامل، فيفعل الشاب كل شئ مخالف للقيم والتقاليد، كما أن وجود خلافات بين الوالدين، أو انفصالهما يفاقم من المشكلة ويزيد انتشارها بين الشباب، وأيضاً لجوء بعض الآباء إلى القسوة والعنف والشدة فى تربية الأبناء ينتج نوعا من الحرمان مما يدفع الشباب إلى البحث عن الاحتماء بأىِ شخص وغالبا ما يلجأ إلى أصدقاء السوء والمنحرفين، كما أن عدم تشجيع الوالدين لأبنائهما قد يكون سببًا فى الانحراف. وأضاف أستاذ الصحة النفسية أنه بالنسبة لطلاب الجامعات والمدارس هناك ضرورة لتفعيل دور الاخصائى الإجتماعى ودوره فى حل مشكلات الشباب ببناء جسور للثقة معهم تسمح له بالوجود فى السكن الطلابى والاستماع لمثل هذه المشكلات، وحلها فى سرية تامة دون تدخل إدارة الجامعة، ويجب عقد ندوات توعية للطلاب بأخطار المخدرات الكثيرة، خاصة البانجو؛ لأنَّه انتشر بصورة مذهلة فى الآونة الأخيرة، ويسهل الحصول عليه، كما يسهل تناوله ويلف فى سجائر، وتبصيرهم بأن المادة الفعالة فيه يؤدى تعاطيها بأى وسيلة لإتلاف خلايا المخ وضياع الذَّاكرة، وبمرور الزمن يفقد المتعاطى ذاته، ويقل تبعا لذلك ذكاؤه، ويصاب بالعقم، كما تتسبب سرطان الفم والرئة والبلعوم بدرجة أكبر مما يُحدثه النيكوتين. وعن الآثار النفسية والاجتماعية للإدمان يشرح الدكتور عبد الظاهر أن المدمن يصاب بالهلوسة، فيتصور المتعاطى رؤية أشباح ويحب الهدوء، وعدم الحركة، كما لا يحس بحركاته وتصرفاته، ويعانى عدم الاهتمام والتركيز، مما يعرضه لكثير من الحوادث أثناء القيادة لعدم تجاوبه وسوء تقدير المسافات، وتنمو بداخله الرغبة فى الانتحار، وتتأثر معظم خلايا الجهاز العصبى ويشعر المتعاطى بالخوف، والاضطراب والتبلُّد، وضعف السمع، ويعانى كوابيس مخيفة، وحالات الهلع، كما يصاب باضطرابات ذهنية، وتتأثر مناطق الذَّاكرة والتركيز فى المخ، ويظهر على المتعاطى الكسل، والتَّراخى، ويصاب بالكآبة، وضعفُ المناعة لانخفاض عدد كرات الدَّم البيضاء.، وربما يعانى المدمن نوباتِ صرع، فيشعر برعشة فى يديه، وتوتُّر عصبى، وميل إلى القَيء، وصعوبة النوم والقلق، فيحتاج لمضاعفة الكمية التى يتعاطاها مما يحدث التسمم ثم الوفاة. وقال: إن انتشار المخدرات يرجع إلى عدم اهتمام المدارس والجامعات بالشباب، والاهتمام فقط بتقديم المناهج العلمية، كما أن الفراغ الذى يعيشه طلابُ الجامعة، وعدم الحرص على الانضباط ، دفع الكثير منهم إلى العشوائية، مما يحتم تكثيف الندوات الخاصة بتبصيرهم بمخاطر الإدمان، وتوقيع الكشف الطبى عليهم، وكذلك محاربة الفراغ والبطالة التى يعيشُها كثير من الشباب؛ مما يدفعهم إلى الهروب من واقعهم المؤلم، إلى وسيلة تفصلهم عن الواقع فينزلقون فى دائرة الإدمان أو الإرهاب، كما يعتبر ضعف الوازع الدينى والجهل بأمور الدين من أسباب الاتجاه نحو الإدمان، لذلك فإن العلاج يكون بغرس القيم الدينية، وهنا يأتى دور رجال الدين والخطباء لتركيز خطبهم حول هذه الظاهرة، كما لا نغفل الدور المهم للإعلام والصحافة فى التبصير بأخطار الإدمان.